رجال من ذهب!
أ.د. حلمي محمد القاعود
من الصعب أن نقارن شخصية رجل مثل سعد الدين الشاذلي بقادة جيش 67 أو قادة الانقلاب الجديد . الشاذلي رجل من ذهب على المستويين المهني والشخصي . في 67 كان آخر من انسحب من سيناء بكامل جنوده وسلاحه ومعداته وفي أكرم صور الانسحاب بعد تدخل جمال عبد الناصر شخصيا ، وفي حرب رمضان كان هو واضع خطة المآذن العالية ، ومحرك الجيوش في أعظم ملحمة عسكرية تاريخية ، وليت القيادة السياسية التزمت بخطته ولم تغيرها لكانت النتائج أفضل وأعظم .
على المستوى الشخصي انصرف الى تعميق ثقافته العسكرية وتجاربه الاحترافية ، ولم يشغل نفسه بشيء خارج المهنة القتالية . لم يسع إلى منصب سياسي أو وزاري ، كان مشغولا بما يضيف إلى العسكرية المصرية ويخصبها وهو ما انعكس على قيادته لحرب العبور ، وفي الوقت ذاته كان مترفعا وعف النفس ، لم يمد يده إلى عمولة أو مكافأة لا يستحقها ، ومات كريما على نفسه وتاريخه دون أن يخلف وراءه ملايين أو شركات او عقارات .
كان الشاذلي بحق رجلا من ذهب مثل آخرين وصفهم الرئيس المختطف – فك الله أسره – بأنهم رجال من ذهب تفرغوا لمهنتهم القتالية ، ولم ينشغلوا بالسياسة وألاعيبها . وقادوا مئات الألوف من شباب الفلاحين وأبناء مصر في حرب العبور العظيمة دون من أو أذى ، ودون الاستعانة بصعاليك الصحافة ومرتزقتها - كما فعل غيرهم - كي يكتبوا عنهم ويدافعواعن بطولات وهمية ومزعومة في غير مجالات القتال ومواجهة الأعداء !
لقد عشنا انقلابا عسكريا دمويا فاشيا فرش أرجاء مصر بالدبابات والمدرعات وأخرج الأباتشي ليقاتل – ياللعار – الشعب المصري الذي يزوده باللقمة وقطعة السلاح والرداء الذي يلبسه والبيادة التي ينتعلها !
إذا كانت مدن مصر الكبرى والصغري بل بعض القرى تغص بالدبابات والمدرعات فماذا بقي من دباباتنا ومدرعاتنا ليقف على الحدود ويرد عدوا مجرما يتحين اللحظة الملائمة لينقض على مصر ويحقق أهدافه الاستراتيجية التي تتمثل في دولة من النيل إلى الفرات ، والهيمنة على المنطقة وما فيها من بشر وحجر !
هل مهمة الجيش الحقيقي مواجهة المتظاهرين السلميين من الطلاب والمواطنين والموصوفين بالأعداد المحدودة الذين يطالبون بالحرية والديمقراطية ، ثم يستأجر المرتزقة من الصحفيين والاعلاميين ليصرخوا بأن المظاهرات تهدد بتفكيكه والقضاء عليه ؟
من الذي غير عقيدة الجيش من قتال أعداء الدولة والوطن إلى قتال الشعب والطلاب ؟ من الذي جعل قيادات الانقلاب تتخلى عن واجبها المقدس في حماية الحدود والوجود لتتصارع على كرسي الحكم وتخوض حربا غير مفهومة ضد الشعب المصري من الاسكندرية حتى أسوان ؟ من الذي سيعوض الدبابات التي انتشرت على مدى ما يقرب من ثلاث سنوات في الشوارع وقلب التراب وتحت المطر ؟ من الذي سيعيد الانضباط إلى الجنود المقاتلين كما يفترض بعد أن تحولوا الى ما يشبه عساكر المطافي أو الأمن المركزي على أحسن الفروض ؟
