من هنا وهناك

أول درس تعلمناه في علم التكتيك في الخدمة العسكرية: التمركز…

أن تعلم أين تتموضع في كل واقع جديد تصير إليه؟

بعض الناس يرى الأمر سهلا..!!

على الصعيد الفردي، كل من يبحث عن "رغيف ومحشية" كما يقول أهل حلب، فهو يعرف مكانه جيدا، وقد يجد بغيته بكثير أو قليل من الجهد.

على الصعيد الوطني العام الأمر أكثر صعوبة..ولا سيما للمعادين للأجندات الخارجية.

أقلقني بالأمس أن الولايات المتحدة لم توقع على مقررات مؤتمر باريس!! ولو وقعت لما كان لتوقيعها كبير أهمية،

السؤال الذي يخيفني: ماالذي تريده الولايات المتحدة من الإدارة الجديدة؟؟ وكيف يمكن لهذه الإدارة إرضاءها؟؟ أنا لا أستهين بالولايات المتحدة، ولا بدورها، ولا بحاجة كل دول العالم إلى رضاها، ولكنني أتحدث عن ثمن هذا الرضا في سورية الحديثة بالذات، وعن استعداد الإدارة الجديدة إلى دفعه، ولو على كره..

أتذكر حكاية والي البصرة الظالم منذ عصر التابعين، يقول للأعرابي الذي دخل البصرة ليلا مخالفا تعليمات الوالي، التي لم يسمعها، يقول له الوالي، ولو تأملنا هذا القول أياما لاستحق، يقول الوالي الظالم للأعرابي: والله إني أعلم أنك لمظلوم، ولكنني أرى في قتلك مصلحة للمسلمين.. فأمر به فقتل!!

فهل سيكون من شروط الولايات المتحدة على الإدارة الجديدة، استئناف دور المخلوع في تعقيم الشعب السوري، استعمل تعقيم هنا بمعنى "جعله عقيما" كل الحبوب القابلة لإنبات الرشيمات يجب تعقيمها حتى لا تنبت…الرشيمات المستنبة في المختبرات الأكثر حداثة فقط…!!

هذا أهم موضوع يخص المحتل لجنوب سورية، ويخص من بعده الأمريكي ومن والاه…

أعجبتني بالأمس لفتة السيد وزير الخارجية، في اللقاء السوري- السوري في باريس…

أعجبني من خلق الوزير الشاب الخلوق، التفاته إلى وجود قامتين سوريتين في مجلسه، الأستاذ جورج صبرا، والدكتور برهان غليون، وهما قامتان وطنيتان تستحقان كل الحفاوة والتقدير…

ومع إعلاني تقديري وإعجابي بهذه اللفتة، وعلى طريقة التداعي، قفز بي المشهد فورا إلى مشهد أستاذي هيثم المالح، وأنا ما جرى بيني وبينه حوار، إلا وخاطبته بأستاذنا وبأستاذي، وهو أهل لكل ذلك، وأعود فأقول: إن طريقة التعامل معه في دمشق، أشعرت جمهورا كبيرا من السوريين بالغضاضة بل بالمرارة…

فأين وقع خلق وزير الخارجية من خلق وزير الداخلية؟؟

لقد شعر جمهور من السوريين بالمرارة، من لحظة إنزال أستاذنا هيثم المالح، عن منير المسجد ثم من طريقة التعامل معه حتى اليوم…، وأنا لا أعلق إلا على كتاباته الراعفة أو النازفة…، فليت السيد وزير الداخلية، استعار من السيد وزير الخارجية….

الدقة بدقة كما تعلمنا أن نقول، واللفتة بلفتة، والأدب العام خلق عام، وليس تظرفا وقتي، الأدب العام ليس عباءة تلبس وتخلع…!! والشعب السوري كله خيار. وليس بيننا كما كان يؤكد بشار الأسد: خيار وفقوس. متجانسون وغير متجانسين.

وأعود فأسأل: ماذا تريد الإدارة الأمريكية من الإدارة السورية الجديدة، ولن أنهي قبل أن أسجل تقديري للموقف الذي عبر عنه السيد رئيس الجمهورية، من دعوة ترامب إلى تهجير أهل غزة..

في علم الدولة، وفي قيادة الدول، القائد العام لا يجوز أن يشغله شأن عن شأن، لأن شؤون الدولة تديرها مسنناتها..

وإزاء اقتراح ترامب العديم، يجب أن يكون لدينا جواب أسخن، بإشهار دعوة إسلامية عربية رسمية وشعبية إلى عودة جميع اللاجئين إلى ديارهم، عودة الفلسطينيين وعودتهم حق محفوظ. وعودة السوريين وعودتهم واجب مطلوب…

أتحدث عن عودة السوريين وأزعم أن الملايين منهم لا يمنعهم من العودة إلا الخوف من مثل معاناة أستاذنا هيثم المالح، البيت مهدوم والمكتب مسروق..

وقد جدّ بكم الجِدُّ فجدوا..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1116