ملادينوف على خطى كوبلر
معا في الروضة العلوية
علي الكاش
كاتب ومفكر عراقي
قلما تغادر محطة ذاكرتنا صورة الثعلب الأممي مارتن كوبلر وهو يقف بقرب ضريح الإمام علي في خشوع تام وتكاد دموع التماسيح تنطلق من عينيه الوقحتين فتوسخ القفص، وذلك قبل أن ينطلق في مقابلته للسيستاني ليتحادث معه في شئون السياسة العراقية، وربما شؤون العقيدة بعد إن أعلن كوبلر تقليده السيستاني إيمانا منه بالعقيدة أوالتقية او الثروة. ولا اظن إن السيستاني الذي زعم بأنه نأى بنفسه عن شؤون السياسة قد ناقش مع كوبلر حينها عقيدة الولاية والعصمة والرجوع والطينة وغيرها من المسائل على الأحوط. ومع هذا فأن البعض ما زال مصرا بأن المرجعية ـ التي خصبت حكومات الإحتلال المتتالية ـ ستتخلى عن وليدتها الهجينة مهما إشتد عقوقها وعوقها وإنحرفت عن بوصلة طاعتها.
صحيح إن قوة المرجعية تضاءلت الآن عما كانت عليه في بداية الغزو، وبهت لمعان قدسيتها بسبب عمالتها لقوات الإحتلال، وبعد أن إفتضح دورها التآمري قبل الغزو وحينه وبعده. ولكن مع هذا فأنها لحد الآن تمسك النفط بيد، والعقيدة بيد أخرى، وهما من أهم عوامل النفوذ في العراق والدول المتخلفة بشكل عام، علاوة على دعمها من قبل الولي الكريه في إيران. وإنتشار الجهل والفقر المتفشي بين أتباعها
أما الزعم بأن السيستاني يرفض ولايه الفقية، فهذا أمر يدعو للضحك. لأن السيستاني التي يتمسك بها بأسنانه ومخالبه، وهو يمارس ولاية الفقية فعلا ولكنه يرفضها قولا. الغزو الأمريكي والتعاون مع قواته والإفتاء بعدم التعرض لها، وصياغة الدستور والتصويت عليه والإنتخابات وما تلاها من نشاطات سياسية جميعها كانت بتوجيه السيستاني. فهل بعد هذا يجوز القول بأنه يرفض ولاية الفقيه؟ إذن ماذا نسمي تدخلاته في هذه القضايا المصيرية للشعب العراقي؟ مع العلم إن الخامنئي مواطن ايراني ويشغل منصب في وطنه، وليس كالسيستاني أجنبي لا يحمل جنسية العراق ويتصرف بشؤونه! إنه ضيف ثقيل على العراق بثقل جبل.
إنصرف الثعلب الدولي مارتن كوبلر من الملعب العراقي بعد إن إفتضحت ألاعيبه المريبة ومناصرته لطغاة بغداد وطهران، غادر محملا بملايين الدولارات من أفقر شعب في العالم. ولم يسأله الأمين العام عن مكسبه ونتائج عمله! إن السفير الفرنسي السابق في العراق الذي عثر صدفة بجعبته عن مئات الألوف من الدولارات واليورو يكاد أن يكون قشة في تبن كوبلر.
كنا في إنتظار الوليد الجديد الذي ستتمخض الشرعية الدولية، ويحل محل كوبلر. وجاء السيد نيكولاي ملادينوف للعراق بالتزامن مع أبشع عملية قام بها المالكي بالتعاون مع الحرس الثوري الإيراني في إستهداف معسكر اشرف بالصواريخ وإختطاف سبع من اللاجئين(بينهم 6 نساء) في عملية خسيسة لا يقوم بها حتى اللقطاء وأولاد البغايا. وإنتظرنا موقف ملادينوف من هذه القضية. فهذا أول إختبارميداني في ساحة عمله الجديدة. قضية اشرف ستكون الميزان الذي يمكن أن نحكم فيه على عطاء ملادينوف القادم للعراقيين، فهل سيُوفق في ساحة تعد من اصعب الساحات في العالم حاليا مع الساحة السورية.
