الأُمَمُ الطمُوحَةُ
الأُمَمُ الطمُوحَةُ
د. حامد بن أحمد الرفاعي
من خصائص الأُمَمِ الطمُوحَةِ..أنها تتحولُ بأجيالِها من ثقافةِ الاستهلاكِ إلى ثقافةِ الإنتاجِ..ومن ثقافةِ الاكتفاءِ إلى ثقافةِ الإبداعِ والارتقاءِ..وباختصار من ثقافةِ النَّملِ إلى ثقافةِ النَّحلِ..النِّملُ:يجمعُ ما هبَّ ودبًّ ليأكلَ ويكفي ذاتَه مسألَةَ الفقر والعوز واستجداءِ الآخرِ..والنَّحلُ:يجمعُ كُلَّ طيبٍ وزكيٍّ ليكتفي ويحررُ ذاتَه وإرادته من الارتهانِ للآخرِ..وليُنتجَ ويَمُدَ نفسَهُ والآخرَ بالعون والغِذاءِ والشِفاءِ..أجل الأمةُ الطموحةُ:ترتقي بثقافة أجيالَها وتُؤهلُهم وتزودهم بالعلوم وشتى فنون المعرفة والتقنية والإبداع..ليرتقوا بها ويُعلوا صروحَ بُنيانِها..ويُطوّروا قُدراتِها ومهاراتِها وخبراتها..لتكونَ أمةً قوية كفوءة مهابة فاعلةً في بناء مسيرة إنسانية خيِّرةٍ آمنةٍ..ولتوفر لمستقبل أجيالها ما يعينهم على مواجهة المستجدات والتحديات..ولِتَمُدَ الآخرَ بما ينفعُهُ ويُصلِحُ حالَه..أخذاً بقاعدةِ الهديِّ النَبويِّ"المؤمنُ يُحبُ لأخيهِ ما يُحِبُ لِنفسِهِ"والأخوةُ في الحديث تشمل الأخوةُ الإنسانيةُ بلا استثناء لقوله :"خيرُ النَّاسِ منْ نَفعَ النَّاسِ"فخيّريةُ الأممِ تكونُ مع تشّجيعِ الفضائلِ ودحرِ الرذائلِ لقوله تعالى:"كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بالمَعْروفِ وتَنْهَوْنَ عَنِ المنْكَرِ وتُؤْمِنونَ باللهِ"فبكُلِّ تأكيدٍ الأزمةُ الحضاريةُ البشريةُ الراهنةُ بعوز شديد لثقافة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..فهي أزمةُ قيم ومبادئ وأفكارٍ وأخلاق..إنها بكل يقين أزمةُ فسادِ علاقةٍ بين الأخلاقِ والسلوكيات والضمائر وبين الماديات والمهارات والوسائلِ..فبناءُ المفاهيمِ والأفكار والسلوكيات..يَقودُ المجتمعاتِ إلى بناءِ الأشياءِ والمهاراتِ سلبًا أو إيجابًا..ففكرُ القيم والبناءِ والإنتاجِ والإبداع..يُنمِّي حاضرَ الأممِ ويتحركُ بها نحو المستقبلِ الآمن والارتقاء والازدهارِ..وفِكرُ الاستهتار والاستهلاكِ والاستجداء..يرتهِنُ إرادة الأممِ ويئد آمال مستقبلِها..ويتحركُ بها نحو التخلُّفِ والانحدار والاندثارِ..ورحم الله الشاعر إذ يقول:"وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَت....فَإِنْ هُمُوُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا"وجاء في الأثر المشهور:"المُؤمنُ الكيِّسُ مَنْ عَرفَ زَمانَهُ واستقامت طَريقتُه".