«زبون العربية الدائم»… عندما باعت إيران «حزب الله»؟! في ليلة من ذات الليالي، ردتني إيران إلى الكنبة رداً جميلاً!
كنت قد كتبت في هذه الزاوية، الطيبة المباركة، أنني أنام على الكنبة أمام التلفزيون، في انتظار رد طهران، على اغتيال القائد الفلسطيني إسماعيل هنية، والذي وعدت به، ومن طول الانتظار أوشكت أن أكون من حزب الكنبة العريق، لكن حدث بعد هذا اغتيال زعيم حزب الله حسن نصر الله، فأيقنت أنه لا رد هناك ولا يحزنون، وذكرتني إيران بمقولتي الخالدة: «خاف من الموت فمات من الخوف»!
لقد بدت إسرائيل في تحرشها بإيران ومن خلال اغتيالات سابقة على هذين الاغتيالين، أنها تريد رداً إيرانياً لائقاً تكون نهايته التدخل الأمريكي، ليجعل عاليها سافلها، وخرجت تصريحات من قناة «العربية»، المنبر الإعلامي المخلص لإسرائيل، تقول إن إيران أبلغت الإدارة الأمريكية تخليها عن حزب الله، ومن هنا كان استهداف نصر الله، والبعض قال إن إيران من وشت به!
وقد انتشرت هذه الدعاية على منصات التواصل الاجتماعي، دون أن نعرف مصدرها، وبدا كما لو كان هناك مخطط لذيوعها، وهناك من يفعلون هذا انحيازاً لإسرائيل، فهم في حالة تضامن مع الذين ساهموا في الترويج على أوسع نطاق لهذه الدعاية، ممن يكرهون إيران وحزب الله، من منطلق مذهبي، يخشون أن يكون الموقف الإيراني الداعم للمقاومة الفلسطينية سبباً في تشيع المنطقة، إذن فلتنتصر إسرائيل، وللمسجد الأقصى رب يحميه، وهؤلاء هم السلفيون الجدد، نتاج التصدير السعودي، فغادرت المملكة الليلة الآن، وتركت للمنطقة فخر ما أنتجت مزارعها على مدى نصف قرن من الزمان!
زبون قناة «العربية»
بحثت عن مصدر معلومة بيع إيران« لحزب الله»، فوجدت شخصاً يظهر على قناة العربية، بملابس رجال الدين الشيعة وعمامة السادة منهم، ورغم أنه بدا لي في كثير من مقاطع الفيديوهات بعد ذلك أنه زبون دائم على القناة، فلم أكن قد سمعت عنه قبل ذلك، وبحثت عن هذه الشخصية المجهولة بالنسبة لي، وقرأت عنه ما لم أستطع تبنيه من معلومات، ومنها أنه حوكم وسجن في لبنان بتهمة التخابر مع إسرائيل، لنترك ما لا يمكن لنا توثيقه إلى ما يهمنا!
فالرجل يزايد على قناة «العربية»، وربما يجعل مذيعتها في مأمن، وهي تمارس رسالتها على النحو المأمول، فتسأله ألا توجد ميزة واحدة في حسن الله؟ فيقاطعها، قبل أن تكمل سؤالها، فتصر على إعادته، فيقاطعها، ومع إصرارها يضرب يمينا ويساراً، فتعيد السؤال عليه، فيرد بكلمة إيجابية ثم يذهب لرسالته، إنه التضامن الوظيفي بين القناة وضيفها!
بدا لي الرجل وكأنه «العرافة» ليلي عبد اللطيف، وهو يتنبأ بأحداث مستقبلية، ونفى ما قاله عنه البعض إنه على تواصل مع الموساد الإسرائيلي يسرب من خلاله ما يريد تسريبه، لكنه نشر صورة له مع أحد الحاخامات الإسرائيليين زاره في منزله الواقع، حيث تبث قناة العربية، فأيقنت أن الجهات التي تتبناه ليست على المستوى المطلوب الذي يمكنها أن تخطط له، فقد تركته يحرق نفسه بنفسه، أمام من تعرف عليه حديثاً.
إن شخصاً كهذا، كان ينبغي ضبط ايقاعه ليكون في مستوى رجل الدين الوقور، وأن يكون خلافه مع حسن نصر الله من منطلق كونه شيعياً، يتفق معه في الأهداف ويختلف في الوسائل والتحالفات، لكنهم لم يحسنوا توظيفه بإعادته لضبط المصنع، وكان ينبغي أن يحصلوا على دورة تدريبية لدى أجهزة الأمن في مصر، التي تحافظ على مثل هذه الشخصيات، فيبدو إبراهيم عيسى للمصريين ولسنوات طويلة أنه زعيم المعارضة المصرية، الأمر الذي لم ينطل علي يوماً، وسودت فيها صفحات تحذيرية، لكن الناس كانوا في سكر بين، ثم يأتون الآن فيعتقدون أنه تحول، وها هو يهاجم اليسار والناصريين في قناة «القاهرة والناس»، مجهولة المالك والتمويل، وقد سألت ولم أتلق رداً، وحق الرد مكفول بكل تأكيد!
المذكور كان يسارياً، أو هكذا كان يصنف نفسه، وكان عضواً مؤسساً في الحزب الناصري، ضمن إحدى الوحدات الصغيرة، لكنه الآن يجهر بتحوله، ليصبح من مقدمي البرامج في قناة «الحرة» الأمريكية، فيجمع بين برنامج هنا وبرنامج هناك، بعيداً عن مبدأ «تضارب المصالح»، فلا مصالح متضاربة والحال كذلك!
