حين نقوم بعملية نقد حقيقية.. نلتقي في خندق الثورة ..

حين نقوم بعملية نقد حقيقية..

نلتقي في خندق الثورة ..

عقاب يحيى

يعتبر البعض، وقد تمسّك دهراً بالمبادئ، واعتبر ذلك تضحية كبيرة دونها كثير المعاناة..أنه على حق، وأن خطابه ما يزال صالحاً، وأن المشكلة ليست فيه، بل في الأجيال التي مُسخت، وشوّهت بفعل الاستبداد، وأن ثوابته ثابتة على مرّ التطورات والمراحل.. وكل ما تحتاجه أقنية للتوصيل، وربما إمكانات مالية يفتقر إليها.. ونجد ذلك جلياً في خطاب القوميين والعلمانيين واليساريين والإسلاميين .. 

البعض يعلن تطوره، وأنه تقدّم كثيراً، ومسافات، ومثل بعض الحركات الإسلامية تتفاخر بما أنجزته من وثائق محدّثة، وتوائم المرحلة والقادم، ونظرياً ذلك صحيح.. كوثيقة العهد للإخوان المسلمين التي تعتبر من أشد الوثائق الصادرة عن المعارضة انفتاحاً، وتمسكاً بالديمقراطية والتعددية، والدولة المدنية..

ـ لكن، وكلما " دقّ الكوز بالجرّة" في أول منعطف، او امتحان جدّي إلا و"عادت حليمة إلى عادتها القديمة" وقد خلعت لباسها" المودرن" وتجلببت بمألوف خطابها الذي أكمل عليه الدهر وناخ وشرب ونام طويلاً..

ـ اليساريين الحالمين باسترجاع الماضي، ولو أعلن بعضهم تمرده" الفظ" عليه.. وأشبعوك نقداً للذي كانوا فيه وعليه.. ما زالوا يحدثونك من عليّة تشبه تلك التي كانت في بلدتنا.. والمبنية بشكل مفشكل من بعض طين وخشب، وقد تهدّلت طبقات من الطين بطريقة عشوائية، بينما غزا السوس الخشب..

وعديدهم، خاصة عندما تطيح الخمرة بالرؤوس.. ينتشي وهو يتكلم عن الفقراء/ الذي هو منهم/.. وعن الشغيلة / ملح الأرض/ وأدوات الثورة، وعن معاناتهم وعلاقته بهم.. وكثير من كلام هوائي يطير مع هزّ الرؤوس، والأقداح.

ـ بينما يحمل معظم العلمانيين سيوفهم الحطبية ويقرأون عليك بيانات الحرب المفتوحة، والانتصارات المتزاحمة التي لا يتسع فمهم لنطقها جميعاً، فيستغرقون ساعات في سردها..ثم ينهالون شتماً للآخر..العدو.. الذي يسرق ما حلموا به قروناً.. وكيف سينتصرون عليه بمزيد المؤتمرات.. والتنظيرات، والحضور الإعلامي المتقن الصنع والتوجيه..

ـ القوميين، والقومجيين.. يتكلمون عن الغياب والفقد.. والحروب الموجهة ضدهم .. وعن الظلم الواقع عليهم.. وما زال معظمهم يعتبر نفسه، وما يحمل قدر الأمة المنبعث حياً على مدى الدهور.. والعصور.. وبرغم العواصف والهزائم.. والنكبات.. والتفريخات..وأن على الآخرين أن يقدموا إليهم.. وسيقدمون يوماً.. وما زال عديدهم على لائحة الانتظار تلك ..

ـ بينما يغرّد كثير من أجيال جديدة مع الأمواج العابرة.. فتلفّه، وتصفعه وقد تأخذه معها ردحاً، او تلقيه على قوارع الزواريب، وفي حفر الموت، والتلاشي. وهناك الالتقاطيون النهمون.. الذين يفيضون بالجديد المجدد، والتحليلات الطولانية، العرضانية.. والأفكار الجديدة التي لا يمكنك أن تعرف رأسها من ذيولها .. ثم يمتشق سلاح الداخل.. وما يضحي.. وبظنه أنه أعلن الفوز في سباق الحضور، واحتلال المواقع.. وهزم الآخرين.. بتلك الكلمات الدائخة..

ـ نعم ـ جميعاً ـ نحتاج أن نقوم بعملية نقد شجاعة لخطابنا ومعهود مفاهيمنا.. كي نبقى أحياء أولاً، وكي نوفر الأرض الخصبة لنمو الأفكار الصالحة للحياة والعطاء ..وحين نفعل ذلك بصدق، وموضوعية، وبعقل مجموعي . وحين نتمثل الجديد إيماناً ووعياً وسلوكاً.. سنجد أنفسنا جميعاً في خندق واحد.. رغم التباينات.. ورغم تمسك كل جهة بأفكارها ومرجعياتها.. حين يكون الوطن ووسائل نصره.. ومستقبله.. غاية الجميع ..