حقيقة ما يحصل في سوريا بعد سقوط نظام الوحش

عادة مواضيع مقالاتي تتحدث عن أشياء متنوعة تخص الإنسانية بأكملها ، ولكن في هذه المقالة سأتكلم عن موضوع يخص السوريين بشكل خاص والمنطقة بشكل عام ، وبإسلوب مختلف عما تعودتُ عليه في مقالاتي السابقة التي تستخدم علم الرموز والأرقام في الفكر الإلهي الذي يرى قصة الخلق من بدايته وحتى نهايته كرواية واحدة كتبها الله عز وجل .

من يتمعن جيداً بما يتم نشره عما يحصل اليوم في سوريا من قنوات فضائية عربية وعالمية ومن مقاطع فيديو في مواقع التواصل الإجتماعي ، سيشعر بتناقض غريب عجيب في إختلاف وتناقض الآراء ، فالقسم الكبير يرى أن سوريا ذاهبة إلى مستقبل مشرق ، وهناك البعض ممن يرى أنها ذاهبة إلى نظام إسلامي متشدد مشابه لنظام أفغانستان ، والبعض الآخر يرى أنها ذاهبة إلى الفوضى أو التقسيم .

إن وجود مثل هذه التناقضات والاختلافات في فهم حقيقة ما يحصل اليوم في سوريا ، هو أمر طبيعي لأن نظام حكم عائلة الوحش الساقط في سوريا كان يعتمد مبدأ (فرق تسد) ، فالهدف الأول والأخير لهذا النظام كان المحافظة على بقائه في السلطة ، ولهذا قام بإرضاء وتحقيق مصالح جميع القوى العظمى وكذلك إسرائيل ضد مصالح وسعادة الشعب السوري . فالمشكلة في سوريا اليوم هي أن نظام عائلة الوحش إعتمد على حثالة مكونات الشعب السوري من (السنة ، العلويين ، الشيعة ، الدروز ، المسيحيين ، الاكراد ، الأرمن ، الشركس ...إلخ) وبسبب طول فترة حكمه التي إمتدت إلى /٥٤/ عام ، أدى إلى زيادة نسبة الفاسدين والمنافقين واللصوص في الشعب السوري ، حيث وصلت نسبة أولئك الذين يتحكمون في جميع أمور الدولة بصغيرها وكبيرها إلى /٥ %/ ورغم أنها تبدو نسبة ضئيلة ولكنها قادرة على إحداث نوع من الفوضى كونها شعرت مع سقوط نظام بشار الوحش أنها في وضع لا يُحسد عليه ( إما قاتل أو مقتول ) وكذلك بسبب دعمهم الخارجي -وخاصة من إيران- بالسلاح والمال لتنفيذ خطة إفشال نجاح حكومة الإدارة الجديدة ونشر الفتنة بهدف التحريض على إقامة نظام حكم فيدرالي أو حتى إلى تقسيم سوريا إلى عدة دويلات من أجل الحفاظ على أنفسهم ومصالحهم .

هناك مشكلة أخرى وهي أن بعض المحسوبين على المعارضة ورغم تأييدهم لحكومة الإدارة الجديدة في البداية ، ولكن بسبب عدم تعاون الإدارة الجديدة معهم ، إنقلبوا عليها وأصبحوا أعداء لها مثلهم مثل المؤيدين لنظام عائلة الوحش ، حتى أن من شدة انزعاج أحدهم -مثلا- وصلت به الأمور أن يقول (حافظ الأسد أفضل من أحمد الشرع) . فرغم أن هذا الشخص كان من أوائل الذين باركوا للحكومة الجديدة وطالبوا بمساندتها ولكن كونه يعتقد نفسه عبقريًا في السياسة وحقوق الإنسان، فعندما لاحظ أن أعضاء الحكومة الجديدة لم يتواصلوا معه لمناقشة القضايا التي طرحها لهم ، انقلب عليهم وبدأ في قناته بمهاجمتهم بشدة، مما جعله يظهر بمظهر المتناقض.