ظل كثيرون مفتونين بطفل الأنابيب، باعتباره صحافياً شجاعاً ومعارضاً لمبارك ونظامه، وهو أمر يحسب لنظام مبارك وأجهزته، والذي وإن فقد كثيراً من لياقته في المرحلة التي حكم فيها جمال ووالدته حكماً فعلياً (2004- 2011)، فإنه كان بما تبقى منه لا يحرق أوراقه، الأمر الذي يجعلهم مؤهلين ليعطوا الدروس لمن يتبنون «زبون العربية»، ولو فعلوا لما شاهدنا هذه النهاية السريعة له، حتى وإن صار مصدراً للمعلومات «الفشنك» بالقول إن إيران باعت حزب الله، أو أرشدت عن مكان زعيمه!
رئيس بين الشوطين
ليست لدي المعلومات الكافية للحكم على الرئيس الإيراني، فقد خاض الانتخابات وفاز، ولدينا ما يشغلنا عن تتبع خط سيره، لكن انطباعي عنه أنه من هؤلاء الذين يتم اختيارهم في طهران أحياناً لفترة الاستراحة ما بين الشوطين، لتخفيف حدة التوتر مع الغرب، وهو وإن كان قد نجح في الانتخابات، فالمجلس الأعلى للثورة الإيرانية من بيده عقدة النكاح، فيختار من يتنافسون على المقعد الرئاسي ويبعد آخرين، فيوافقون على ترشيح أحمدي نجاد، وفي مرحلة تالية يرفضون طلبه بالترشيح، من دون سبب قانوني!
وفي كل مرة ينجح فيها إصلاحي، فإن الولايات المتحدة الأمريكية والغرب لا يلتقطون الخيط، لبدء صفحة جديدة، فتضيع الفرصة هباء منثورا، يبدو أن هناك رغبة أمريكية لضياعها، فإما أن تأتي طهران خاضعة ذليلة وإما لا، ودائماً تكون الممارسة أن هناك حدا أدنى للتنازلات، تعود بعدها الرئاسة للمتشددين!
ومع كل هذا فلماذا لم تأخذ تطمينات الرئيس الإيراني على أنها محاولة لفتح صفحة جديدة، وربما من باب المناورات السياسية، من قوم يعتمدون مبدأ التقية، وليس حسب تأويل «زبون العربية الدائم»، الذي اعتبر مقتل حسن نصر الله هو النهاية، قبل أن يعود لتبني رواية إسرائيلية أنه على قيد الحياة، وأنه فقط أصيب من جراء القصف الإسرائيلي لمقر إقامته.
تقدير قيمة الإعلام الجديد
وعموماً فقد كانت أيام عيد لإسرائيل ورجالها في المنطقة، وظهر علينا نتنياهو وهو يتحدث عن إعادة رسم المنطقة، حسب إرادته هو، ثم ذهب إلى أهله يتمطى، وعشنا نحن أيام يأس، دفعتني لمغادرة «الكنبة»، فلا شيء يستحق قضاء الليل أمام الشاشة الصغيرة، التي هي العنوان للأحداث، هل ما زال هناك من يقول إن الإعلام الجديد أحال الإعلام القديم على التقاعد وأنهاه، هل يذهب المشاهد لأي منصة من المنصات لمتابعة الأحداث؟ ألا يسلمون بأنهم بالغوا كثيرا في تقدير الوضع؟!
إنه التلفزيون، الذي نجلس أمامه لمتابعة الأحداث الكبرى، وجاء الإنترنت ليسهل مهمة مشاهدته ويزيد في أعداد المشاهدين له، ثم تأتي الصحافة المكتوبة في المرتبة الثانية، عندما يتجاوز مشاهدي موقع ما خمسة ملايين مشاهد في اليوم الواحد مع الأحداث الكبرى!
كان قد استقر في وجداني أن إيران إن لم تبدأ بالضربة الأولى حتى لا تعطي مبرراً لاستهدافها، فسيتم استهدافها لا محالة، ونتنياهو يبدو كعملاق لا يقدر عليه أحد، فيعلن وهو في شموخ المنتصر أنه سيعيد رسم المنطقة.. هكذا!
والحذر هو ما دفع «حزب الله» ألا يضرب ضربته الكبرى، تحت ذات العنوان، وهو ألا نعطي إسرائيل المبرر، وحتى لا نستفز المجتمع الدولي!
لقد انطلقت الصواريخ الإيرانية بدون انتظار، وحسناً أنها كانت في وقت مبكر، فلو كانت بعد منتصف الليل مثلاً، لما عرفت بها إلا في اليوم التالي، فقد كنت قد غادرت الكنبة، ونتنياهو يتمدد في الخلاء، فإذا بإعلان التلفزيون الإسرائيلي أنه في اجتماع في باطن الأرض، قبل أن نشاهد فيديو له مهرولاً مذعوراً إلى حيث المخبأ، فالكل في هذه الليلة إلى الملاجئ، ولم يظهر مسؤول واحد يطمئن الشعب الإسرائيلي، وعندما خرج نتنياهو بملابسه السوداء بعد يومين تحدث عن استهداف طهران للمدنيين.. أنظر من يتكلم؟ قاتل أطفال غزة، ومستهدف المستشفيات والمرضى يتحدث عن استهداف المدنيين!؟
وقد عدت مرة أخرى للكنبة، مع أني لا أستبعد أن يكون رد فعل على هذه المبادرة الشجاعة، وأكتب هذه السطور على وقع خبر استهداف الرجل القوي في حزب الله هاشم صفي الدين، فالحروب سجال، فالمهم ألا يترك نتنياهو يتمدد طولاً وعرضا وتعود قرينته سارة للظهور من جديد، باعتبارها حرم زعيم المنطقة، كما حدث عقب اغتيال حسن نصر الله!
عدنا والعود أحمد!
وسوم: العدد 1097