رسائل الكيان الصهيوني إلى العرب والمسلمين

يتمادى العدو الصهيوني منذ طوفان الأقصى في بعث رسائل غير مباشرة واضحة المعنى والمقصد إلى العرب والمسلمين ترمي إلى إلحاق الهزيمة النفسية بنا وتكريس معاني العجز والوهن والانسحاب في الأمة كلها، وقد انطلقت فينا صناعة العجز والوهن  بأدوات من داخلنا حتى يتأقلم الإنسان العربي والمسلم مع النذالة و الحقارة والذل وصولا إلى اليأس مرورا بقتل الشعور بالمسؤولية تجاه الأحداث وتزويرها لصالح العدو وقتل حتى شعور التعاطف مع الضحية بل وتحميله مسؤولية ما يحدث له وتبرئة الكيان الصهيوني صراحة أو ضمنا وحتى الإشادة بالعدو والانبهار به، كل ذلك بجرعات متتالية ومتصاعدة لينتهي الأمر إلى الموت الحضاري للأمة فينتصب الزمن الصهيوني بكل زهوّ.

هزيمتنا النفسية هي هدف العدو وتتحقق من خلال إقناعنا أن الكيان الصهيوني لا يقهر، لا يمكن منازلته والتغلب عليه، اكتسب قوة البقاء نهائيا، لا جدوى من استفزازه بأي شكل، فهو لا يبالي بالأمم المتحدة ولا مجلس الأمن ولا محكمة العدل الدولية ولا الرأي العام العالمي، لا يستطيع أي طرف ثني عزيمته فضلا عن معاقبته، فليس أمام خصومه سوى التسليم بأن التاريخ انتهى بانتصار الصهيونية  وأن الكيان الغاصب وُجد ليبقى...وهذه الرسائل من شأنها أن تزيد المنبطحين انبطاحا وتبث اليأس في نفوس الشعوب، أي تريد خلق التصحر الفكري والعاطفي والعملي، فلا نفكر خارج إطار التصهين  ولا نتعاطف مع الضحية بل نحمّلها مسؤولية ما يصيبها ونجد الأعذار للعو، وصولا إلى حالة السلبية التامة والانسحاب من الفعل والتسليم بنهاية التاريخ كما تؤصل له الصهيونية.

ويجب الاعتراف أن العدو بلغ بعض هذه الأهداف، فالأنظمة المطبعة وصلتها الرسائل جيدا وفهمتها وانصاعت لها بكل طواعية وها هي قضية السفينة المحملة بالأسلحة التي رست في مصر تؤكد هذه الحقيقة، من جهة ثانية وصلت الرسائل علماء السلاطين وتفاعلوا معها بكل حماس وأصّلوا للزمن الصهيوني بليّ أعناق الآيات الكريمة والأحاديث النبوية، أما الطاقات الحية في الأمة فنريد أن نحسن بها الظن لتتحرك وتحول دون تحقيق الأهداف المتضمنة في رسائل العدو، مع العلم أن الخطوة الأولى والغاية القصوى في التصدي للمشروع الصهيوني هي مقاومة الهزيمة النفسية لأن الهزيمة تنزل بالقلوب قبل دخول ساحة المعركة، والنصر كذلك...ما هي الهزيمة النفسية؟ تشرحها قصة طالوت أحسن شرح وأبلغه، فالقوم الذين حثهم نبيهم على الخروج للجهاد لتحرير أرضهم من الغاصبين تراجعوا في دفعات ومراحل متتالية وهم بعيدون عن ساحة المعركة، كان آخرها رسوبهم في امتحان بسيط أجراه لهم قائدهم، هو امتناعهم عن شرب كمية كبيرة من الماء واكتفاؤهم بالقليل منه لمّا مروا على النهر، أي طلب منهم مقاطعة مادة معينة بنسبة معينة " فشربوا منه إلا قليل منهم "، لِمَ؟ لأنهم كانوا يحملون نفوسا منهزمة أصلا، لا تؤمن بجدوى المنازلة فضلا عن الانتصار على العدو، همّها البقاء على قيد الحياة ولو كان مقابل الذل والهوان...مباشرة بعد رسوبهم في الاختبار البسيط قالوا "لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده"،، قالوها وهم لم يصلوا بعد ساحة المعركة ولا رأوا جيش العدو ولا قائده، لأنهم كانوا مقتنعين باستحالة الانتصار عليهم...تماما كما هو حال الأنظمة العربية اليوم وأدواتها الدينية والإعلامية...الهزيمة النفسية هي التحدي الأكبر في هذه المرحلة وأفضل علاج لها "قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين"...هذه القلة تخلصت إذًا من المعوِقين والمتخاذلين وتسلحت بالإيمان القوي بقضيتها فصنعت النصر بإذن الله:" فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت".

الأمر بالنسبة لنا اليوم أعقد وأسوأ، فقد اجتمعت علينا المآسي التي حلت بالمسلمين زمن التتار والصليبيين وأواخر أيام الأندلس، فيوشك أن تقوم المرأة على رأس ابنها المنهزم تقول له: ابكِ مثل النساء ملكا مضاعا لم تحافظ عليه مثل الرجال...اجتمعت على هذا الجيل أمارات الوهن وخيانة الحُكام وانحياز بعضهم علنا إلى العدو والتطبيع والهرولة والتنكر لقطعيات الدين ومقتضيات المروءة، وكل هذا يسوّق الهزيمة النفسية لكن...

لكن هذا الوضع المزري محفز لكل من يحب دينه ويحمل همّ أمته ويرفض الاستسلام ويحدث نفسه أن يكون من الفئة القليلة المتغلبة والطائفة المنصورة بإذن الله فينخرط في كل نشاط يقف دون تسرب الهزيمة النفسية إلينا، يكتب، يتكلم، يجادل، يربي...وهذا هو بيت القصيد: إعداد جيل النصر على أنقاض جيل الهزيمة، جيل لا نعلّمه انتظار عمر وخالد وصلاح الدين والمعتصم بل نوجد فيه هذه النماذج الرفيعة، نعلمه كيف يقتفي أثرهم ويكون مثلهم، هذا الجيل يتشرب من أول يوم الاعتزاز بالنفس وبالانتماء الحضاري ويتجاوز الهزيمة النفسية، تتواصى نساؤه بإنجاب أمثال هنية والسنوار ولن يكون هذا إلا بانتهاج العمل التربوي والدعوي الموازي الذي يحرر الجيل من سطوة الإعلام المنحرف والتعليم التغريبي  والخطاب الديني المبدّل والنمط العلماني للحياة، فلا تؤثر فيه رسائل العدو بل يردها عليه ويستقل بالرؤية الذاتية التي تعيد التوازن وتحقق النصر.

إذًا السؤال الملح للأمة ونخبتها هو كيف الخروج من حالة الوهن؟ التصهين هو العقبة الأكبر، فهل نحن جزء من الحل أو من المشكلة (كما هو حال الوهابية)؟ السؤال ليس أين أمة الإسلام (فهذا تمييع) بل أين أنا؟

وسوم: العدد 1101