تـأمـلات في الرد على ماجاء في البحث
( تأملات في ردّ الدكتور عباس السوسوة على ما جاء به بحثي المنشور في المجلّد رقم (30) من سلسلة (القول المكتوب في تاريخ الجنوب).
حين تكرّم الأستاذ الدكتور غيثان بن علي بن جريس بتخصيص حيّزٍ كاف لبحثي (ردّ أوهام المؤرخين والنقاد حول جنوب الجزيرة العربية والشعر الجاهلي) في الجزء (30) من موسوعته القيّمة «القول المكتوب في تاريخ الجنوب» كنت على دراية تامّة بأنّ ما طرحته في ذلك البحث (على الرغم من استناده إلى أدلة علمية واضحة) فإنه يصادم ما استقرّ في الأذهان، وما امتلأت به الكتب المرجعية من معلومات خاطئة فرضها أولئك الذين كتبوا عن الجزيرة من خارجها، وكنت على يقين بأنّ البحث يكشف الغطاء عن الزيف الذي تلقاه المتأخرون عن المتقدمين دون نقاش، وقبلوه دون تمحيص، على الرغم من وقوف الأدلة ضدّه، وتناقضه مع النظر والعقل المنصف، ثمّ مع المصادر القادرة على رسم الصورة الحقيقية عن العصر الجاهلي، وعلى رأس تلك المصادر الشعر الجاهلي الذي هو أصدق ما يمكن التمسّك به من تراث الجاهليين. والشكر لا يفي أ. د. غيثان بن جريس حقّه، فهو في هذا الباب أستاذ بحث، وصاحب فضل، وساعٍ إلى غايةٍ سامية، إذ يستهدف نشر العلم، وتوثيق الجهود، وإفادة الدارسين، باذلاً علمه، ووقته، وماله، فجزاه الله خير الجزاء. وأعود إلى بحثي الذي علّق عليه سعادة الأستاذ الدكتور عباس بن علي السوسوة، أستاذ اللسانيات في جامعة تعز، في جمهورية اليمن فأقول: لعلّ الطرح الذي جاء نازعا عباءة الأخذ المطمئن عن الكتابات النقدية، والتاريخية القديمة، وحريصا على تتبّع الدليل، كان سببا في عدم قبول الدكتور عباس (وربما غيره) لبعض ما جاء به البحث، وقد أورد د. عباس في قراءته الكريمة التي نشرها في صحيفة النماص الالكترونية ما يظهر عدم قبوله لما خالف ما نشأ الدكتور عليه، وما استقرّ في ذهنه مما لا يقوم عليه الدليل، وهو تردد في القبول لا يبدي الدكتور عباس أسبابا له، ولا يورد دليلا يناقض ما جاء به البحث، ولا أرى أنه يقبل ممن هو في مقام الدكتور أن يرفض شيئا ثم لا يحاول إثبات ما يؤمن به بأدلة علمية واضحة! وقبل أن أفصّل في تعليق الدكتور عباس – الذي أؤكّد أولا أنني سعدت به، وتمنيت أن يكون أكثر تفصيلا، وأقوى حجة – أريد أن أبين أن بحثي يتطرق إلى نقض قضايا كثيرة منها: - أن الدارس لما يتعلّق بالعصر الجاهلي، تاريخا، وشعرا، وتوصيفا جغرافيا، يجد بين يديه كتابات تشرح الشعرَ الجاهليّ شرحا لا علاقة له بذلك الشعر، وترسم صورة لحياة الجاهليين وبيئاتهم المكانية لا علاقة لها بحقائق تلك الحياة! كتابات تأخذ من القصص والروايات ما لا يؤخذ إلا من الشعر، فأخرج أولئك الواهمون الإنسانَ الجاهليَّ في صورة الفقير البائس، الذي يقضي حياته ساعيا خلف إبله، راحلاً عمره كلّه من مكان إلى مكان، لا يرتبط بمنزل، وهو تصوير فنّده البحث، وأثبت بالدليل خطأه. واخترع الواهمون أخبارا وأوصافا للشعراء الجاهليين لا تصدقها اللغة، ولا يصدقها الشعر، كتصويرهم الشنفرى الأزدي ذا البشرة البيضاء