مقولة نبذ الكراهية والتسامح بين الحقيقة وبين المغالطة والمزايدة

ما كنت لأخوض في هذا الموضوع  لولا تداول وسائل التواصل الاجتماعي فيديو مسجل في تل أبيب لامرأة فوق سن الخمسين ، تدعى هدى بالقاضي الحلوي، نطقت اسمها بلكنة فرنسية ، وهي  من أصل مغربي  منحدرة من مدينة تطوان ، وتحمل الجنسيتين السويسرية والفرنسية  كما صرحت بذلك  لأحد الصهاينة .  ووصفت نفسها بأنها  ناشطة  مدافعة عن دولة الكيان الصهيوني ، كما صرحت بأنها مسلمة سنية مالكية ، وقد ظهرت في الفيديو وهي تحمل في  يدها العلم الصهيوني باعتزاز وافتخار.  

ومما جاء في كلامها أن الصهاينة يحترمون حقوق الإنسان ، ويحترمون جميع  الديانات بما في ذلك المسيحية والإسلام ، وأنهم يكنون في قلوبهم الرحمة  لكل الإنسانية ، وأن أرض فلسطين المقدسة هي أرضهم أعطاهم إياها الله تعالى كما جاء ذلك في سورة  المائدة  على حد زعمها . وعندها أن يهوديا واحدا هو أفضل من كل  فلسطين أو من كل الشعب الفلسطيني . وأشادت باليهود المغاربة الذين سكنوا المغرب قبل ثلاثة آلاف عام قبل أن يدخله العرب ، و رحلوا إلى فلسطين سنة 1948 ، وقد تركوا كل ممتلكاتهم وخيراتهم  للمغاربة ، لهذا  لم تقبل هي  أن يوصفوا  بالأشرار، وبأنهم يعادون المسلمين.

 وصرحت أيضا أنها  جاءت إلى تل أبيب لمساندة الصهاينة الذين تعرضوا  لعدوان بربري همجي من الفلسطينيين  انطلاقا  من قطاع غزة ، ووصفتهم بأنهم على حق ، وأنهم سينتصرون ، ثم توجهت إلى المسلمين بقولها : " افتحوا عيونكم إن الأشرار  يقصفون الأرض المقدسة التي باركها الله  ،وخص بها اليهود بالمادفع و بالصواريخ  ثم ختمت كلامها بالقول إذا  ما كانت عقيدة من يقاتلون الصهاينة ستدخلهم الجنة ، فإنها لا ترضى دخولها معهم، و ستكون مع إخوانها الصهاينة حيثما حشروا .

 إن ما صرحت به هذه الناشطة المتصهينة  إنما هو محاولة مكشوفة  للتمويه على تصهينها ، و على خيانتها لوطنها ولأمتها العربية والإسلامية  مع أنها تدعي الانتساب الكاذب إلى الإسلام السني المالكي ،و لتسوقها فكرة شيطنة الشعب الفلسطيني على طريقة الصهاينة ، ولتسخر من كل الشعوب العربية والإسلامية مقابل مدح الصهاينة  متجاهلة  ما يقترفونه من  جرائم الإبادة الجماعية  ضد الشعب الفلسطيني في القطاع والضفة ، وهو إجرام بدأ  منذ احتلالهم لفلسطين  سنة 1948  إلى آخر إبادة  جماعية همجية  لهم ضد شعبها طيلة سنة كاملة ، والتي لا زالت مستمرة إلى اليوم ، وقد أدانتها كل شعوب المعمور التي خرجت ولازالت  تخرج باستمرار  في مظاهرات مليونية حاشدة  منددة بها ، كما أنها موضوع  إدانة لدى المحاكم الدولية ،وكل المحافل والمنظمات الإنسانية  والحقوقية في المعمور .

