تهادوا تحابوا

هنادي نصر الله

[email protected]

في كلِ مناسبةٍ أُعايشُها؛ أستذكر صديقتي" هبه ملكة" التي هجرتْ غزة؛ لتتزوجَ من قريبها الذي أحبها والذي يسكنُ جمهورية مصر العربية، كانتْ صديقتي تقول لنا في جلساتٍ وديةٍ هادئة، وبينما  كانتْ تُمهدُ لمناسبةِ عيد ميلادها، لتحثنا على تقديم الهدايا لها" أنا غنية، ولكنني أحبُ الهدية؛ فمن يُقدرني؛ يُهديني شيئًا في هذه المناسبة، ولو كان بسيطًا"..

سهلّ الله أمركِ صديقتي، حقًا ما أجمل الهدية؛ وما أروعها عندما تكون مفاجأةً من صديقةٍ أو مقربةٍ من القلب؛ تُشعرين بأن الدنيا لا تسع فرحتك، لكنْ ثمة شيء مؤلم هو أن هنالك من لا يلقون بالاً للمناسبات، إلا بما يليق بحجمها من الولائم والأطعمة والحلويات، هكذا تكون المناسبة وإلا  لا تُحسب إلا كلام فارغ في الفضاء...!

بل هناك من لا يُعطي مناسباته الخاصة أدنى شعور؛ تدق بابه وهو لا يتذكرها البتة، كأنه يعيشُ في عالمٍ لا يُعنيه فيه حتى نفسه؛ يُصحو شاكيًا وينام باكيًا، رغم أنه بإمكانه أن يستثمر أي مناسبةٍ أو ذكرى سعيدة تدق بابه؛ ليقلبَ حياته رأسًا على عقب، فيسعد نفسه ومن حوله بأبسط الطرق، كأن يبتسم لموقفٍ سعيد ويُجدده في حاضره، ويسترجع تفاصيله كما لو أنه يحياه للتو...

لو يُدرك الناسُ قيمة أن يهدوا أنفسهم لحظةَ ودٍ وتقديرٍ لذواتهم؛ لغيروا خارطة الكونِ ومحوا منها كل المشاعر السلبية، واستبدلوا الإحباط بالتشجيع؛ واليأس بالأمل، وقلة التقدير بعظم التحفيز،لكنّ مصيبتنا الكبرى حتى ونحنُ نسترجع ذكرى الفرح أن كل واحدٍ منا يُلقي الكرة في حِجر غيره، كل منا يُعول على الآخر في أن يبدأ بالتغيير، وننسى أن يدًا لوحدها لا تُصفق، وأننا جميعًا مطالبون بتفجير انتفاضةٍ عميقةٍ؛ تنسفُ كل الرواسبِ السيئة التي كادتْ أن تطفو على سطحِ قلوبنا؛ فلونتْ وجوهنا بالأوجاع؛ أوجاعٌ عجلتْ من شيخوخةِ كثيرين، فليستْ الشيخوخة في العمر فحسب، أصعبُها على الإطلاق أن يشيخ قلبك ويموت قبل أن تلفظ أنفاسك عزيزي...

هي فرصة لأن يُهدي الناسُ بعضهم بعضًا؛ فالهدية تُقرب القلوب، وتختصر الكلمات، بل هي دليل الحبِ وطريقه؛ ألم يقل النبي محمد صلى الله عليه وسلم" تهادوا تحابوا"..

لو يُدرك الناسُ قيمة الهديةِ ولو كانتْ بسيطة جدًا لما شطبوها من حياتهم، ولما أعطوا المادة أكثرَ مما تستحق، بل لمنحوا أرواحهم وقلوبهم مكانتها؛ الأمر الذي يعود بالخير والسعادة على المجتمعات كافة...

عن نفسي.. أهدي أحبابي جميعًا " قلبي الكبير بحبهم، وبالتماسي الأعذار لهم إن قصروا يومًا في وصلي" فماذا عساكم تُهدون أهاليكم ومحبيكم وأصدقاءكم والمقربين من قلوبكم"؟؟؟