في المقالة الماضية ذكرت أن إسقاط نظام عائلة الوحش في سوريا تم على يد فصائل تسمى (هيئة تحرير الشام) ، وأن هذا الأسم هو رمزي والمقصود منه ليس سوريا فقط ولكن بلاد الشام والتي تعتبر نموذجا مصغرا عن العالم أجمع . وذكرت أيضا أن هذا التحرير قد تم بجهود جماعية وليس سورية فقط ، فأول خطوة في التحرير بدأت في بداية عام /٢٣/ مع خروج مئات الآلاف من المتظاهرين في إسرائيل (يهود) لإسقاط نظام نتنياهو وعصاباته المتطرفة ، ثم استطاعت فصائل هيئة تحرير الشام (مسلمون) إسقاط نظام بشار الوحش في سوريا ، ثم تم إنتخاب الرئيس اللبناني جوزيف عون (مسيحي) ليعلن عن القضاء على مشروع ولاية الفقيه الإيراني (ولاية أتباع الأعور الدجال) ومحور المقاومة المزيف وبشكل نهائي في المنطقة. فتحرير سوريا الكبرى (بلاد الشام) شارك به اليهود والمسلمون والمسيحيون ، ولهذا كان إسقاط نظام بشار الوحش في سوريا وبمدة / ١١ / يوم فقط أشبه بالمعجزة الإلهية ، كونه قد أسقط المشروع الدولي المخطط لهذه المنطقة . فهذا المشروع كان هدفه تكوين دولة ضعيفة في سوريا عن طريق دمج نظام بشار الوحش مع حكومة الائتلاف الوطني (رئيسها اليوم هادي البحرة) والتي تعتبر نسخة مشابهة لنظام بشار الوحش .

المخطط الإلهي لتحرير بلاد الشام هو أن يشارك به أتباع /٣ / ديانات سماوية (يهودية ، مسيحية ، إسلام) ، وبما أن جمال الشعب السوري يتمثل بتعدد وتنوع مكوناته ، لهذا إختار المخطط الإلهي في تحرير سوريا جيش سوري يسمى هيئة تحرير الشام والذي يبدو عليه كجيش إسلامي ، وهذا ليس صدفة ولكن حكمة إلهية ، فهذه الصفة وجبت أن تظهر في هؤلاء ليكتمل فهم المخطط الإلهي (يهودي ، إسلامي ، مسيحي) لتفسير تلك المعجزة التي حصلت في إسقاط عائلة الوحش ، فعائلة الوحش هي رمز روحي يُعبر عن ذلك النظام العالمي الذي يحكم بلاد الشام والعالم بأكمله .ولكن بسبب عمى البصيرة التي تعاني منها الإنسانية بأكملها اليوم ، شعر الكثير من السوريين وغير السوريين بنوع من الحذر من هذه الحكومة الجديدة كونها من لون واحد إسلامي سني ، ولهذا السبب، شعر بعض السلفيون المتشددون والإخوان المسلمون بالفرح والنشوة، معتقدين أن سوريا ستتحول إلى جمهورية إسلامية، على غرار أفغانستان وإيران، ولكن بطابع مذهبي سني.، لكن الصدمة الكبرى جاءت عندما بدأت السلطات بالقبض عليهم، بعد أن قاموا بنشر مقاطع مصورة من مدن سوريا يروجون فيها لفكرة الجمهورية الإسلامية. المعجزة التي حصلت في تحرير سوريا حصلت بمخطط إلهي لتأخذ سوريا شكلها الصحيح دولة مدنية ( وليست علمانية بمفهومها العالمي اليوم ) ، في هذه الدولة المدنية تحكمها روح التنوع البشري ، يتعاون فيها أتباع جميع الديانات والأعراق لتحقيق دولة حضارية متكاملة بحيث يكون الشخص المناسب (رجل أو إمرأة) في المكان المناسب .

يقول الله عز وجل {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) هود} ويقول أيضا {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣) هود} . إن وجود عدة ديانات عالمية ، أو وجود عدة مذاهب في الديانة الواحدة ، هو حكمة إلهية ، فدماغ الإنسان -مثلا- والذي يُعتبر الجهاز القائد في جسم الإنسان فهو المسؤول عن تنظيم عمل جميع الأجهزة في الجسم ، يُمثل رمز روحي لمعنى الذكر والأنثى في الآية القرآنية ، فهو يتألف من قسمين : القسم الأيمن ويمثل (مركز الفكر العاطفي والإبداعي) وهو أنثوي، والقسم الأيسر ويمثل (مركز الفكر التطبيقي والمتسلسل) وهو ذكوري ، ولهذا نجد أن العالم ينقسم إلى قسمين : شعوب شرقية عاطفية إبداعية ، وشعوب غربية مادية وتطبيقية . ليس من الصدفة أن جميع الديانات العالمية قد ظهرت في قارة آسيا (والتي تمثل القسم الشرقي من العالم) وانتشرت إلى جميع شعوب العالم والتي مسؤوليتها تأمين الحاجات الروحية ، وليس من الصدفة أن الشعوب الغربية هي التي إخترعت التكنولوجيا الحديثة والتي مسؤوليتها تأمين الحاجات المادية . الإنسان الكامل هو الذي دماغه يعمل بطريقة يتم فيها تعاون القسم الأيمن مع القسم الأيسر بشكل متناغم في تحقيق الرؤية الشاملة (البصيرة) ، ونفس الأمر تماما ينطبق على العالم عند تعاون الشعوب الشرقية والشعوب الغربية جنبا الى جنب في حل المشاكل العامة للإنسانية .