في صورة الرجل الأسود، ذي الشفة الضخمة، فهو عندهم من أغربة العرب، ابن امرأة زنجية، وحكمهم عليه – بلا دليل – بأنه عاش في الصحراء! وشرحوا لاميته تحت مسمى (قصيدة الصحراء) و (نشيد الصحراء) وهو الأزدي الجنوبي الذي لا علاقة له بالصحراء! ويعترض البحث – من جهة أخرى – على تصويرهم – مثلا – للشنفرى تصويرا خاطئا، مركّبا على تأويل خاطئ للفظة (شنفر) التي جعلوها (غليظ الشفة) على الرغم من كون تلك اللفظة لا علاقة لها بالشفة، فهي لا ترد بذلك المعنى في كتاب العين ولا في تاج العروس، ولا في لسان العرب، ولا في القاموس المحيط، ولا في غيرها من المعاجم! ويعترض البحث على الأخطاء التي ارتكبها الشرّاح حين نقلوا طرفة بن العبد البكري، الذي يثبت شعره أنّه عاش في جنوب الجزيرة العربية، قريبا من بيشة، فأسكنوه البحرين (التي كانت تعني شرق الجزيرة) في الوقت الذي يجد فيه قارئ ديوان طرفة نفيا قاطعا لهذا القول، إذ يذكر طرفة في ديوانه ما يؤكّد أنّه عاش في جنوب الجزيرة، فهو يتحدث في شعره عن ثهمد، والشُّرَيف، وتبالة، وتثليث، ونجران، وجاش، وقوّ، وإضم، وجرثم، وغيرها، ولا يذكر موضعا واحد في شرق الجزيرة العربية، وعلى الباحث أن يتساءل عن أدلة القائلين بعيشه في البحرين! - والبحث يتناول ما فعله أولئك (الواهمون) حين جعلوا يمن الجاهلية، يمنا آخر لا علاقة له بالشعر الجاهلي، إذا يتحدث الجاهليون عن اليمن الذي تسكنه قائل الأزد، وهذيل، وثقيف، ويتحدث الواهمون عن ديار حمير التي لم تكن فصيحة اللسان! - والبحث يتناول ما كتبه الذين جعلوا الصعاليك (دون دليل) خارجين على قوانين قبائلهم، مجتمعين في الصحراء، ومكونين عصابات سلب ونهب. والبحث يجعل من أبرز أسباب أخطاء المؤلفين عن العصر الجاهلي أنّ التأليف عنه جاء من الخارج، لا من الداخل، فكتب عن بيئة الجزيرة وقبائلها وشعرائها من لا معرفة له بالجزيرة، فالذين كتبوا عنها يكتبون من ديارهم في الشام أو في العراق، بل في أقاصي المغرب والأندلس، فلا عجب أن تأتي الأحكام غير دقيقة. فقد كتب أبو بكر بن أيوب شرحا لديوان امرئ القيس وهو يعيش في الأندلس، وكتب الأحول شرحا لديوان سلامة بن جندل وهو يعيش في العراق، وكتب الأعلم الشنتمري من الأندلس شرحا لحياة طرفة بن العبد وشعره، ومثل ذلك أصحاب دواوين الحماسة، والشعر والشعراء، وغيرهم من دارسي العصر الجاهلي قديما. وسار على آثارهم من أتوا حديثا ليكتبوا من خارج الجزيرة العربية أيضا، آخذين من أسلافهم الذين كتبوا عن الجزيرة من خارجها، فستكون النتائج خاطئة لا محالة، وهو ما ظهر في كتابات الباحثين الأكاديميين في جامعات العراق، ومصر، والشام، والمغرب، وغيرها، وقد ظهر ذلك في كتابات جواد علي، وأحمد عمارة، وخالد زغريت، ويوسف خليف، وإميل بديع، وغيرهم! ومن هنا أتى بحثي ليعيد دراسة الشعر الجاهلي إلى دراسة تعتمد وتحاول الجمع بين ما تورده المراجع، وما يمكن استنباطه من الشعر الجاهلي ذاته. دراسة تخرج من الجزيرة العربية، دون أن تسلّم للدراسات السابقة بكل ما جاءت به. دراسة لا تنزعَ الإرثَ الشعريَّ الجاهليَّ من حيّزه الجغرافي الحقيقي، وتلصقه – دون دليل - بحيّزٍ جغرافيٍّ لا علاقة له به. دراسة تثبت أنّ جرهم التي التقت هاجر وإسماعيل عليه السلام بمكة لم تأت مما يعرف اليوم باسم اليمن، حيث يوضح البحث أنّه لو كانت جرهم من اليمن الحالية. دراسة تثبت أنّ بكرا وتغلب عاشوا في جنوب الجزيرة، وأن حرب البسوس وقعت في الجنوب. دراسة تثبت أنّ ما يزيد على خمسين شاعرا جاهليا عاشوا في جنوب الجزيرة، منهم: – امرؤ القيس، ولبيد بن ربيعة، وأوس بن حجر، والنابغة الجعدي، وطرفة بن العبد البكري، وعَبِيد بن الأبرص، والحارث بن حِلِّزة اليشكري، وتأبّط شرّا، والمهلهل بن ربيعة، والشَّنْفَرَى، وحاجِز الأزدي، وتميم بن أُبيّ بن مقبل، وسلامة بن جندل التميمي، والسُّليك بن السَّلَكة، والأفوه الأودي، وذو الإصبع العدواني، وعامر بن الطُّفَيْل، وعمرو بن معدي كرب وغيرهم. وبالعودة إلى تعليق الدكتور عباس السوسوة فإنّ لي معه وقفات سريعة: أولا : قوله: عن بحثي: "يحمد لصاحبه - سواء وافقناه في طرحه أم خالفناه - أنه مجتهد يملك أدوات الاجتهاد فيما يبحث، وأنه يفحص المسلّمات السائدة عند الباحثين قبله في التاريخ والشعر الجاهلي، فيقبل قليلًا ويرفض كثيرًا ويستنتج ما يقوده اجتهاده إليه. وبالمجمل فهو يرى أن الدارسين قدموا أخبار الرواة والشرّاح على الشعر نفسه، فأوقعهم في أخطاء علمية كثيرة." وهذا قول أحمده له، فإنّ شهادته بامتلاكي لأدوات الاجتهاد تصف بحثي وصف من يتلقاه وهو يعلم جديّة ما جاء به، وأحقيته بأن يُقرأ قراءة جادة. ثانيا : يقول د. عباس: "ومضى يصحح؛ فالشنفرى الأزدي ليس أسود اللون من أغربة العرب، بل هو أبيض اللون، ابن حُرّة، وابن بيئة جبلية لا صحراوية، وليس في لاميّته حديث عن الصحراء.". ثم يزيد د عباس فيقول عن بحثي: "ورأى أن من أسباب الأوهام والاضطراب عند المهتمين القدماء أن تدوين تاريخ القبائل الجاهلية جاء متأخرًا عن الزمن الذي عاشت فيه، واهتمّ به من هم خارج الجزيرة العربية اعتمادًا على حديث المجالس بحديث عن الأموات. ومن الأسباب: الاعتماد على النقل الشفوي قبل الكتابي، ومنها المطابقة بين كلمة (يمن) بمعنى الدولة القائمة بعد عصر النبوة، وبين معناها بمعنى الجنوب عامة، وتسجيل أسماء المواضع دون بحث عن نسبتها للإقليم." ثالثا : ثم يقفز الدكتور عباس قفزة غريبة لا يمهّد لها بشيء فإذا به يقول: "واستمرأ الكاتب هذه الطريقة فتجاوز ما كان بصدده إلى أن أدخل في اليمن - الجنوب سراة وتهامة، أكثرَ قبائلِ الوسط!!،" ولكنه يتوقف عند هذا الحد، فلا يذكر قبيلة واحدة من القبائل أوردتها في الجنوب وهي من الوسط، وكنت أتمنى أن يذكر تلك القبائل، وأن يدلل على عدم سكناها في الجنوب بدليل علمي أستفيد منه ويستفيد منه القارئ. فلا يكفي – في نظر البحث العلمي – أن ترفض فكرة ثم لا تورد دليلا يؤيّد رفضك لها. رابعا : ينتقل الدكتور عفجأة إلى حديثي عن نجد، وعن بكر، وتغلب، وأسد، دون أن تتضح من حديثه مخالفة صريحة، أو موافقة صريحة فيقول: "ولنختصر: نَجْد الجاهلية من الجنوب