ولم تزد هذه المتصهينة  فيما صرحت به عن ترديد مقولة اليمين الصهيوني المتطرف الذي يعتمد على ما سماه الفيلسوف الفرنسي رجاء جارودي بالأساطير أو الخرافات المؤسسة لدولة الكيان الصهيوني  ، وعلى رأس هذه الخرافات الزعم  بحق الصهاينة في السيادة على أرض يسمونها أرض الميعاد التي وعدهم بها الرب  في التوراة .  ولقد تعمدت هذه المتصهينة  إقحام موضوع اليهود المغاربة،  و إقحام المؤسسة الملكية للتمويه على تصهينها ، علما بأن المغاربة يميزون بين من عاش بين ظهرانيهم من يهود ،ولا زالوا  يعيشون معهم لكنهم يتبرءون  ممن  انظموا منهم إلى الحركة الصهيونية العنصربة ، وبين الصهاينة المحتلين بمن  فيهم الذين   هاجروا من المغرب إلى أرض فلسطين انصياعا لهذه الحركة ، وقد احتلوا ديار الفلسطينيين، واغتصبوها منهم ،كما اغتصبوا ممتلكاتهم ، ومتاجرهم ومزارعهم ، وأقيمت لهم هناك مستوطنات  . ولا يخفى على أحد أن كل اليهود الذين هاجروا إلى فلسطين استجابة لدعوة الحركة الصهيونية من كل بقاع العالم بمن فيهم يهود مغاربة ، قد  خضعوا للتجنيد الإجباري ، وعملوا في صفوف الجيش  والشرطة ، ولا يخلو أحد منهم إما ملطخة يداه بدماء فلسطينيين أبرياء  أو متورط في تعذيبهم والإساءة إليهم ، وهذه حقيقة لا يمكن أن ينكرها إلا جاحد أو مكابر.

والمتصهينون من أمثال هذه المتصهينة يستغلون فكرة نبذ الكراهية والتسامح تجاه اليهود كي يغالطوا بها ، ويزايدوا على كل من ينتقد الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين ، ويدين جرائمه الوحشية في حق الفلسطينيين أصحاب الأرض التي احتلها بالقوة يوم استنبته فيها الاحتلال البريطاني ككيان  مصطنع دخيل لم  يكن له وجود قبل سنة 1948 بشاهدة تاريخ لا يمكن طمس حقائقه  أو التشكيك فيه ، ومن يقدم على ذلك يكون عرضة للسخرية  والتجهيل .

ومعلوم أن التاريخ يشهد بأن  اليهود في كل بلاد الإسلام بما في ذلك المغرب عاشوا التسامح في أرقى  وأسمى صوره ، ولم  يتعرضوا  أبدا لكراهية أو مضايقة أو ميز عرقي ، بل كانوا يمارسون شعائرهم الدينية بكل حرية ، ويمارسون حياتهم اليومية بشكل طبيعي ، بل كان لهم الباع الطويل في الأنشطة التجارية والصناعية  والزراعية تدر عليهم الأموال الطائلة  التي كانت تضمن لهم العيش الكريم . ولا مبرر اليوم لتعالي أصوات متصهينين من أجل المزايدة على المغاربة الذين تنحصر كراهيتهم  على الصهيونية باعتبارها حركة عنصرية دموية بشهادة كل المحافل الدولية ، وعلى رأسها  محاكم دولية تابعة لهيئة الأمم المتحدة ، و بشهادة كل شعوب المعمور ، ولا مبرر للمغالطة  واللف والدوران عن طريق  إقحام موضوع  اليهود المغاربة في  هذا الأمر.

وإذا ما أردنا مناقشة ما جاء في كلام هذه المتصهينة التطوانية  ـ حاشا  مدينة تطوان ـ   ونحن نربأ بأهلها، وبكل المغاربة أن ينتسب إليهم مثلها ، فإن التركيز سيقتصر على  ادعائها الانتساب إلى الإسلام السني ، وإلى المذهب المالكي ـ وهما منها براءـ  إذ لو كانت كما تدعي لهداها انتسابها إليهما إلى معرفة حقيقة اليهود  عموما كما جاء وصفهم فيهما  وصفا لا يلابسه باطل ، وكفى بهما شاهدي عدل كما يقول أهل العلم .

