وقفة مع نتيجة الانتخابات الأمريكية من زاوية عربية وإسلامية
تختلف في العالم الزوايا التي يُنظر منها إلى نتائج الانتخابات الأمريكية ، وهي نوعان : زوايا الأنظمة ، وزوايا الشعوب ، وهما في الغالب على طرفي نقيض خصوصا في البلاد العربية والإسلامية إذ ليست رؤى الأنظمة فيها تعبر بالضرورة عن رؤى شعوبها .
فبالنسبة للشعوب العربية والإسلامية لا فرق عندها بين فوز أحد الحزبين الأمريكيين الوحيدين المتنافسين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية ، فهما بمثابة وجهان لورقة مالية على كل واحد منهما رسوم وحروف خاصة به ، ولكنهما يمثلان في النهاية معا نفس القيمة التي لتلك الورقة المالية .
وإذا كان الشعب الأمريكي ـ إذا ما صحت نزاهة وشفافية انتخاباته دون تدخل عوامل خفية غير معلنة ـ يصوت وفق ما يقدم له من وعود ،وعلى رأسها الوعد بتحقيق مزيد من رفاهيته ورخائه ، مع التخفيض من الضرائب المرهقة المفروضة عليه ، ومع الحد من هجرة شعوب أمريكا اللاتينية المجاورة ، التي تزعج راحته ، فإن شعوبنا العربية والإسلامية يلازمها على الدوام توقع حدوث الأسوأ مع كل نتائج اانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، لأن معاناتها من فوز أحد الحزبين هي في نهاية المطاف واحدة على الدوام ، وهما يتناوبان على صناعة تلك المعاناة سياسيا واقتصاديا ... وفي كل المجالات .
فإذا ما أخذنا كنموذج للشعوب العربية على سبيل المثال الشعب العربي الفلسطيني الذي احتلت أرضه بقرار بريطاني جائر احتلالا صهيونيا أقره وعد بلفور المشئوم ، فإننا نجد هذا الشعب البائس لا يجني شيئا من نتائج الانتخابات الأمريكية منذ احتلت أرضه سنة 1948 سوى تكريس الاحتلال الصهيوني لأرضه وضمها شبرا شبرا ، مع محاولة طمس حقه في الحرية والاستقلال من خلال مسلسلات التسويف للبث في قضيته مع تسويق أوهام تصفيتها في وقت ينفرد المحتل الصهيوني به، عن طريق عزله عن باقي الشعوب العربية من خلال إبرامه مع أنظمتها ما سمي بمعاهدات سلام معه خاصة مع دول الجوار ،ثم ما صار يسمى التطبيع مع غير دول الجوار .
فهذا الشعب البائس الذي يعاني اليوم من إبادة جماعية لما يزيد عن سنة كاملة، حيث يشيع في كل يوم عشرات بل مئات الضحايا، لم يفد شيئا خلال فترة حكم الحزب الديمقراطي سوى فيتو أمريكي يقف في وجه قرار لمجلس الأمن من شأنه إيقاف الحرب والإبادة الجماعية ، والوقوف في خندق واحد مع الكيان الصهيوني الذي يزود بكل ما يطلبه من أنواع أسلحة الدمار التي تدمر العمران ، وتبيد الإنسان، بل يشارك فعليا الأمريكيون جيشا أو مرتزقة في جرائم الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني المحاصر ، والمجوع بشكل رهيب . ولقد خلف الحزب الديمقراطي الذي هزم يوم أمس الحزب الجمهوري الذي كان من إبداعه ما سمي صفقة القرن التي فرخت التطبيع على حسب قضية الشعب الفلسطيني ، الشيء الذي اضطر هذا الأخير إلى خيار المقاومة المسلحة فيما سماه طوفان الأقصى كوسيلة وحيدة اضطر إليها مكرها من أجل إحباط مؤامرة صفقة القرن الهادفة إلى طمس معالم قضيته ، وحقه في الحرية والاستقلال كباقي شعوب العالم. وها هو الحزب الجمهوري يعود اليوم من جديد ليواصل تطبيق وتنزيل المشاهد الهزلية لمسرحية صفقة القرن التي كانت من إبداعه . فما هو الفرق بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري بخصوص تعاملهما مع القضية الفلسطينية ؟
لا شك أن الجواب هو أن الصفقة لا تختلف عن الإبادة الجماعية وهي من توصياتها التي أوكلت بالحزب الديمقراطي ليأتي بعده الحزب الجمهوري كي يكمل تنزيل باقي توصيات الصفقة المشئومة .
