سوريا الديمقراطية خيار غير مرغوب إسرائيليا
د. خالد عليوي العرداوي
مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية
في الوقت الذي كان فيه الرئيس السوري بشار الأسد يقدم المبادرة تلو الأخرى من اجل عقد معاهدة سلام مع إسرائيل في مطلع الألفية الثالثة، حدث في اجتماع وزاري عقد في عام 2004 أن قال سيلفان شالوم وزير الخارجية الإسرائيلي – آنذاك - مخاطبا شارون: " إن الوقت ملائم لشن عمليات من اجل زعزعة استقرار سوريا وإسقاط الأسد"، فرد عليـــه شارون:" مستحيل، هذا أفضل وضع بالنسبة إلينا، فلو تخلصنا من الأسد، سيحدث أمر من اثنين: إما أن يستولي الإخوان المسلمون على الحكم، أو أن تتحول سوريا إلى دولة ديمقراطية، وعندها سيتحتم علينا عقد اتفاق سلام معها "، وفي عام 2008 اقترح غابــريال سيبوني الخبير الاستراتيجي العسكري الإسرائيلي، أن تكون إستراتيجية التعامل مع التهديد السوري مستقبلا قائمة على ضرب القيادة والجيش والبنية التحتية للدولة السورية.
وعند جمع هذه المعطيات وغيرها مع بعضها سنتوصل إلى حقيقة مفادها أن بناء سوريا الديمقراطية وهو الهدف الذي تنادي به بعض أطراف المعارضة السورية لن يكتب له النجاح لان الدولة العبرية ستضغط بقوة على مراكز القرار الدولي لمنع التوصل إليه من جهة، وستعمل على تغيير قواعد اللعبة في الداخل السوري من أجل عدم تهيئة البيئة الملائمة لتحقيقه من جهة أخرى، فإسرائيل سوقت نفسها للعالم عموما وللغرب بشكل خاص على أنها واحة الديمقراطية والتقدم في وسط عربي إسلامي مستبد ومتخلف، وقد واجهت هذه الصورة انتكاسات عدة من خلال مجزرة قانا الأولى والثانية، ومن خلال استخدام الفسفور الأبيض المحرم دوليا في حرب غزة 2005، وحرب لبنان 2006، وغيرها من المواقف التي أثارت الرأي العام العالمي عليها، وجاءت متغيرات الربيع العربي وما تنطوي عليه من احتمالات التحول نحو الديمقراطية في البلدان العربية والإسلامية، مصحوبة بإعجاب العالم ودهشته لما يراه من تعطش للحرية من قبل شعوب طالما وصفت بأنها منتجة للدكتاتوريات، كل ذلك عمل على تهميش النموذج الديمقراطي الإسرائيلي وتقزيمه عالميا.
وإزاء هذه التطورات في المواقف والأحداث، يمكن توقع أن الساسة في إسرائيل لم يكونوا مطمئنين لما يحدث في المنطقة، فهم لا يريدون للدول العربية التحول نحو بناء ديمقراطيات حقيقية، تهمش نموذجها وتفرض عليها معاهدات سلام تسترجع بموجبها ما احتلته وفقا للقرارات الدولية، ولا يريدون تحولها إلى راديكاليات شعبية معادية لها يمكن أن تزعزع استقرارها وتهدد أمنها في ظل ظروف صراع غير متكافئة وغير مأمونة. إذا فالحل الأمثل هو إثارة الفوضى والصراعات في هذه الدول، وخلق الظروف المناسبة لإدامتها وتصعيدها، لاسيما في سوريا حتى لا تتحقق فيها تنبؤات شارون في حال سقوط الأسد، وحتى تنجح الإستراتيجية الإسرائيلية في إضعاف مراكز القيادة والجيش وتدمير البنية التحتية السورية لأمد غير منظور، لذا يجد المتابع للسياسة الإسرائيلية إنها التزمت الصمت الظاهري حيال الأزمة السورية، مستفيدة منها في استنزاف قدرات النظام أولا، وإيران ثانيا، وتشويه صورة غريمها حزب الله لبنانيا نتيجة التورط في سوريا، واستنزاف قدراته البشرية والمادية التي كان يعدها بعد عام 2006 لما كان يسميه قادته مواجهة الحسم مع إسرائيل ثالثا.
وقد استفادت إسرائيل من التردد الأمريكي في ضرب نظام الأسد بعد أزمة استخدام الكيماوي في آب الماضي بشكل يتناسب مع إستراتيجيتها المرسومة، فهذه الأزمة دفعت النظام بشكل تلقائي إلى تدمير أسلحته الإستراتيجية التي يمكن أن تهدد إسرائيل، وأثارت الرعب في نفوس حلفاء أمريكا في المنطقة الذين يتخوفون من تهديد المحور الإيراني وحلفائه لمصالحهم، مع عدم رغبة أمريكية واضحة في مساعدتهم على القضاء نهائيا على هذا التهديد، فأخذت السياسة الإسرائيلية تطرح أجندات جديدة قائمة على ما تسميه تحالف (العرب السنة المعتدلون مع إسرائيل)، ويقصد بالسنة العرب المعتدلين كل أولئك الراغبين في كسر إرادة النظام السوري لمصلحة معارضيه، وأحيانا يطرح هذا التحالف بصيغة تحالف (العرب البائسون والإسرائيليون الواعون)، ويقصد بالعرب هنا كل أولئك الذين خاب ظنهم بأمريكا في القضاء على تهديد المحور الإيراني، فيكون التحالف مع إسرائيل بديلا أكثر موثوقية من التحالف مع أمريكا. وفي كل الأحوال تجد إسرائيل أن الظروف الحالية التي تمر بها المنطقة أعطتها ميزات مناسبة لها، وجعلتها اقرب لبعض البلدان العربية أكثر من أي وقت مضى.
وعلى هذا التحليل نجد أن الأزمة السورية لن تنفرج قريبا، والحلول السياسية لها محدودة، لان هناك أطرافا فاعلة في المنطقة لا تريد لها النجاح، تقف في المقدمة منها إسرائيل، فلن ينجح نظام الأسد في الانتصار وهو يتخذ مواقف دفاعية في استراتيجياته العسكرية والسياسية، ويفكك بيديه مصادر قوته، وتضعف كل يوم قدراته العسكرية وتتهدم بنيته التحتية الأساسية، ولن تنتصر المعارضة الراديكالية الإسلامية، فهي تفتقد القدرة على إقناع الناس بأطروحاتها الفكرية، وعاجزة عن تغير ظروف المعركة لصالحها بشكل يتجاوز لعبة التوازنات والمصالح الإقليمية والدولية، كما لن تتحول سوريا إلى الديمقراطية في المدى المنظور مع بقاء كل هذه المواقف والظروف على حالها.