إن وجود هذا التنوع العالمي ضروري جدا لتطوير الإنسانية نحو الأرقى ، فعملية بناء الإنسانية مثله مثل عملية بناء بناية كبيرة ، فبناء هذه البناية يحتاج إلى إختصاصات مختلفة : مهندس عمارة ، مهندس مدني ، عامل بيتون ( الخرسانة)، عامل تسليح ، عامل بناء الطوب ، عامل تبليط ، عامل كهرباء ، عامل تمديدات مياه والصرف الصحي ، مهندس ديكور ، عامل الطلاء ، عامل نجارة ، عامل المفروشات ، عامل الأجهزة الكهربائية والألكترونية .... إلخ) فكلما زاد عدد المتخصصين كلما كانت البناية أقوى وأأمن وأجمل وأريح للساكنين فيها . يقول الله تعالى {..هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا...(٦١)هود} بمعنى لتعمروها وتسكنون فيها ، فالتعمير لا يعني فقط تأمين الحاجات المادية ولكن يعني أيضا تأمين الحاجات الروحية (عقائد دينية ، وفنون) . ولهذا كانت بلاد الشام هي المنطقة التي باركها الله من بين جميع مناطق العالم ، فهي من أكثر المناطق في تنوع سكانها في العالم كونها تقع في منطقة اتحاد القسم الشرقي مع القسم الغربي من العالم . وليس من الصدفة أن عدد مكوناتها هو الرقم /١٨/ والذي يمثل رمز روح الله التي نفخها في آدم عندما خلقه من طين . بلاد الشام هي مركز إتحاد الشرق مع الغرب ، هي تلك المنطقة التي -بإذن الله- ستُحدث ذلك التوازن بين التطور الروحي والتطور المادي ليتحول التطور ولأول مرة في تاريخ البشرية إلى تطور شامل يوحد جميع الميزات الحسنة لجميع شعوب العالم . فالإتجاه نحو تكوين دولة سورية لامركزية أو دولة فيدرالية أو تقسيمها إلى عدة دويلات هو دليل انحطاط روحي هدفه تشويه الهوية الروحية لبلاد الشام . الله عز وجل بارك بلاد الشام كون شعبها متنوع الأعراق والمذاهب ، ويجب على هذا الشعب أن يقدم نموذج مثالي لجميع شعوب العالم عن تعاون هذه المكونات مع بعضها البعض كعائلة واحدة تضع الانتماء الإنساني فوق جميع الإنتماءات.

ما حدث في سوريا بعد سقوط نظام بشار الوحش لم يحدث في أي بلد آخر لكثرة تعقيدات وتناقض الأمور فيها ، فسقوط نظام ديكتاتوري متوحش حكم لمدة /٥٤/ عام مارس فيه جميع أنواع العنف والقمع والقتل والتهجير والتغيير الديموغرافي من أجل ضمان بقائه في السلطة ، وكذلك سقوطه في خلال /١١/ يوم فقط ليس بالأمر الطبيعي ليسمح لحكومة الإدارة الجديدة تطبيق قوانين جديدة ترضي جميع مكونات الشعب السوري . فنسبة الموالين لنظام الوحش الملطخة أيديهم بالدماء والذين لم يستطيعوا الهروب هي ليست قليلة ، وكذلك نسبة الشبيحة الذين مارسوا جميع أنواع الفساد لتأمين مصالحهم الشخصية هي أيضا نسبة كبيرة . فجميع هؤلاء مع سقوط نظام الوحش شعروا أن حياتهم في خطر أو أن وضعهم سيسوء ، وطالما أن الحكومة الجديدة سمحت لوسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي بحرية التعبير وحرية رصد ما يجري في جميع مناطق سوريا ، لهذا سارعوا هؤلاء بنقل الأخبار الكاذبة لتشويه حقيقة هذه الحكومة الجديدة من أجل دفع الدول وخاصة تلك الدول التي أزعجها كثيرا سقوط النظام بهذه الطريقة المفاجئة ، للتدخل لمنع نجاح عمل الحكومة الجديدة وبالتالي إظهارها كحكومة إسلامية متشددة تشكل خطرا على المستوى الإقليمي والعالمي .

