صراع المصالح
مما يروى عن تاريخ الثورات ، أن الثورة الفرنسية في الرابع عشر من تموز عام 1789 قد أعدمت سبعة ألف شخصا، قضوا تحت وطأة الموس الوطني (المقصلة) . ولم تكن المقصلة الوحيدة التي تم بها الإعدام، بل يقدر المؤرخون أن هنالك حوالي عشرين ألف شخصاً آخرين قتلوا، دون محاكمة ،إما بالرصاص أو الطعن ، في جميغ أنحاء فرنسا.
وفي يوم 28 نيسان من عام 1945، أعدمت حركة المقاومة الإيطالية ، بينيتو موسوليني وعشيقته كلارا مع أعوانه السبعة عشر ، وعرضت الجثث مقلوبة رأساً على عقب في محطة بنزين في مدينة ميلانو حتى يراهم عامة الناس ويتأكدوا من موتهم .
وفي فجر الثامن من كانون الأول من عام 2024 ، انتصرت الثورة السورية وأسقطت أعتى نظام إجرامي عرفته البشرية ...وأعلن قائدها لفلول النظام الساقط ، اذهبوا فأنتم الطلقاء !
والعفو عن كل أفراد الطائفة، الذين برئت ساحتهم من دماء السوريين ،هو إنجاز يكاد يكون خرافيا ،من ضبط النفس والعفو والتسامح، بل إنه لمن عزم الأمور. فقد تجاوز عن أهوال المجازر من براميل وكيماوي واغتصاب وبيع أعضاء وتجارة الجنس من الأطفال.
وتجاوز عن التهجيرالقسري والضياع في لجج البحار،وغابات الصقيع، والعنف العنصري قي بلاد اللجوء.
وتجاوز عن دموع الثكالى التي تحاول أن تطفئ عبثاً نار الثأر والانتقام ، لفلذات أكبادها.
وتجاوز عن حال الآلاف من الأيتام المستغلين للبيع وطمس الأنساب ، وعن أطفال الاغتصاب الذين ولدوا في الأقبية من آباء مجهولين.
حقا، لقد أعلن اذهبوا فأنتم الطلقاء ؟
والمنطق السليم يفترض أن جزاء الإحسان ، لابد أن يكون إحسانا، ولكن قضية الإعتراف بالجميل ، ورد الإحسان بمثله ، مسألة تحتاج للتساؤل والشك. هكذا عرضها القرآن .
هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟
وهكذا أحيانا يكون جزاء الإحسان غدرا وإساءة وجحودا .
وفي السادس من شهر أذارمن عام 2025 ، قامت الفئة الطليقة المُسامَحة ، بفتح الميم الثانية، بانقلاب معادي للحكومة الجديدة التي بسطت يدها لهم بالسلام ووعدتهم بالأمان ، بل وكانت درعا واقيا لهم من محاولات الثأر الفردية .
ولعله من العجيب فعلا أن يعرض الإنسان عن هذه الفرصة الذهبية من أجل حياة أجمل ،ومستقبل افضل وبداية رائعة لبلد يتوق إلى النماء والازدهار.
أليس من الغريب أن يعرض الإنسان عن مصلحته؟
إن المصيبة تكمن عنما تتصارع فطرة الشر مع المنفعة الذاتية ، فتكون فطرة الشر هي الغالبة.
والله الذي خلق الإنسان قد أخبرنا في كتابه الكريم عن كل نوازع الخير والشر عند هذا المخلوق
*قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين*
إنه لأمر مريع فعلا عندما يعترف المرؤ أنه كان عدواً لنفسه ، وأودى بها إلى التهلكة.
و فلول النظام البائد حتى وبعد أن أحبط الإنقلاب ، لازالت تثير الفتن والأحقاد والضغائن في حملة شرسة على صفحات السوشال ميديا .
والعزف على وتر حوادث الثأر الفردية التي قامت بها بعض الفئات من الشعب ، لاتزال على أشدها .
من صورمفبركة أوأفلام تضليلية . متناسية بصفاقة حجم الإجرام الذي اقترفته العصابة البائدة في حق الشعب على مدى أكثر من نصف قرن.
وفرعون الذي ذبح الذكورواستعبد النساء، لم يخجل من ماضيه القذر المشبع بالعنف والقتل ، بل وقف يعيَرموسى بقتله رجلا واحدا.
*وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين*.
وإيران مستميتة لإبقاء مصالحها في الأرض السورية ولبقاء النزاع متأججا ، إنها تستغل الأغبياء ممن غلبت عليهم شقوتهم، كي يكونوا وقودا لهذا النزاع لتحقيق المجد الفارسي في العراق ثم سورية ثم لبنان واليمن.
وموسوليني المشنوق كان يردد (أن تعيش يوما واحدا مثل الأسد ، خير لك من أن تعيش مائة عام مثل الخروف).
والأسد لم يعش يوماً واحداً بحسب اسمه ، وما إن تحسس الخطر، حتى فر كفأر مذعورمحملاً بآخر قرش من أموال الشعب السوري، متخفياً متخلياً عن كل أعوانه ومن ساعده وآزره ، تاركاً البلد يغرق في مستنقع الإفلاس والفساد.
وفي منفاه الآمن البعيد ، مافتئ يحرك أعوانه الذين تخلى عنهم عند فراره، كي يكونوا وقوداً لفتن جديدة وحرب طاحنة بين أفراد الشعب لاتبقي ولاتذر.
يقول المثل من بيده القلم لايكتب نفسه من الأشقياء .
ترى هل سيصحو العلويون من أهل الساحل وينضموا إلى ركب السلام والأمان والبناء ؟
أم سيتغلب المصير الشقي على مصلحتهم ويكونوا وقوداً بائساً لطمع الأشرار؟
وسوم: العدد 1121