من البديهي إن قضية العراق أكبر من قضية أشرف وأكثر تعقيدا وتشابكا، إنها تمثل مصير شعب كامل وليس فئة منه. كما إن قضية أشرف مسألة أممية تخضع للقانون الدولي وإتفاقيات جنيف الخاصة باللاجئين، ويمكن إعتبار مسألة اللاجئين اللإيرانين في أشرف مشكلة من حزمة مشاكل عراقية. بمعنى إنها ليست معقدة كما يفترض وتحتاج إلى دراسات وتحليلات وإستنباطات وإستقراءات وغيرها من فذلكات أهل القانون الدولي والاعيب الأمم المتحدة وومثليها. مسألة اللجوء واضحة ولا توجد ثغرات قانونية في الإتفاقيات الخاصة بها، يمكن أن يستغلها المالكي ورهطه لتبرير عدوانهم المتكرر على اللاجئين الإيرانيين في العراق.
مازالت آثار الهجوم الغادر على أشرف كما هي، ومماطلات الحكومة العراقية كما هي، وجمود الشرعية الدولية كما هو. والمختطفون كعقارب الساعة لا يتوقفون عن الحركة، وينقلون من محطة لأخرى، لتمويه مكانهم، وربما ستكون محطتهم الأخيرة طهران رغم أنف أوباما وكي مون وممثله في العراق.
الموقف الأمريكي من القضية مبهم أيضا، رغم جسامة الإضرابات والتظاهرات التي عمت أوربا والولايات المتحدة، ورغم رسائل أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي للرئيس أوباما لإدانة الهجوم وإطلاق سراح المختطفين. لكن لا حس ولا خبر! بالرغم من إن الإدارة الأمريكية هي التي سلمت المالكي المقصلة الجديدة لنحر الأشرفيين على عتبة الحرية والديمقراطية، بعد أن وعدتهم بالأمن والسلم والإستقرار والتوطين في بلد ثالث. مثلما وعدت العراقيين بالديمقراطية والتحرر وتعزيز حقوق الإنسان. ونتيجة القضيتين واحدة، لا أمن ولا أمان ولا حرية ولا ديمقراطية ولا رخاء. إنها مسيرة الظلام والرعب والضياع في متاهات الإحتلال.
كذلك كان الأمر بالنسبة لممثل الأمين العام الجديد، صمت رهيب ومفجع! في الأسابيع الأولى من مباشرته عمله(25 أيلول2001) اعطيناه العذر وقلنا بأنه جديد على الساحة ويحتاج لفترة كافية ليتعرف قبل أن يتصرف، وهذا يتوافق مع الحكمة والمنطق السليم. لا بد أن يدرس القضية من جميع جوانبها وزواياه. فالميدان قد زرعه سلفه كوبلر بشبكة من الألغام، ومن واجبه الحرص كي لا ينفجر عليه لغم كوبلري، والأحمق من يلسع من جحر واحد مرتين. وإستمرت الشهور ولم يزل جليد ملادينوف قويا صلبا كما هو! مع إن الوضع في أشرف يذيب الحديد وليس الجليد.
ترقبنا هذه المرة نشاطه بأمل أضعف، لعله ينتظر عما يسفر عنه اللقاء بين أوباما والمالكي قبل أن يتحرك! فالأمم المتحدة وهيئاتها وأمينها العام ووكلائه، لا يمكنهم الخروج من الحظيرة الأمريكية ما لم يفتح أبوابها الرئيس أوباما ويأذن لهم بذلك. كانت الإضرابات على الطعام في معظم دول أوربا والولايات المتحدة والتظاهرات الحاشدة التي حدثت أمام البيت الأبيض نفسه كفيلة بأن تفيق ملادينوف من سباته العميق، وتحطم جليد صمته، لكنه أبى وإستكبر.
