فليسقط حمار البيك!

لا يمكن لفيديو ترامب موبّخاً الرئيس الأوكراني زيلينسكي في البيت الأبيض ألّا يستفز ذوي الفطرة السليمة حول العالم، أياً كان الرأي بالرئيس الأوكراني، وأياً كان موقفك من الحرب الروسية على أوكرانيا.

على الفور سيصبح الرجل، غير «المطقوم»، رمزاً لكل ما هو مناهض لترامب، هذا الذي بات يمثل ذروة التوحش والفظاظة والولع بالمال والصفقات والعقارات.

الفيديو فريد ومؤذ إلى حدّ يدفعك إلى أسئلة طفولية من نوع: كيف يفكر الأمريكيون بهذا الفيديو؟ هل يرضيهم تصرف رئيسهم على هذا النحو؟ أما من طريقة تجترحها ديمقراطيتهم العريقة للحد من أذى يرتكب باسمهم؟ أما من طفل يقول له إنك عار أيها الملك؟

على الفور سيصبح الرجل، غير “المطقوم”، رمزاً لكل ما هو مناهض لترامب، هذا الذي بات يمثل ذروة التوحش والفظاظة والولع بالمال والصفقات والعقارات

سيدهمُنا بعض الأمل في فيديوهات لمتظاهرين غاضبين في أنحاء الولايات المتحدة لشأن آخر، تجمهروا أمام متاجر «تسلا» احتجاجاً على الرئيس التنفيذي لشركة صناعة السيارات الكهربائية الشهيرة، الملياردير إيلون ماسك، وجهوده الرامية إلى خفض الإنفاق الحكومي لدعم الرئيس دونالد ترامب.

من بين شعارات تلك المظاهرات «لا لسيطرة المليارديرات على الحكومة»، و»تسلا.. دعم ترامب.. قاطعوها»، و»إيلون ماسك يبيع الديمقراطية.. لا نشتري تسلا»، و»لا لوزارة الكفاءة الحكومية.. نعم لحكومة الشعب»، و»خفض الإنفاق؟ خفّضوا سلطة ماسك أولًا»، و»الديمقراطية ليست للبيع.. حتى لو كنت أغنى رجل في العالم»، و»تسلا ليست خضراء.. إنها تموّل أجندة ماسك وترامب»، و»السيارات الكهربائية لا تعني ديمقراطية مستدامة».

تقول الأنباء إن منتقدي ترامب وماسك يأملون في «تثبيط ووصم» عمليات شراء «تسلا»، عبر احتجاجات تجهد لـ «تحفيز المعارضة ضد ماسك ووزارة الكفاءة الحكومية التي أسسها، وتحفيز الديمقراطيين الذين لا يزالون محبطين من فوز ترامب»، وتحاول «الرد على إيلون ماسك» بإلحاق أضرار اقتصادية مباشرة بـ «تسلا» من خلال الظهور في صالات العرض في كل مكان، ومقاطعة «تسلا»، وإخبار الجميع ببيع أسهمهم وبيع سيارات «تسلا».

الاحتجاجات تتصاعد، وأول ما يخطر في البال أن تصل إلى كندا، حيث طالتها تصريحات ترامب المتوعدة بضمها للولايات المتحدة، أو بالرسوم الجمركية، وإلى أوروبا التي سرعان ما تخلّى عنها الرئيس الأمريكي عندما باغت العالم بتلك المكالمة الطويلة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ثم جاء فيديو البيت الأبيض ليصفع زيلينسكي والعالم، ويؤكد التخلي عن أوروبا، قبل الرئيس الأوكراني.

الفيديو نال نصيباً هائلاً من الغضب، ونصيباً وافراً من السخرية، فقد انتشر فيديو مقابل ساخر من برنامج «ساترداي نايت لايف» يحاكي فيديو إهانة زيلينسكي، ويصور على نحو مضحك ومبدع «الردح» الرئاسي المبيّت، من قبل ترامب ونائبه جي دي فانس. والتجسيد الأكثر إبداعاً جاء لشخصية إيلون ماسك، طفل البيت الأبيض المدلل. فعندما يسأل ترامب الرئيس الأوكراني عن لباسه الرسمي «من يأتي إلى البيت الأبيض مرتديا بنطلون الجينز، مثل رجل القمامة؟»، وهنا سيقفز إيلون ماسك إلى الحلبة، ليذكّر بأن اللباس غير الرسمي مألوف في هذا المكان المرموق، بل ربما أكثر، عندما يصطحب ماسك معه طفله، يحمله على كتفيه أثناء نقاش أخطر الأمور، وحين يفلته على الأرض لن يتورع الصغير عن وضع إصبعه في أنفه ثم يعمد إلى تلطيخ المكتب البيضاوي. لا تقل لي هنا إن الطفل «مهضوم»، و»ذكذوك» وخلافه. إنه نجل إيلون ماسك.

إذن من حق ماسك فقط أن يتحدى التقاليد الرسمية ويخرق الأعراف، ومن الواضح أن له طبائع ترامب ذاتها، والفظاظة ذاتها العابرة إلى بريطانيا، وألمانيا، عبر مغازلته لأقصى اليمين هنا وهناك

إذن من حق ماسك فقط أن يتحدى التقاليد الرسمية ويخرق الأعراف، ومن الواضح أن له طبائع ترامب ذاتها، والفظاظة ذاتها العابرة إلى بريطانيا، وألمانيا، عبر مغازلته لأقصى اليمين هنا وهناك. وربما لذلك جاءت ردة الفعل الاحتجاجية من باب «تسلا».

سنجد أن أوروبا، ونعني ألمانيا تحديداً، تعود من وقت لآخر للاحتجاج على «تسلا» ومصانعها، مع فارق أنه في الوقت الذي تتخذ فيه تظاهرات الولايات المتحدة طابعاً سياسياً نجدها في ألمانيا تركز على البيئة واستهلاك الموارد، والإضرار بالمجتمعات المحلية عبر توسّع مصانع «تسلا».

والآن، ليس من المستبعد أن تستعاد مظاهراتها ضد القواعد العسكرية الأمريكية في ألمانيا، ما دامت واشنطن تتخلى عن أمن القارة العجوز.

لا ندري إن كان بإمكان المرء أن يعوّل على أمل قادم من هذا الطاقة الصغيرة، ولكن من يشعر بالظلم الفادح في الزمن الصعب، حيث غزة في مهب الإبادة الجماعية، دون أفق واضح لاستراحة تلتقط فيها الأنفاس، مع خطة لترامب بدت كأنها تنكيل فوق التنكيل، عندما تحدث عن تهجير أهل غزة بعيداً عن بلادهم وتحويلها إلى ريفييرا، ثم نشر فيديو وقح يصور ترامب وطفله المدلل على شواطئها، وصولاً إلى إطلاق يد نتنياهو في سوريا، ووضع اليد مع بوتين، إلى حدّ أن العديد من المنتقدين ذهلوا من أن ترامب بدا كما لو أنه عميل روسي، أو أنه اصطف أخيراً في محور الدول المارقة، مثل كوريا الشمالية وسواها، وصولاً إلى فيديو «الفخ المذهل» وطرد الرئيس الأوكراني،.. من يشعر بكل هذا الظلم لا بدّ سيرى أن في تلك المظاهرات نوعاً من قشة الغريق. وإن بدت للكثيرين، فيما تتخذ «تسلاً» عنواناً لها، أشبه بثورة ضد حمار البيك، متوخية أن تصل إلى البيك ذات يوم، ومعلوم في الأمثال أن من لا يتمكن من الحمار سيحاول عض البردعة.

وسوم: العدد 1118