‏كلام مختلط

أسمع بعض الناس بحسن نية يردد: الثورة مستمرة.

‏أتذكر أن حزب الأسد أسس في سورية ثلاث صحف: البعث والثورة وتشرين.. لا أعرف أي التشرينين قصد..؟!

‏لماذا لا يتحدث الناس عن مجزرة الصحافة السورية حيث ذبحت في سورية منذ الثامن من آذار 1963 المنار والنور والأيام والرأي العام وبرق الشمال والتربية والفرات والعاصي.. هذه العناوين من ذاكرة صبي كان عمره خمسة عشرة عاما فقط..

‏ظلت جريدة الثورة تصدر، وظل الرفاق الأسديون يذكروننا أن الثورة مستمرة، ويحتفلون كل يوم باستمرارها بالمزيد من..

‏أنا اعتقدت أننا انتقلنا من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة، بمجرد أن خلع السيد رئيس الجمهورية البدلة العسكرية، وارتدى البدلة المدنية، مع ربطة العنق، وأنا سعيد بذلك..

‏ليس سهلا الانتقال من عقل الثورة إلى عقل الدولة. بل هو أكبر صعوبة مما يتصور الكثيرون. ولا يشترط فيمن نجح في الأول أن ينجح في الثاني. ومع ذلك فأنا أدعو الله له بالنجاح بكل الصدق والإخلاص.

‏نحن اليوم هنا…لسنا أطفالا لنطالب بكل شيء!! ولكنني أظن أن تلفزيون الدولة كان يمكن أن يكون حاضرا..

‏التحديات الجديدة بمحاولات الفلول لن تتوقف. ويجب على عقل الدولة أن يعيها. بأبعادها المجتمعية والإقليمية والدولية.

‏منذ 1963- حتى 1970 استمرت عملية الترتيبات للحقبة الأسدية. وكان وراء الأسد قوى داعمة…قوى حقيقية داعمة…

‏وأتذكر في 1980 عندما شعر حافظ الأسد بالتهديد الحقيقي سارع إلى موسكو لعقد اتفاقية الصداقة والتعاون!!

‏الدولة تتعاون مع الدول بعقل الدولة. أخطأ زيلنسكي عندما دخل البيت الأبيض بعقل فيدل كاسترو…

‏السيكار الكوبي لم يمنع الكثير من الكوبيين من حلم الهجرة إلى الولايات المتحدة.

‏عقل الدولة لا يلعب لعبة المكايدات الصبيانية أو لأقل الشعاراتية. في كل الأسواق لا أحد يقبض حتى يدفع. ولكل سوق صيرفته الخاصة.

‏كل الذين ضحوا في سبيل انتصار هذه الثورة، غير متأكدين من طريقة عمل الدولة. سياسي أمريكي كان يوما أقرب للمثالية، سئل عن موقفه بعد أن مارس السياسة، فأجاب: لعبة السياسة مثل وجبة النقانق، لا بد أن يبقى فيها أثر للبراز..

‏في المؤتمرات العامة مع الدول والقوى، يحرص الدبلوماسيون على أن يتبادلوا الكلام المنمق، ولكن لن يزمر بنيّك حتى تعرف ماذا تعطي لتأخذ.

‏قضية الفلول ليست فقاعة في فراغ. هذه أوراق ضغط من جهات كثيرة انتظرت ثلاثة أشهر، وربما طرقت الباب ولم يفتح لها. تذكروا حكاية السياسي الأمريكي عن نكهة "الهوت دوغ"

‏وأنا شاب صغير كان بيننا جيل من العلمانيين الصادقين التقاة في علمانيتهم أكثر. كنا كلما التقينا كرروا على مسامعنا: العمل السياسي مستنقع موحل، لن تستطيعوه مع ثيابكم البيضاء. ربما منذ ثلاثة عقود بدأت أتذكر هذه العبارة.

‏لا أدعو إلى الخوض، ولكنني قرأت حكما في كتب الفقه، أن الفقهاء تسامحوا ببعض طين الطريق يعلق بالثوب!!

‏عندما نتحدث عن تعريف الدولة، نقول: شعب وأرض ونظام وسلطة.. أحيانا يختلط على الناس الفرق بين قولنا شعب وقولنا مجتمع. أول ما تعرفنا على الدكتور عزمي بشارة كان من خلال كتابه "المجتمع المدني" ثم خرج علينا من ميز بين المجتمع المدني والمجتمع الأهلي، أتذكر أن بشار الأسد قد خرج علينا أيضا في نحو 2006 وأظنه بعد أن اغتال رفيق الحريري، أو أمر باغتياله، ينكر مصطلح المجتمع المدني، ويعتبره من الفكر الامبريالي الوافد. طيلة حياتي كنت أتشكك بعنوان الفكر الوافد.. الفكر إما أن يكون صحيحا أو زائفا. ولكنها لعبة المصطلحات، أتذكر عنوان كتاب: الأفكار الوافدة وكيف قضت على أمتنا!! قلبته كثيرا في المكتبة، وكانت ميزانيتي محدودة فلم أشتره. الذي يقضي على الأمم الجمود والانغلاق ورفض الاستفادة من مثل تجربة سيدنا سلمان في حفر الخندق… أتذكرون

‏وأعود إلى السيد أحمد الشرع مع الاحترام، المجتمع الأهلي مثل أن نلبس الثوب ونضع على أكتافنا العباءة، وعلى رؤوسنا، الحطة والعقال، والمجتمع المدني مثل أن نلبس السترة والبنطلون، كما فعلتم تماما. وأخبرتكم أن بشار الأسد منذ عقدين اعتبر المصطلح دخيلا فحرم ودمر…

‏المجتمع المدني، كما الأهلي وجودان أساسيان مكملان لعمل السلطة. حين تفتح الأبواب، ينبغي أن يترك لكل الناس حرية الإنشاد أو الغناء…

‏جميلة أهزوجة طلع البدر علينا..

‏وكذا يا عروس الشام تيهي واسحبي

‏أيها السوريون هذا الوقت ليس بوقت منام ولا بوقت ملام، استقبلوا الغد بما يستحق بجد وعزم عسانا ننعم بالأمن والأمان.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1119