يقول الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (٦) الحجرات} . منذ فترة طويلة وأنا أراقب تصرفات السيد أحمد الشرع (الجولاني) ، عندما كان يحكم منطقة إدلب ، كانت الأخبار عنه تارة جيدة وتارة أخرى سيئة ، ولكن الذي كنت متأكدا منه أن وضع مدينة أدلب على جميع النواحي رغم أنه كان وضع لا يُحسد عليه ولكنه -والله أعلم- كان أفضل بكثير من وضع جميع المدن السورية سواء تلك التي كانت تحت سيطرة النظام أو في المناطق المحررة أو في المناطق التي تقع تحت سيطرة قسد والتي كانت تملك ثروات إقتصادية كبيرة من النفط والزراعة . وكان لدي الكثير من الشك بقدرة السيد أحمد الشرع على إدارة سوريا ، ولكن مع طريقة انطلاق هيئة تحرير الشام وسرعتها في تحرير مدينة حلب ، ونوعية سلوك رجال الهيئة مع المواطنين الذين كانوا في مناطق تحت سيطرة النظام ، تذكرت ذلك الطفل السوري الذي قال قبل أن يستشهد (سأخبر الله بكل شيء ) وشعرت أن أمر الله قد جاء الآن .

وضع سوريا بعد سقوط نظام بشار الوحش كان على أسوأ ما يمكن أن يتصوره العقل البشري ، وكأن بشار الوحش قبل هروبه من سوريا أراد تطبيق شعار (الأسد أو نحرق البلد) بكامل بحذافيره . فهو حتى الساعات الأخيرة من هروبه كان يحاول بشتى الوسائل أن يقنع جميع مواليه أن القوات الروسية والإيرانية قادمة لوقف تقدم فصائل هيئة تحرير الشام وإعادتها إلى منطقة إدلب ، فبمحاولته الخبيثة هذه أراد منع الشبيحة والموالين له الخروج من سوريا ظانا أن جنود هيئة تحرير الشام أو الشعب المظلوم نفسه سيكون إنتقامهم من هؤلاء الشبيحة والموالين على أشده ، وانه ستحصل مجازر فظيعة بحقهم في جميع المناطق السورية لأنه كان يعلم تماما شدة حقارة الشبيحة بما فعلوه مع السوريين وأن الشعب السوري لن يسامحهم وأن العنف والفوضى ستعم جميع أرجاء سوريا . ولكن المفاجأة كانت عندما بدأت وسائل الإعلام تنشر مقاطع فيديو تُبين المعاملة الحسنة من مقاتلي هيئة تحرير الشام للأسرى من جيش النظام وهم يقولون لهم (إذهبوا فأنتم طلقاء) والتي كانت بمثابة عبارة سحرية طمأنت الجميع وجعلت جميع مكونات الشعب السوري ترحب بهم وتنتظرهم لتحرير مناطقهم بفارغ الصبر .

قبل هروبه، قام بشار الأسد المخلوع بإفراغ البنك المركزي السوري من جميع الأموال والذهب، ونقلها معه ليقدمها إلى بوتين كضمانة لحمايته من المحاسبة على جرائمه بحق الشعب السوري، وبنفس الوقت ليجعل الحكومة الجديدة تقع في ورطة كبيرة تجعلها عاجزة عن تلبية المتطلبات الأساسية لتسيير شؤون الدولة وأهمها تأمين رواتب الموظفين والعمال والمتقاعدين ، ليخلق نوع من الفوضى والحقد على الحكومة الجديدة بسبب تدهور الأوضاع الإقتصادية . ولكن مخطط بشار المخلوع لم ينجح حيث استطاعت حكومة الإدارة الجديدة أن تؤمن هذه التكاليف المالية بمساعدة بعض الدول العربية ، ليس هذا فقط ولكن أن تعلن عن زيادة رواتب الموظفين بنسبة ٤٠٠% وتطبيقه بعد شهرين فقط من حكمها .

