الفساد في وزارة التربية ... راهن وتاريخ
نشأنا واسم الوزارة التي تعنى بأمر تعليم الجيل في سورية "وزارة المعارف" ظللنا كذلك حتى أيام الوحدة على ما أذكر 1958 ... فسموها "وزارة التربية والتعليم" في ذلك العصر مع كل ما فيه كان على القائمين على الوزارة مسحة من أمانة،، وفي كوادرها الأعلى مسكة من أخلاق.
ثم لم نغبر إلا سنوات حتى تفذلك بعضهم، وحذف لفظ التعليم، وزعموا أن مصطلح "التربية" العام يشمله. وقلنا لا مشاحة في الاصطلاح...
ثم اختُرقت الوزارة أو اختُرقت المدرسة أو أختُرق الجيل، بالمنظمات الفاسدة المفسدة الطلائع والشبيبة وما إليها...
وانتشر الفساد في العمليتين التربوية والتعليمية على السواء. وتم إفساد التربية وإفساد التعليم، عن طريق تحطيم المعلم في كل المراحل.. ماديا ومعنويا واختراقه هو أيضا أخلاقيا...
في سنة 1978 - 1979 سمعنا على ألسنة الرفاق غير الرفاق، شعار "تبعيث التعليم" قالوا والعبارة لهم "كما قمنا بتبعيث الجيش وجعلناه عقائديا" سنقوم بتبعيث التعليم أيضا. لا يجوز أن يدخل حمى المدارس إلا بعثي...
ربما أذكركم بما لم تشهدوا ...
في عام 1979 صدر قرار أو مرسوم لا أدري بعزل ألف وخمس مائة مدرّس ومدرّسة، ومدرسة هنا مهم ذكرها، عن مقاعد التعليم...
المدرسون المربون ذوو الخلق والدين، الذين يحضون على الفضيلة والرشد ويصدقون في نصحهم لأبناء الجيل، ونظراؤهم من المعلمات والمدرسات ذوات الخلق والدين واللواتي هن أكثر تميزا بتيجان الحجاب على رؤوسهن..ثم عزلهم بجرة قلم من كائن لا خلق ولا دين...
ألف وخمس مائة مدرّس ومدرّسة أحيلوا إلى المستودعات الرطبة، في موقع لا ترى ولا تُري...!!
تلك لم تكن البداية، بل سبقتها خطوة إفساد المناهج، حيث بدأت تقدم حركة القرامطة من الكفرة الفجرة المفسدين في الأرض، وغيرها مثل ثورة الزنج يوم أحرقت البصرة، على أنها حركات ثورية، وغير ذلك من الفساد الكبير ...
ثم تم النزوان على نتائج الامتحانات العلمية، لا يهم أن تكون طالبا متفوقا مبدعا لتحظى بحقك في الدعم في وطنك، فتنال المنحة الجامعية التي تعطى في كل دول العالم الحقيقي، للمتفوقين بل أصبح لوزارة التربية والتعليم العالي معايير أخرى ...منها من أي مدينة أنت، وإلى أي طائفة تنتسب، ويا سوء حظك إن كنت من عشب الأرض، أو من ملح البلد...
يوم تخرجت من كلية اللغات في جامعة حلب، متفوقا متقدما على أقراني، ذهب حقي في المنحة الجامعية الوطنية إلى طالب ابن أقلية من شمال شرق ناجح بدرجة "مشحوط" لا أذكر اسمه تعففا...
ثم بدأنا أو بدأتم تسمعون عن بيع الأسئلة أو الأجوبة في الامتحانات العامة. ولاسيما في مراكز الامتحان التي تعلمون هويتها....
تاريخ طويل، تحضّر فيه رسالة دكتوراة علمية تتتبع، وتستشهد بالشواهد والوقائع وتستحضر الوثائق والقوانين. حتى المدارس والمعاهد الشرعية دبوا إليها دبيبا مريبا. أتذكر يوم جمع شيخنا الشيخ عبد الله سراج الدين تلاميذه، ليقرأ إحدى وأربعين مرة سورة ياسين، ليدرأ عن المدرسة الشعبانية كيد الكائدين...
أكتب إليكم اليوم والضجة القادمة من دمشق تتحدث عن طبق آخر من الجريمة المركبة سباعية الأبعاد ...
فمن فاته قطار الفساد في بعد من الأبعاد، يمكنه في محطة الفرصة الأخيرة، أن يشتري بمال أبيه، الذي هو بكل تأكيد مسروق من جيوب السوريين، أن يشتري ما يشاء من الدرجات، ولكل مادة تسعيرة، ولكل تسعيرة أفق.
كوادر الوزارة مخترَقة على مستوى العقائديين والعقائديات... يقولون إن ما تم اكتشافه في دمشق مهول ومحيف ومفزع وفاجع ... ولكن ما لم يكتشف في طرطوس واللاذقية وغيييييرهما أكثر ...
رحم الله زمانا كنا كتلاميذ صغار نتنافس على نصف العلامة، أقول لرفيقي أو يقول لي : كم ؟؟ يقول أحدنا: تسعة ونصف، فيجيب الآخر مغتبطا أنا عشرة...
ورحم الله أستاذنا عبد الله حبوش يوم تم إفساد عمليات الروز أو التقدير بتقديرات: جيد من الدرجة العاشرة إلى السابعة. ووسط من السادسة إلى الرابعة، وضعيف ما دون ذلك...
أذكر تلميذا صغيرا في صفنا ما أن سلّمه الأستاذ صفحة كشف تقديراته، ورأى الجيدات باهتة تتراقص أمام عينيه، حتى دخل في نوبة بكاء هستيري لم يكن أحد ليعلم سببا لها!! بؤسا لهذا الجيد البيئس الذي يضيع الحقوق والجهود,,, كان الأستاذ عبد الله حبوش رحمه الله تعالى مدرسا تربويا بل كان أبا مربيا حانيا، أخذ من الطفل المسكين شهادته ومزقها... وأتى بشهادة فارغة ملأها بتقديرات كلها ممتاز .. ممتاز ..كانت مجرد عملية خداع بصري طمأنت خاطر التلميذ المسكين...
أبكي على وطني سورية وأُبكي البواكيا...
وسوم: العدد 1100