إذن فقد فشل ملادينوف في المهمة الأسهل! فهل سينجح في المهمة الأصعب وهي معالجة أوضاع العراق الذي يتأرجح على عكازتين في طريق وعر؟
وأخيرا إنشقت سماء الإعلام عن خبر صاعق! تمخض رحم الشرعية الدولية بعد عدة شهور من الحمل العسير، فولدت لنا ثعلبا جديدا.
ممثل الأمم المتحدة ملادينوف ليس في أشرف ليرى الكوارث ويقيم الأضرار ويقرر! ولا هو في الرمادي والموصل وصلاح الدين وكركوك حيث تتصاعد سحب البراكين الثائرة ليهدأها. إنه يحج في الروضة العلوية أسوة بكوبلر ويؤدي الزيارة وفق مراسيم العقيدة، ويسأل الإمام علي أن يوفقه في مهمته الجديدة بجاه الحسن والحسين، وأن تدر عليه وظيفته الجديدة بالملايين كسلفه! وذلك قبل أن يشد الرحال إلى فخامة السيستاني ويلتقي بسيادته.
من الطبيعي أن يختار الثعلب الجديد شهر محرم لتصح حجته وتتعمق عقيدته، ولا يمكن أن ندع للصدفة دورا في زيارته العاشورية، فقد أراد أن يكون لها هالة من القدسية في شهر النوح واللطم والتطبير والهرطقة. وإذا كان الجعفري قد أهدى سيف ذي الفقار إلى سيده رامسفيلد، فلربما السيستاني سيمنح درع الإمام علي لملادينوف إحتفاءا بحجه الميمون في الروضة العلوية، وأسوة بإبنه الجعفري وتكتمل عدة الحرب عند الأعاجم. فأسلحة الأئمة مخصصة كهدايا لأعداء الأمة. وفعلا كما يقول البعض مفتخرا بكرامته وكبريائه وشموخه في العراق الجديد"هيهات منا الذلة"!
المهمة العاشورية لممثل الأمين العام تتلخص بمحورين فقط. الأول: يتعلق بالأمن المفقود في عراق سماحته، والثاني: حول مسيرة الإنتخابات القادمة كما أشار بنفسه "الاساس في نقاشنا مع السيستاني هو الوضع الامني وموضوع الانتخابات البرلمانية". وناقش الممثلان الشيعي والأممي الوضع الأمني بصورة عامة في العراق وسوريا، وكذلك الخطط الأمنية بالتفصيل بإعتبارهما من الخبراء الستراتيجيين في شؤون الأمن والمخابرات!
يبدو إن المشوار الأمني لم يكتمل مع السيستاني، لذا قررملادينوف" زيارة المراجع الشيعية الاخرى لمناقشة الخلافات السياسية بين قادة العراق والوضع الامني". فعلا أفضل أختيار مكاني وزماني لمناقشة الوضع الأمني في العراق! سيما بعد أن فشل البرلمان العراقي عدة مرات في مناقشته، وهذه دلالة على عبقرية ملادينوف الفذة، وذكاء من زحلق قدميه للعراق. ونتيجة لعدم تطرق وكلاء المرجع الأعلى عن الزيارة، فقد نصب ملادينوف نفسه ناطقا بأسم السيستاني معبرا عن قلق السيد" من الخلافات الراهنة بين السياسين ودعوته لحل عاجل لها وتاكيده على ضرورة اجراء الانتخابات العامة في موعدها المحدد". الحمد لله وكيل اوربي جديد يتضم لجوق المرجع ويتحدث بإسمه، والأهم إن السيد قلق من الخلافات بين السياسيين! يا لحسن حظ العراقيين، السيد قلق! وهل بعد قلق السيد من قلق؟
قلق السيستاني يستحق وقفة جادة! حيث يتشدق أتباعه دائما بـأنه طلق السياسة بالثلاثة ولا عودة حتى لونكحها مرجع آخر بعده. كان قراره حاسما وجازما، وليس على الأحوط كما عودنا في فتاويه! فلماذا يناقش الوضع الأمني والإنتخابات القادمة؟ الا يكفيه ما فعل في الدورتين السابقتين عندما أرسل جنود الظلام من حوزته للعشائر من أجل حثهم على إنتخاب الفاسدين والمأفونين؟ أليس سماحته من القى بالعراق في دياجير التخلف والفقر والجوع والفساد والهمجية؟ إن كان الأمريكان قد إستعمروا الأرض ورحلوا، فإن سماحته إستعمر العقل ولم يرحل. هذا الرجل أشبه بكلب سائب شكى برودة الطقس، فأدخله ناس كرماء بيتهم، فلما دفأ جسمه أخذ ينبح عليهم.