هناك بعض الأشياء التي فعلتها الحكومة الجديدة في سوريا إعتبرها البعض بأنها أخطاء تدل على عدم وجود حكمة في التصرف . سنذكر أهمها :

مع قدوم فصائل هيئة تحرير الشام قامت بإخلاء جميع المعتقلين في السجون ، وكان بعض هؤلاء المعتقلين من اللصوص والمجرمين الذين يستحقون عقوبة السجن . بعض السوريين يتهمون الحكومة الجديدة بأن إخلاء سبيل هؤلاء المساجين أدى إلى زيادة أعمال السرقة والنهب ، وهذا صحيح ولكن ما فعلته الحكومة الجديدة في هذا الموضوع هو أفضل ما يمكن فعله في مثل هذه الأوضاع ، لأن بقاء هؤلاء في السجن يحتاج إلى كادر كبير جدا لمراقبتهم وللعناية بهم ، ومثل هذا الكادر لم يكن موجودا في تلك الظروف ، فبقاء اللص في سجنه يعني الحكم عليه بالموت جوعا ، فالحكومة الجديدة في أيامها الأولى لم يكن لديها رجال شرطة تؤمن الإشراف على العناية بهؤلاء اللصوص . ولهذا كان إنسانيا تركهم أحرار ليؤمنوا حياتهم ريثما يستقر الوضع لإعادتهم إلى السجن ثانية ليمضوا فيه فترة عقوبتهم .

بعض السوريين وأكثرهم من الموالين للنظام المخلوع ، يتهم الحكومة الجديدة بأنها من لون واحد فمعظمهم من هيئة تحرير الشام. هذا صحيح ولكن الظروف الفوضوية التي تركها بشار المخلوع كانت تقتضي ذلك ، فالحكومة الجديدة تحتاج إلى أشخاص موثوق بهم ثقة عمياء لضمان السيطرة على الأوضاع بشكل مناسب لتسير الأمور بهدوء حتى موعد تشكيل الحكومة الإنتقالية . فصحيح أن معظم الشعب السوري بشهدائه ومعاناته وصبره ومواصلته في الضغط على جميع القوى الدولية لتحقيق إسقاط النظام ، ولكن أعضاء هيئة تحرير الشام كقوة عسكرية هم من أسقطوا هذا النظام الوحشي ومن حقهم الإشراف الكامل على الأوضاع من أجل حماية هذا الانتصار ومنعه من الفشل لكي تضمن سير الأمور بهدوء حتى موعد إستلام الحكومة الإنتقالية .

بعض السوريين وخاصة الموالين يتهمون الحكومة الجديدة بأن بعض مقاتليها المتشددين دينيا يعتدون على الأقليات ويفرضون عليهم أشياء تعارض حقوقهم . ربما هذا صحيح فهناك بعض من رجال هيئة تحرير الشام المتشددين دينيا يمارسون مثل هكذا تصرفات ، ولكنهم قلة جدا ، وإن عدم تدخل الحكومة الجديدة بقوة لمنع حدوث مثل هكذا أمور فيه حكمة وذكاء لتحافظ على بقاء الأوضاع بقدر المستطاع مناسبة لإجراء الحوار الوطني الذي سيقود إلى تشكيل الحكومة الإنتقالية . فالتدخل بقوة لمعاقبة هؤلاء المتشددين دينيا قد يؤدي إلى فتنة بين فصائل هيئة تحرير الشام نفسها . فمعظم هؤلاء المتشددين عاشوا في إدلب التي حكومتها كانت في بدايتها متشددة دينيا لتضمن بناء جيش عناصره ستضحي بنفسها من أجل إسقاط النظام وتحرير سوريا ، فالمؤمن بعقيدة لا يهمه الموت ، وسوريا كانت بحاجة لمثل هؤلاء ، فتحرير سوريا بالنسبة لهم فوق مصالحهم الفردية . فهذا التطور الذي حصل في السلطة في إدلب في تحولها من منظمة القاعدة إلى جبهة النصرة ثم إلى هيئة تحرير الشام لن يتوقف وسيستمر ويتحول مع سقوط نظام بشار المجرم إلى مشروع مدني بعيد عن التشدد الديني ، فعناصر هيئة تحرير الشام هم من جميع مناطق سوريا ومع عودتهم إلى مناطقهم ستعود إليهم روح الجماعة والتنوع التي تتصف بها سوريا ، وهذا ما نلاحظه اليوم من أقوال وأفعال السيد أحمد الشرع ووزرائه . فإذا كانت هناك فئة صغيرة من عناصر هيئة تحرير الشام لا تزال تحمل فكر جبهة النصرة ، فهي بحاجة إلى قليل من الوقت لتتأقلم مع الوضع الجديد . وعلى الأقليات أن يقدروا حقيقة ظروف هؤلاء الذين أرادوا أن يضحوا بأرواحهم من أجل تحرير سوريا وأن يتصرفوا بحكمة من سلوكهم ، فهذه الأقليات ولمدة /٥٤/ عام يصبرون على سلوك النظام المتوحش الذي لم يراعي أي حق من حقوقهم ، فليصبروا ويتحملوا قليلا ريثما يتم تكوين حكومة إنتقالية تمتلك قوى أمن ودستور وقوانين تحميهم من مثل هذا النوع من التجاوزات ، فهذا من حقهم ولكن ليس الآن ، فحق الشعب السوري بأن تسير الأمور بشكل مناسب تضمن تشكيل دولة قانون ومؤسسات هو اليوم فوق جميع الحقوق الفردية .

