تائه في صحراء.. لا ماء فيها ولا شجر
عثمان أيت مهدي
إنّ المتتبع للحراك السياسي بالجزائر، المتعلق بالرئاسيات أفريل 2014، بين المدافعين عن العهدة الرابعة جهارا نهارا وانبطاحا. والقائلين ببطلان الديموقراطية، إذا حرم الرئيس الحالي من الترشح مراوغة ونفاقا. والساعين إلى إيجاد شخصية توافقية ترضي المعارضة للوصول إلى التغيير المنشود، تيها وضياعا. والرافضين لهذا وذاك، على اعتبار أنّ الجزائر لا يشغلها في الوقت الراهن، من هو الرئيس بقدر ما تشغلها الانتخابات بين نزاهتها وتزويرها، بين الديموقراطية الحقيقية والديموقراطية المزيفة، تعبا وإرهاقا. في هذا الزخم السياسي الذي يكتنفه الكثير من الغموض وتعدد القراءات للتصريحات المتسربة على قلتها من هنا وهناك، تبقى الجزائر قبل أقلّ من ستة أشهر من الانتخابات في مفترق الطريق، تنتظر اتجاه رياح التغيير، بين تولي القهقرى أو السير إلى الأمام بخطى ثابتة، أو الميل إلى اتجاه يجهله الجميع.
الرئيس الحالي للبلاد لم يعلن إلى اليوم نيته في الترشح، إلا أنّ أحزابا موالية له ولاء أعمى، تصرح في كل مناسبة عن ترشحيها له، ولا ترى في الجزائر رجلا مثله في زمن قبل الثورة ولا أثناءها ولا بعدها، إنّه الرئيس الذي يبدو أنه يتعافى من مرض ألزمه المستشفى والنقاهة مدة طويلة، القائد، الملهم، الكفء، القادر على إخراج الجزائر من محنتها وتخلفها وركودها. هؤلاء يرونه بعين تمّ، إلى جانب أحزاب السلطة التقليدية جبهة التحرير الوطني، وحزب التجمع الوطني الديموقراطي، انظمّ إليهما حزبا تاج والحركة الشعبية الجزائرية. هذا الرباعي الخطير له من الإمكانيات أن يقلب الطاولة على الجميع، بتنظيمه المحكم والمتنفذ في دواليب السلطة والقدرة على المناورة وحشد الأتباع بكل الوسائل. في نظر هؤلاء، الرئيس الحالي هو صاحب المشاريع الضخمة والقائد المحنك الذي حقّق السلم والأمان للجزائريين بعد فترة عصيبة امتدت لأكثر من عشر سنوات.
يأتي حزب يساري تروتسكي يوحي إلى مستمعيه وأتباعه أنّه ضمير الأمة، له من الوطنية ما يلهب به معارضيه نارا ودخانا. هذا الحزب أمسك العصا من وسطها كما يفعل عندما يخفي نواياه ومقاصده، هل هناك ديموقراطية تمنع الرئيس من الترشح لعهدة رابعة أو خامسة، طالما أنّ الدستور لا يمنع ذلك؟ لقد استطاع هذا الحزب بدهائه المفضوح للعلن أن يضع رجلا في دار السلطة وأخرى في بيت المعارضة.
الأحزاب الإسلامية المشتتة، المفتتة، المفتقدة لشخصية كاريزماتية، المدنسة بعار السلطة، حيث ارتمت بين أحضانه لسنوات، ثمّ انقلبت عليه دفاعا عن الشعب ورغبة في الوصول إلى كرسي الرئاسة، ما زالت تائهة في عملية البحث عن الشخصية التوافقية التي ترفع شعار السلفية أو الإخوانية أو الطرقية أو غيرها من التيارات، طالما أنّ هذه الشخصية تستقطب الإسلاميين بمختلف مشاربهم، وترفع شعار كتاب الله هو دستورنا. وهيهات الوصول إلى هذه الشخصية التوافقية، إذا كان الجميع يجمعهم ويشتتهم في نفس المكان والزمان كرسي الحكم.
أقدم حزب معارض منذ الاستقلال، جبهة القوى الاشتراكية، ما زال يعاني من المحشر الذي وضعته فيه السلطة، وأقامت الدنيا ولم تقعدها من أجل أن يبقى رهين منطقته لا يخرج منها أبدا. فمعارضة السلطة ليس بالشيء الهين، ولا يبقى صاحبها دون عقاب؟ ودخول هذا الحزب معترك الانتخابات قد لا يضيف شيئا، لذلك اختار سبيل الديموقراطية، والعدالة، بعدها تأتي الانتخابات تتويجا لهما.
في خضم هذا الحراك الفاتر، تعلو أصوات مبحوحة، محتشمة، من هنا وهناك معلنة عن ترشحها، ولا صحّة عن مصدر هذا الترشح، أو قوّة المترشح الحزبية أو الجماهيرية التي توصله إلى كرسي الرئاسة. لقد أعلن رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور معتمدا على نفسه ونزاهته، لكن هل تكفي النزاهة والاعتماد على النفس للوصول إلى كرسي الرئاسة؟ هذا ما لم يجب عنه أحمد بن بيتور.
شخصيات أخرى هي أقرب للعب دور الأرانب منها لمنافسة مرشح السلطة الذي لم تتضح بعد ملامحه، نحو: رئيس حزب الأفانا موسى تواتي، أو رئيس حزب الجيل الجديد جيلالي سفيان، أو الكاتب والقاص ياسمينة خضرا، أو الباحث لوط بوناطيرو والقائمة مفتوحة على مصراعيها..
كيف لبلد قهر فرنسا ومن ورائها الحلف الأطلسي أن يصاب بالعقم، ولا يلد رجالا يأخذون بيد الشعب إلى مرفأ الأمان؟ إنها مهزلة الرئاسيات في القرن الواحد والعشرين بأرض الجزائر، أرض المليون ونصف المليون من الشهداء. رئيس أقعده المرض، وآخرون أرانب، والشعب بين هذا وذاك، تائه في صحراء لا ماء فيها ولا شجر.