ومعلوم أن الرئيس الفائز اليوم بالرئاسة الأمريكية قد صرح خلال حملاته الانتخابية أنه لو كان في السلطة مكان سلفه الديمقراطي لما كانت الحرب الدائرة اليوم في فلسطين ولبنان ولا حتى تلك التي تدور بين روسيا وأوكرانيا . ولا ندري كيف سيكون بإمكانه إنهاء هذه الحروب خصوصا تلك التي تدور في منطقة الشرق الأوسط مع أنه هو من قدح شرارتها بصفقة القرن المشئومة التي اقترحها وشرع في تنزيلها ؟ ولا شك أن إنهاء الحرب بالنسبة إليه هو العودة من جديد إلى مسار الصفقة من أجل توسيع دائرة التطبيع عبر جميع الأقطار العربية ،الشيء الذي سيحقق أطماع الكيان الصهيوني في توسيع مناطق نفوذه في العالم العربي ،وربما حتى في العالم الإسلامي كما تحلم بذلك أساطيره التلمودية . ومعلوم أنه لم يكن من قبيل الصدف أن يتزامن تنزيل صفقة القرن المقترحة من طرف الحزب الجمهوري الأمريكي مع وجود حكومة صهيونية تلمودية متطرفة في السلطة ، وهي حكومة مصرة على جعل الأساطير التلمودية تتحقق على أرض الواقع ، وذلك برعاية أمريكية مبدعة لصفقة القرن المشئومة .
والمتأمل في أمر الانتخابات الأمريكية لا يخفى عليه دور اللوبي الصهيوني في صناعة نتائجها التي تكون بناء على حجم الخدمة الأمريكية التي يستفيد منها الكيان الصهيوني ، والتي يتعهد بها كل من الحزبين المتنافسين في الانتخابات الرئاسية. وإذا كان حظ الشعب الفلسطيني من الانتخابات الأمريكية هو محاولة طمس معالم قضيته العادلة ، فإن حظوظ الشعوب العربية والإسلامية لا تقل سوءا عن حظه ، ذلك لأن أوطانها لن تسلم من التأثيرات السلبية المباشرة وغير المباشرة لصفقة القرن التي تلوي الولايات المتحدة للأنظمة العربية أذرعها كي تنخرط فيها، والله أعلم بحجم التهديدات التي تتعرض لها بسبب ذلك .
إن توقع الأمة العربية والإسلامية اليوم، وكما كان الأمر دائما من نتائج الانتخابات الأمريكية ينطبق عليها المثل العربي القائل : " كالمستجير من الرمضاء بالنار " ، وهو مثل يضرب لمن يعدل عن أمر فيه مشقة إلى ما هو أسوأ مشقة منه ،وهو يظن أن فيه نجاة أو خلاص . وقد سيق هذا المثل في بيت شعر هو :
المستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار
وقصة هذا المثل لمن لم يسمع بها من قبل مفادها أن زعيم قبيلته كليب بن ربيعة رمي بسهم ضرع ناقة البسوس تملكها عجوز هي خالة جساس بن مرة، وهو زعيم قبيلته ، و شقيق زوجة كليب التي كانت تفاخر به عليه لتثير حفيظته ، فغضب جساس من كليب ثم غافله فطعنه بخنجر ، وظل ينزف طوال ليل طويل في فلاة موحشة حتى أدركه الصباح، وقد أوشك على الهلاك عطشا ،ونزيفا ، فمر به عمرو بن الحارث، وكان ابن عم جساس، فاستجار به إلا أنه أجهز عليه فقتله ، ولم يكن عمرو أقل فتكا به من جساس .
إن قصة الأمة العربية والإسلامية اليوم مع نتائج الانتخابات الأمريكية إن هي راهنت عليها ، وتطلعت إلى جني مكاسب من ورائها ، فإنها لم تستفد شيئا من قصة كليب بن ربيعة مع عمرو بن الحارث ، مع أن أسلافها تركوا لها أغلى نصيحة في بيت شعر تضمن مثلا سائرا ،و حكمة بالغة ، فهل ستأخذ بها أم أنها ستطمع طمع كليب في إسعاف عمرو له بعد طعنة جساس ؟؟؟
وسوم: العدد 1101