السيد أحمد الشرع ليس ملاكا هبط من السماء ، هو بشر يُصيب ويُخطئ ، وهو كقائد عسكري إستطاع إسقاط نظام بشار الوحش ، وهو يشعر بأنه يحمل على عاتقه مسؤولية ضمان إقامة دولة سورية جديدة تقوم على القانون والمؤسسات ، وهو بشر وليس لديه عصا سحرية تستطيع تغيير الأمور بشكل جذري خلال يوم أو أسبوع أو شهر أو عام ، فسوريا اليوم في وضع إقتصادي من أسوأ ما يكون ، وهي بحاجة إلى رفع العقوبات الدولية عنها، وكذلك بحاجة إلى مساعدات مالية كبيرة لعمليات الإعمار وتأمين الظروف اللازمة لعودة المشاريع الإقتصادية الكبيرة لتشهد نوع من الإستقرار يسمح للمواطن السوري العيش الكريم وكذلك عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم . ومن يتمعن جيدا بأقوال وتصرفات أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني سيجد أن حكومة الإدارة الجديدة تحاول بكل ما تستطيع من حنكة وذكاء إقناع حكومات جميع دول العالم بأن سوريا الجديدة ستكون دولة قانون ومؤسسات تراعي جميع حقوق كل مواطن سوري ، وأنها ستكون دولة تحرص على ضمان حسن الجوار لتحقيق الهدوء والسلام والتعاون مع هذه الدول ودول العالم . لهذا على السوريين جميعا أن يراعوا الظروف الداخلية والخارجية التي تعيشها سوريا اليوم وأن يساهموا جميعا في تحقيق تكوين دولة حضارية جميلة دفع شعبها مئات الآلاف من الشهداء وصبرت وتحملت ما لا يستطيع عقل بشري أن يتصوره . من حق كل مواطن سوري أن يُعبر عن رأيه في سلوك وتصرفات حكومة الإدارة الجديدة، ولكن حتى في الدول المتقدمة فشعبها يعطي لكل حكومة جديدة مهلة /١٠٠/ يوم على الأقل بدون أي نقد سلبي لها لتعمل بحرية دون عراقيل تمنعها من إتمام عملها ، فما بالكم من حكومة إستلمت البلاد في أسوأ شكل مرت بها سوريا في تاريخها . الشعب السوري الذي عانى ولمدة /٥٤/ عام من الحرمان والقمع وإنتهاك حقوق الإنسان وسرقة خيرات البلاد ، من حقه الآن أن يعيش في دولة سلام وأمان وأن ينعم بحياة كريمة ، ومن واجب كل فرد من أفراد الشعب السوري يحب بلده وشعبه ويخاف عليها ، أن ينظر بنظرة إيجابية إلى حكومة الإدارة الجديدة التي أزاحت عن كاهله نظام بشار المجرم ، وأن يصبر قليلا على شكوكه ومخاوفه وأن تكون تعليقاته على ما ينشر من أخبار عن الوضع السوري الجديد برأي إيجابي بحيث يمنع تلك الأصوات الشاذة التي تحاول إثارة الفتنة والفوضى بين طوائف الشعب السوري من تحقيق أهدافها . سوريا دولة غنية بخيراتها وتكفي لأن يعيش كل مواطن فيها بمستوى معيشي يعادل مستوى معيشة المواطن الأوربي والأمريكي والخليجي ، هي فقط بحاجة لحكومة شريفة عادلة أعضاؤها يخشون من يوم الحساب أمام الله عز وجل . يقول الحديث الشريف (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليقل خيرا أو ليصمت) .... والله أعلم .

وسوم: العدد 1113