البصرة عاصمة كونية في قلب العالم
شهادة مستقبلية منحها لها المفكر البريطاني ج هـ ويلز
كاظم فنجان الحمامي
من المفارقات المضحكة في هذا الزمن العجيب أن البصرة صارت ومنذ زمن بعيد هي العاصمة الكونية الثانية في كوكب الأرض, في منظور معظم العلماء والمفكرين الأوربيين والآسيويين, لكن نوابها فشلوا في إقناع البرلمان لتشريع قانون محلي يجعل منها عاصمة اقتصادية للعراق, فعلى الرغم من قيامهم بتقديم مشروع القانون المقترح منذ الدورة البرلمانية السابقة, إلا أنهم لم يحصلوا على الموافقات المبدئية.
المثير للدهشة أن البصرة لم تنل حتى الآن أبسط استحقاقاتها البحرية, باعتبارها المحافظة البحرية الأولى في العراق, وظلت مقرات معظم مؤسساتها البحرية تُدار من بغداد بالرموتكونترول حتى يومنا هذا, في سابقة مضحكة لم تحصل في أكثر البلدان تخلفاً وغباءً, فانتقل المقر الرئيس للقوة البحرية العراقية إلى بغداد بعد عام 2003, وانتقلت مقرات شركة النقل البحري, وشركة ناقلات النفط العراقية إلى بغداد أيضاً, ويديرها في معظم الحالات أناس من خارج محافظة البصرة, والمصيبة الكبرى أن نماذج البضائع المستوردة عبر موانئ البصرة يجري إرسالها إلى بغداد لفحصها هناك, فتنتقل النماذج براً من البصرة إلى بغداد, ثم تعود ثانية بعد فترات من الوقت المهدور, وكأنما يردون أن يقولوا لنا أن أجهزة الفحص المختبري يتعذر تثبيتها في البصرة.
ومما يزيد الأمر سخرية أننا صرنا نسمع تهكم أصحاب الجنسيات المزدوجة علينا, واستخفافهم بمؤهلاتنا العلمية, ونسمع أحياناً تندرهم على مهاراتنا وخبراتنا عبر شاشات التلفاز وعبر الفضائيات الرخيصة, وكأننا هبطنا عليهم من خارج كوكب الأرض, في الوقت الذي رسم فيه المفكرون العالميون من أمثال (ج هـ ويلز) صورة مستقبلية رائعة لهذه المدينة, التي كانت وما تزال جسراً حضارياً للعالم القديم, وحلقة الوصل الإستراتيجية الرابطة للقوافل البحرية والبرية لقارات آسيا وإفريقيا وأوربا.
لقد احتفظت البصرة بمكانتها الاقتصادية المتميزة على الرغم من تعاقب الحكومات, لكنها خسرتها منذ عام 1969 بالقرار الارتجالي رقم (46), الذي طردت بموجبه الدولة العراقية الشركات البحرية العالمية من مدينة البصرة, فانحصرت وكالاتها البحرية بيد أجهزة الدولة, في نظام عجيب قائم على نظرية الأرانب, التي تقول: إذا أردت أرنباً فخذ أرنباً, وإذا أردت غزالاً فخذ أرنباً.
لقد كتب (ج هـ ويلز H.G.Wells) روايته:
(شكل الأشياء القادمة The Shape of things to come)
التي يتحدث فيها عام 1933 على لسان دبلوماسي سابق يدعى فيليب, تنبأ بقيام دولة كونية موحدة عاصمتها بابل, وتنبأ بما سيمر به العالم من أحداث وصولاً إلى عام 2106, ولإضفاء الإحساس بالواقعية يستعين ويلز بمراجع تاريخية من الخيال العلمي, وينقل عن مؤرخين في القرن العشرين شهدوا انعقاد المؤتمر الكوني الثاني في مدينة (البصرة) لاختيار شكل الحكومة الكونية المكلفة بقيادة العالم بأسره, فالبصرة عند (ويلز) من المدن الكونية, التي منحها الله من الثروات والمقومات والمزايا ما لم يمنحه لبلدان كثيرة وأمم كبيرة, لكنها عند عرب الشيخ متعب مجرد مدينة قديمة غارقة في الأوحال والنفايات, تلفظ أنفاسها الأخيرة تحت وطأة التهميش المتعمد.
ترى هل جاء اختيار (ج. هـ. ويلز) لمدينة البصرة في روايته الخيالية من باب الصدفة ؟, أم أنه أدرك أهميتها الإستراتيجية, وتيقن من قيمتها الحضارية, وعرف مكانتها الإنسانية, فاختارها عاصمة كونية تُعقد فيها المؤتمرات المصيرية لتحديد الصورة المستقبلية للكون كله.