عن أحداث سورية الشقيقة
لا أقصد في هذا المقال أي تحليل سياسي لأحداث سورية وإنما أريد التنبيه على مسائل رأيت كثيرا من المثقفين الإسلاميين تعاملوا معها تعاملا غريبا ينمّ عن اصطفاف واعٍ أو ساذج مع النظام الحاكم في دمشق وداعميه الخارجيين.
أيعقل وجود من يطعن في حق السوريين في الرجوع لديارهم التي أخرجوا منها بغير حق واسترجاع بلدهم من العصابة الدموية الطائفية التي تتحكم برقابهم لأكثر من نصف قرن؟ فمن لم يجد في هذه المظالم الشنيعة مسوغا كافيا للثورة أو شك في مقاصد أهلها فقد تجرد من إنسانيته، أو يصبح السوري الذي يدافع عن أرضه المحتلة التي هجر منها قسرا إرهابيا في نظر عربي مسلم يحب دينه و أمته والإنسانية؟ يُخشى أن يصيب هؤلاء "المحللين" مرض عقلي لا شفاء منه، بل أخشى عليهم انحراف الفطرة...فه حقا كارثة: اسلاميون محسوبون على الثقافة والوعي مصطفون مع النظام وغاضبون من السوريين الذين عادوا الى بيوتهم بعد سنوات من التشرد !!! عندما تُطرَد من بيتك وتسكن خيمة وتنتظر من يطعمك، عندها ستقدّر ما يفعله السوريون اليوم... ونعوذ بالله أن يصبح بعضنا من الشبيحة وهو لا يدري، ويكاد يُحسب هؤلاء على الليكود العربي، يسيرون في ركاب الظالمين إلى درجة أن فقدوا ما يقتضيه الدين والفطرة والمنطق، منهم من يتذرع بأولوية قضية غزة وفلسطين، وهذا أقرب إلى الحق الذي يراد به الباطل، فمتى كان الدم الفلسطيني (وهو عزيز علينا) أطهر وأقدس وأشد حرمة من الدم السوري أو الجزائري أو السوداني؟ أما التباكي على الطرف الشيعي بزعم دعمه لغزة فمتى ورد أن من أراد أن يساعد في نصرة مظلوم يجوز له أن يغتصب أراضي المسلمين وأن يقتلهم أو يشرد ملايين من أهل سورية؟ كيف نستسيغ منطقا مفاده أن من أخرج من داره وأرضه عليه أن يصبر على بؤسه وغربته وبعده عن أهله إلى أن تتحرر فلسطين؟
إن الشعب السوري يدافع عن أرضه وشرفه وحريته فكان ينبغي – على الأقل – ان نقف معه ولو شعوريا لبلوغ هذه المقاصد ومن المفروض أن مشاهد الحرية وكسر الأغلال تفرح كل حر وتبهج كل إنسان ما زال محتفظا بآدميته ولا تؤلم إلا كل خبيث وتقض مضجع كل طاغية، أنصار الطغاة وحدهم من يكرهون الحرية والديمقراطية ويتحججون بالحفاظ على الأوطان... وماذا ترك الطغاة في الأوطان غير التخلف والفقر والفساد والإفساد؟
من المفروض أن نوالي أحرار سورية المعبرين عن عمقها ونوالي من يواليهم ونعادي من يعاديهم باسم رابطة العقيدة واللغة والقومية والإنسانية بدل أن ننخرط في التخذيل والتشكيك وتبييض صفحات الاستبداد والاحتلال الأجنبي سواء كان روسيا أو إيرانيا أو أمريكيا أو غير ذلك ولن يحدث هذا حتى تتحرر النخبة الإسلامية قبل غيرها من القابلية للاستبداد وتدرك أن الدكتاتورية هي أول الشر وأوسطه ومنتهاه، هي الذي ترسخ الذل والمهانة وتجلب الاحتلال الأجنبي وتفسد كل جميل.
وأختم بالطامة الكبرى وهي التذرع بالفتنة، وهي ذريعة المخذلين والمعوقين في كل الظروف، فلا بد أن يعلموا أن أكبير فتنة على الإطلاق هي استعباد الشعوب وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا، وأي فتنة أقبح من أن يعيش الناس في بلدهم تحت القهر والمراقبة بلا رأي في الشؤون العامة ولا أمن على النفس والمال تحت رحمة الفرد والأسرة والطغمة الحاكمة المتسلطة على الرقاب؟ و لا ننسى أن سورية هي التي دشنت عهد "الجمهوريات الوراثية". .. ولا ننسى بشارة صلاح الدين الأيوبي التي ذكرها ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية": ما سُررت بفتح قلعةٍ أعظم من سروري بفتح قلعة حلب فإذا فتحت حلب فتحت الشام كلها بعون الله"...فالخير آت بحول الله.
وسوم: العدد 1106