هل تعني الصداقة الحميمة بين قادة الانقلاب وقادة العدو أن مصر سلمت تماما مقاليد أمرها للصهاينة ، وأن جيشها لم يعد يرى فيهم أعداء مجرمين يترقبون اللحظة المناسبة لاجتياح مصر وكسرها إلى الأبد ؟ هل هناك اتفاقات سرية مثلا تفيد أن الصهاينة لن يهاجموا مصر ولذا يتفرغ قادة جيشها من الانقلابيين للعمل بالسياسة والإصرار على حكم شعبها بالحديد والنار وجلادي أمن الدولة كما كانت الحال منذ ستين سنة ؟
يعقوب عميدرور، الرجل الاقوى في الساحة السياسية الأمنية طوال السنتين الماضيتين في الكيان الصهيوني وأحد أقرب المستشارين لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، قدم للوزراء بمناسبة ترك منصبه في الموساد استعراضا وصفه بعض الحاضرين في الغرفة بأنه ‘صادق وواعٍ’. فقد تحدث عن تهديدات لكيانه ولكنه تحدث أيضا عن فرص ، عن مخاطر وآمال. وفيما يتعلق بمصر بدا عميدرور أكثر تفاؤلا. فقد أوضح بأن جنرالات الجيش المصري نجحوا في صد الموجة الإسلامية، ونقلوا رسالة لدول أخرى في المنطقة أيضا. وعلى حد قوله، فإن التطورات في مصر أدت الى ضعف كبير لحماس في غزة.
إذا فالعدو يرى أن الإسلام خطرعلى كيانه وأن العسكر قاموا من خلال انقلابهم بعمل يخدم هذا الكيان ويدعمه ويجعل رجل المخابرات اليهودي متفائلا ! هل يعني ذلك أن الغزاة اليهود صاروا طيبين ؟ وسيلقون أسلحتهم وراء ظهورهم ليستمتعوا بالسلام ؟
بعض الصحفيين الأفاقين من خدام البيادة يشيعون كذبا وزورا أن المطالبة بالحرية والديمقراطية تعني أن تتحول مصر إلى سورية وأنه لولا عظمة الشعب وجرأة الجيش وقيادته الحكيمة التي نفذت قرار الشعب في ثورة يونيوكما يسمونها ، لكانت هناك فوضي مرعبة واستباحة إجرامية لشعب كريم، عريق، ثم يحمل الصحفيون الأفاقون من خدام البيادة على طلاب جامعة الأزهر الذين تظاهروا من أجل الحرية والديمقراطية ويتهمونهم بالسفالة والجهل في مواجهة جنود الجيش وضباطه الذين وقفوا (؟) يراقبون هتافاتهم البذيئة وحركاتهم التي راحوا يلوحون بها ! هؤلاء الكذبة يتجاهلون إطلاق الرصاص الحي والخرطوش والغاز المسيل واقتحام الحرم الجامعي والاعتداء على الطالبات وسحلهن واعتقالهن فضلا عما يحدث للطلاب من عنف مماثل وأذي أشد !
ليست مهمة الجيش المصري الوقوف في الشوارع ومطاردة الطلاب وإطلاق النار عليهم واختطاف الرئيس وإلغاء الدستور وحل المجلس التشريعي ، ومصادرة الإرادة الشعبية التي عبرت عن نفسها خمس مرات أمام صناديق الانتخابات ، واعتقال الشرفاء وتحريض كتاب البيادة وصحفييها على التشهير بهم وبإسلامهم وتحقير هوية الشعب الإسلامية ، وصياغة دستور علماني يحرم الإسلام ويحلل الإلحاد والشرائع الفاسدة .
هناك جريمة ارتكبها القادة الانقلابيون الدمويون وهي قتل ما يقرب من خمسة آلاف مصري ، ومع ذلك لم يرف جفن لهؤلاء الكتبة العملاء ليقولوا لقادة الانقلاب إن الشعب المصري لا يستحق ما تفعلونه به ، ولايليق أن تتم مرمطة الجيش في الشوارع ليقمع المظاهرات ويهين المواطنين والطلاب ويشارك جلادي أمن الدولة في اعتقال الأحرار وإلقائهم في غيابات السجون بغير حق .
نريد استعادة جيشنا بقيادة رجال من ذهب وجنود من ذهب .