أغرب ما في جعبة ممثل الأمين العام الجهبذ كان حديثه عن ميثاق الشرف الذي أعتبره" " النقطة الاساسية في استتباب الوضع الامني في العراق هو انسجام الاطراف السياسية بالمواثيق الموقعة كميثاق الشرف الاجتماعي". هذا الرجل الأممي أما أحمق فعلا أو يتحامق لغاية في قلب يعقوب! أي ميثاق شرف هذا الذي يتحدث عنه؟ واي شرف عند من وقع عليه؟ ميثاق الشرف ولد ميتا وقمطه المالكي بكفن ملوث بـ( بحار من الدماء). والذين وقعوا عليه إعترفوا ضمنيا بإنهم هم المسؤولين عن الفوضى والخراب الذي يعم العراق. ظهز يقفون على الضفة المقابلة لضفة الشرف. هل يوجد شرف عند العملاء؟ إن وثيقة الشرف لا تقل سخافة عن سخافة ملادينوف ونظريته الأمنية.
من جهة أخرى، ألا يعلم ممثل الأمين العام بإن الوزارات الأمنية وكل الأجهزة الأمنية غير المرتبطة بوزارة هي في عهدة المالكي فقط، وان الأخير يرفض مثول الوزراء والقادة الأمنيين أمام مجلس النواب ليس بهدف محاسبتهم، والعياذ بالله فهذا فوق قدرتهم وواجبهم، وإنما لمعرفة أسباب التدهور الأمني فقط! معرفة فقط بشفافية أرق من شفافية الجعفري يا ناس لا أكثر! فهل سينجح ملادينوف في الوقت الذي فشل فيه البرلمان في مناقشة الوضع الأمني؟
ألا يعلم الحاج ملادينوف بأنه في نفس يوم حجه المبرور للروضة العلوية جاء في الأخبار" أكد مصدر في التيار الصدري ان فرقتين عسكريتين تم اعدادهما بشكل جيد من الناحيتين اللوجستية والتدريبية ومن المقرر نشرهما في الفترة القريبة القادمة لتشكلا سياجا امنيا يحيط ببغداد وماحولها، مضيفا أن منتسبي الفرقتين تم اختيارهما من عناصر في كتائب حزب الله وعصائب اهل الحق"؟
هذا بلد يا حاج ملادينوف تحكمه ميليشيات الولي الفقيه وعصاباته والحرس الثوري الإيراني، بل حتى الأجهزة الأمنية هم من عناصر الميليشيات فأي أمن يرتجى من هذه الحكومة الفاشلة؟ وأي أمل يرتجى من سماحتكم وأنتم بهذه العقلية المتكلسة؟
كلمة أخيرة لممثل الأمين العام، لقد سئمنا حقا من مسرحياتكم التافهة، فمتى تعتزلوا التمثيل فتريحونا وتريحون أنفسكم؟ إننا على يقين بأن حكومتنا يا حاج ملادينوف مسرحية هزيلة، ألفها العملاء، وانتجها الشيطان الأكبر، واخرجها الشيطان الأصغر، وباركتها المرجعية، ووزعتها الأمم المتحدة، فلا تكرروا عرضها علينا. إرحموا من في الأرض، عسى أن يرحمكم من في السماء!