 إن القرآن الكريم  أسهب وفصل تفصيلا في الحديث عن بني إسرائيل ، ومجمل الحديث  فيه عنهم عبارة عن انتقاد  لهم لما كان منهم من خروج  صارخ عن شريعة نبي الله موسى ، ومن أعقبوه من الأنبياء الذين بعثوا فيهم سلام الله عليه أجمعين . وتكفي الإشارة إلى تجاسرهم على الذات الإلهية إذ نسبوا  لله تعالى عزيرا ابنا  له ـ  تعالى عما افتروا علوا كبيراـ  ووصفوه تعالى بالبخل وبالفقر ، وقتلوا أنبياءه  ظلما وعدوانا ، وعبدوا العجل في غياب موسى عليه السلام عنهم أربعين ليلة  ، وأكلوا السحت ، وقذفوا مريم العذراء أم المسيح عليهما السلام ، وحرفوا الكلم عن مواضعه في التوراة ، وزعموا أنهم أبناء الله وأحباؤه ، وأنه لا يدخل جنته إلا من كان هودا .... إلى غير ذلك من مَ شين الأقوال والأقعال ، فكيف تزعم هذه  المتصهينة أن الله تعالى خصهم بأرضه المقدسة ، وهي تغفل أو تتغافل عن كل ما ذمهم به سبحانه وتعالى في الرسالة الخاتمة ، وقد جعل منهم قردة وخنازير ، ولعنهم على لسان داوود وعيسى ابن مريم ، ولم يستثن منهم إلا الفئة التي آمنت بما أنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ،وهو مصدق لما بين يديه من توراة وإنجيل  قبل أن يحرفا .

 وما أفاض الله تعالى في وصفهم في محكم التنزيل إلا ليحيط البشرية  جمعاء بخبثهم، ومكرهم، وخسة طباعهم وإضمارهم الحقدة والكراهية لكل البشرية . فكيف تزعم  هذه المتصهينة أنهم خيار الناس ، وأنهم يحترمون حقوق الإنسان ، ويحترمون كل الديانات ؟   بينما هم يضمرون الحقد الأسود لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويسيئون إليه قولا وتصويرا ، ويكرهون المسلمين ، ويدنسون مقدساتهم. وهل من يصدق ما جاء في كتاب الله عز وجل ، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من تعريض بانحراف اليهود عن شريعة موسى عليه السلام يتهم بكراهيتهم، وبعدم التسامح معهم،  ويزايد عليه بذلك  في وطنيته وفي دينه ؟  

وبناء على ما تقدم يتعين على هذه المتصهينة أن تختار بين  تصديق والتزام ما جاء في كتاب الله تعالى ، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم عن اليهود باعتبار ما تزعمه  من انتماء إلى العقيدة السنية  وإلى  المذهبي المالكي ، وبين تكذيبهما ، والعزف على وتر تمجيد التصهين، وهي بذلك تكشفت عن جهلها المركب إن لم يكن مكعبا بالكتاب والسنة، وكان يلزمها أن تعلن براءتها منهما ـ وهما منها براء ـ  لجحودها  بهما ،وتنكرها  لما جاء فيهما من حق لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه  بخصوص ما يتعلق  باليهود الذي بدلوا وحرفوا ما جاء في شريعة نبي الله موسى عليه السلام ، وباءوا  بسبب ذلك بغضب من الله عز وجل .

فهنيئا لهذه المتصهية بانتمائها الصهيوني ، وقد شرف الله تعالى الإسلام ، والمغرب، وتطوان  من أن يكون لها نسب يمت إليهما بصلة ، وهي التي صرحت ببراءتها ممن يدخلون الجنة من المسلمين ، واختارت أن يكون مصيرها مع إخوانها الصهاينة حيثما حشروا ، وستعلم  مع الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

وسوم: العدد 1098