ما حكاية الرهينة «سلسبيل» التي حيّرت قناة عبرية؟ وتساؤلات عن الفراغ الحكومي والبرلماني!
في لقاء صحافي استثنائي مع قناة عبرية، جلست أسيرتان إسرائيليتان أفرجت عنهما «حماس» ضمن اتفاق «وقف إطلاق النار»، لتحكيا قصة تختلف تمامًا عمّا كان يتوقعه المشاهدون. بدا الإعلامي مذهولًا وهو يسمع تفاصيل تكاد تكون أقرب إلى الخيال عن عالم موازٍ، لكنهما سردتاها بهدوء وواقعية، كاشفتين عن حقيقة رجال المقاومة الفلسطينية الذين حيّروا العالم بإنسانيتهم في تعاملهم مع أسرى العدو.
تبدأ إحداهما حديثها قائلة: «لقد عاملونا وكأننا ملكات، فالمرأة بالنسبة لهم مقدّسة». وتتابع: «لم نكن مقيّدات، بل كنّا نمشي، نلعب، وحتى نمارس الرياضة. كانوا يشجّعوننا على الحركة، حتى إن أحد مقاتلي (حماس) شارك في لعبة معي، ممسكًا بمنشفة بين يديه، لأنه يُحرَّم عليهم لمس المرأة. (المرأة عندنا كالملكة)، قالها لي بابتسامة خجولة. وما زالت تلك العبارة عالقة في ذهني».
ثم تتابع الأسيرة الثانية المفرج عنها، بابتسامة خافتة: «كانوا يتحدثون معنا في مواضيع عديدة، حتى عن الزواج والصداقة وعن أمور الحياة. أطلقوا عليّ اسمًا جديدًا: (سلسبيل). قالوا إن معناه الماء العذب في القرآن الكريم. والمصادفة أن اسمي الحقيقي (أجام) يعني البحيرة في العبرية».
حتى في هذه الحرب غير المتكافئة، كان رجال المقاومة يحاولون أن يمنحوا الأسيرات دفء الإنسانية وأن يبددوا مخاوفهن، محاولين إيجاد روابط معهن، وكأن الأسماء الشخصية تحمل رسالة عن الإنسانية المشتركة التي لا يوجد لها أي مثيل في السجون الإسرائيلية، حيث يعاني المعتقلون الفلسطينيون أبشع أنواع الاضطهاد.
بدا وكأن مشاهدي القناة العبرية بأسرهم يستمعون لرواية الأسيرتين المفرج عنهما حديثا بأنفاس محبوسة، لدرجة أن الحديث أخذ منحى أكثر دهشة، حين تحدثتا عن المخاوف التي كانت تسيطر عليهما أثناء سماع أصوات الطائرات والقصف الإسرائيلي: «كنا نخاف أن يجري استهداف المكان، لكنهم كانوا يقولون لنا: (نموت نحن قبل أن تمتن أنتن). هذه العبارة كانت تبعث الطمأنينة في القلوب، رغم كل شيء».
تروي إحداهما موقفًا صادمًا: «في أحد الأيام، كنت مع مقاتلين من حماس في محل تجاري، حين قصفته الطائرات الإسرائيلية. فجأة، قفز أحدهم فوقي كالكنغر ليحميني من الشظايا. كان ذلك مذهلًا… (الإرهابيون) يحموننا». يسألها الصحافي مستغربا وكأنه لا يصدق ما تسمع أذناه: «حماية ممّن؟»، فتجيب الفتاة الإسرائيلية: «نعم، كانوا يحموننا من إطلاق النار من لدن جيشنا نحن!».
ثم تتذكر موقفاً خاصاً: «في أحد الأيام، كنا برفقة مقاومين في محل تجاري. فجأة، قصفت الطائرات المكان. لم أكن أعرف ماذا أفعل، لكن أحد المقاتلين قفز فوقي كالكنغر ليحمني. كانوا دائماً يقولون: (أنتن مهمّات بالنسبة لنا). وحتى عندما يكون الطعام قليلاً، كانوا يصرّون على إعداده بأنفسهم لنا، حتى نبقى سعيدات. بل إننا كنا نساعدهم أحياناً في الطبخ».
تستدرك إحدى الرهينتين السابقتين قائلة: «عندما قلت لهم إني لا أجيد الطبخ، أجابني أحدهم: حين تعودين إلى بيتك، عليك أن تتعلمي الطبخ! قلت له مازحة في إحدى المرات: هل ستحضرون لنا كعكة جاهزة؟ فسارع بالجواب: لا، يجب أن تصنعيها بنفسك. ثم أضاف: في المرة المقبلة، نحن من سنأكل الكعكة التي سوف تعدّينها لنا».
كانت عينا السيدة الإسرائيلية تتسعان وهي تقول: «مهما وجّهنا لهم الضربات، رؤوسهم لا تنحني. لا يجب أن نعيش بوهم أنهم يتراجعون. فهم لا يتراجعون!».
ذلك هو الدرس الذي تعلمته «إسرائيل» من حرب استمرت 15 شهرا.
وسوم: العدد 1113