إلى الوسط. حديث الشعر الجاهلي أكثره عن الأجواء الماطرة وامتلاء الأودية بالسيول وانتشار الحيوانات في الأرجاء، وأقله عن الصحراء. بنو أسد أول أمرهم جنوب الجزيرة. بكر وتغلب ابنا وائل جنوبية. تميم جنوبية. بنو عامر جنوبية". وكنت أتمنى أن يتوسع ولا يختصر فيبين على الأقل موقفه مما أورد. خامسا : يكمل الدكتور عباس فيقول عن بحثي: "يزيّف قصة طَرَفة بن العبد البكري ومقتله - ومعه حق - من كل الجوانب، المهلهل في حِجر اليمامة لا الفرات، عَبيد بن الأبرص جنوبي. خِداش بن زهير العامري جنوبي، تميم بن مقبل العجلاني جنوبي، الحارث بن حِلّزة اليشكري جنوبي، سلامة بن جندَل السعدي جنوبي، الخلاصة أنه أكثر الكلام في (13) ثلاثة عشر شاعرًا + (30) شاعرًا كلامه عنهم مختصر نوعًا ما أو متوسط + (14) أربع عشرة شاعرة أنثى = (57) شاعرًا جنوبيا!!" ولم يوضح الدكتور موقفه مما أورد البحث، غير أن علامات التعجب تحمل صورة التردد في القبول على الأقل، دون أن يورد سبب تردده، أو رفضه، ودون أن يذكر موافقته إن كان مقتنعا بما بين يديه. سادسا : أغرب ما جاء به الدكتور عباس قوله: "وأحسب أنه لو لم يكبح جماح نفسه لأدخل جميع شعراء الجزيرة في السراة وتهامة." وهذا قول لا يقبل من أكاديمي مبتدئ فكيف بأكاديمي خبير كالدكتور عباس! وواجبه العلمي يحتّم عليه – خدمة للعلم – أن يبتعد عن مثل هذه الأقوال غير الخاضعة للمنطق العلمي، فإن كان ما جاء به البحث مبنيا على شواهد تؤيّده فلا ضير أن يجمع البحث ما يزيد عن خمسين شاعرا جنوبيا، وإن كان البحث بلا أدلّة فمن واجب الدكتور الإشارة إلى ذلك، وتفنيد ما جاء به البحث، وتقديم خدمة تصحيحية واضحة للباحث وللقراء! سابعا : يقول الدكتور عباس : "وبعض الحجج التي اعتمد عليها يمكن أن تؤخذ عليه؛ فذكر الشاعر لمواضع لا يعني أنها من بيئته الضيقة، لاسيما ونحن نعرف تكرار أسماء المواضع في أكثر من جهة؛ خذ عندك في الجمهورية اليمنية حاليًّا وقابلها بالسعودية: الجوف، همدان، وادعة، الحوطة، سنحان، شوكان... إلخ." وهو إلى هنا قول يمكن أن نتناقش حوله، وقد أكّد الباحث أنه يلتزم في بحثه شروطا منها: ١ - أن يكون الشاعر من قبيلة ثبت أنها عاشت في جنوب الجزيرة. ٢ - أن يذكر الشاعر أماكن كثيرة لا تتشابه في أسمائها مع مسميات في مناطق أخرى. أنا ٣ - تكون تلك الأماكن ما زالت معروفة بأسمائها إلى وقتنا الحاضر ، أو قريبة من أماكن ما زالت معروفة بأسمائها إلى اليوم. ثامنا : لكنّ أغرب ما جاء به الدكتور عباس هو قوله: "وأخشى ما أخشاه أن ينساق إلى التشابه فيقول - مع من قالوا - إن بون - في ألمانيا - من مهاجرين قَدِموا من قاع البَون في اليمن، وإن كوبا باسم قائد يمني من خُبان سكن الجزيرة، وكيف ننسى أن شاعر الإنجليز العظيم شِكسبير أصله: الشِيخ زِبير! ولا حول ولا قوة إلا بالله!" وهذا قول لا ينتظر من مثله، خاصة إذا عرفنا أننا نتحدث عن بحوث علمية محكّمة، لا عن أحاديث مجالس عابرة!! وحريٌّ به أن يجد وسيلة لرفض الفكرة قريبة من عقل الأكاديمي، وعلمه، ومناهجه!! تاسعا : انتقل د. عباس إلى استقصاء الأخطاء الطباعية، فصحح بعض الخطأ، وخطّأ الصواب، كتخطئته لتسمية البحث لتميم بن أُبيّ بن مقبل، فهو يردد ما قاله بعض الواهمين حين جعلوا اسمه تميم بن أَبِي مقبل!! والصحيح أنّ اسمه تميم بن أُبَيّ بن مقبل كما أوردته في البحث. ويبدو الدكتور عباس غير منصف في قوله: "ص (297) آخر الصفحة (5) أبيات أولها ليس من القصيدة، بل لا ينتمي لأي بحر!" فالأبيات صحيحة الوزن، جاء خطأ طباعي في البيت الأول حيث تداخلت معه جملة ليست منه، وبقيت الأبيات الأربعة التالية له على حالها دون خلل حيث وردت على النحو التالي: فيا راكبا إما عرضت فبلغن ... عقيلا إذا لاقيتها وأبا بكر سبيله خائف جديب بأنكم من خير قوم لقومكم على أن قولا في المجالس كالهجر دعوا جانبا إنا سننزل جانبا لكم واسعا بين اليمامة والقهر كأنكم خبرتم أو علمتم موالي ممن لا ينام ولا يسري كذبتم وبيت الله حتى تعالجوا قوادم حرب لا تلين ولا تمري هكذا وردت الأبيات في الصفحة التي أشار د. عباس إليها، وغريب حقا من أكاديمي مثله أن يطلق قوله: أولها ليس من القصيدة، بل لا ينتمي لأي بحر. عاشر : ثم يقول د. عباس: "وبقي عليه أن يعلّل إن كانت لغة اليمن قبل الإسلام تخالف تمامًا عربية الشمال، فبأي لغة وسيطة كان يتم بها التواصل بين قريش واليمنيين؟، لن نتحدث عن رحلة الشتاء والصيف، والتاريخ يخبرنا أن قبيلة قريش قد بعثت وفدًا لتهنئة الملك سيف بن ذي يزن بانتصاره على الأحباش، وخطب عبد المطلب بن هاشم أمامه، ومدحه أميّة بن أبي الصلت بقصيدة طويلة، ولم ينقل أن بينهم مترجمًا، وإلا فلا معنى للمدح إن كانت لغة الطرفين اثنتين مختلفتين." وليت الدكتور عباس جاء بما ينقض الفكرة، أو طرح فكرة تخالف بعضها بكلام مثبت لا مرسل، وحقائق ثابتة لا أسئلة عائمة!! فأما رحلة الشتاء فهي عندي رحلة إلى اليمن الجاهلية لا يمن اليوم، ففي اليمن الجاهلية أسواق كحباشة كانت مقصدا للمكّيين، ولو افترضنا أنهم يصلون أسواق اليمن الحميرية فلغتها حميرية، وكان فيها الأحباش، ولا يلزم من التسوّق معرفة اللغة، وأما قوله "لم ينقل أن بينهم مترجما" فإن عدم النقل لا يثبت اتحاد اللغة، والقصّة كلّها تحتاج إلى وقفات علمية، وما أكثر ما نقل مما يردّه البحث العلمي الرصين، وتخالفه الأدلة الثابتة، وتمنيت أن يورد الدكتور عباس أدلة تثبت أن لغة اليمن الحميرية كانت عربية فصيحة كلغة الشعر الجاهلي، أو أن يذكر شاعر جاهليا كبيرا واحدا من أهل اليمن الحميرية، فإن فعل فسأراجع بسرور ما جاء به البحث، لأنّ وجود شاعر في قامة أحد شعراء المعلقات في اليمن الحميرية سينسف فكرة اختلاف لغة اليمن الحميرية عن اليمن الجاهلية، وعدم وجود شاعر واحد في اليمن الحميرية ينسف فكرة أن تكون لغة اليمن الحميرية عربية فصيحة، إذ كيف يصدّق باحث أنّ إقليما كاملا يزعم أهله أن لغته هي لغة الشعر الجاهلي ثم لا ينشأ فيه شاعر تسجّل الكتب قصائده، كما سجّلت قصائد الجاهليين في اليمن الجاهلية التي تبدأ من مكة وتنتهي قريبا من حدود اليمن الحميرية!
وسوم: العدد 1117