التَعدُديِّةُ السِياسيِّةُ
التَعدُديِّةُ السِياسيِّةُ
د. حامد بن أحمد الرفاعي
التَعدُديِّةُ السياسيِّةُ في قاموسِ العُرفِ السياسيِّ لها مَعنيان:تَعددية تُعنَى بجَدليّةِ وصراعِ تَحديدِ هويِّة دَولةٍ ما آخذتٌ بالتشكُّلِ..وتَعددية تُعنَى بتنوع الاجتهادات والمشاريع والرؤى في إطار دَولةٍ مُحدّدةِ الهويِّةِ..فالدولةُ القائمةُ المستقلةُ ذاتُ السيادةِ..بِكُلِّ تَأكيدٍ دولةٌ ذاتُ هويِّةٍ مُحدّدةٍ مُجّمَعٌ على مادتِها وجوهرِها ورسَالتِها..فالدولةُ الليبراليةُ على سَبيلِ المثالِ:دولةُ مؤمنةٌ باللهِ..عَلّمَانيِّةُ الأداءِ السيِّاسيِّ..تُعزِّزُ الحُريَّةَ وتَنّصرُ الأحرارَ في العَالمِ"والدولةُ المُسّلِمَةُ:دولةٌ مؤمنةٌ باللهِ..ربَّانيِّةُ الهُدى تعاقديةُ الأداء السيَّاسيّ تؤمن بالأخوةِ الإنسانيِّةِ..وتجل قُدسيِّةِ حياةِ الإنّسانِ وكرامَتِهِ وحُريِّتِهِ..وتصَونَ سَلامةِ البيئَةِ..وتُؤكِّدُ التّعايُشِ الآمنِ العادلِ بينَ الأفرادِ والمُجتمعاتِ"والنِظامان الإسلاميُّ والليبراليُّ لا يَسمَحان بحال بتعدُدِ الهويِّةِ السياسيِّةِ..فالدولَةُ فيهما مُستقرةُ الهويِّةِ..وفي نظام الإسلام الهويِّةُ خطٌ أحمرٌ وحمى مقدسٌ لا يَصِحُ انتهاكُها بحالٍ من الأحوال..وفي إطار ثوابت الهوية فإنَّ الإسلامُ يؤكد ويحترم التنوع الديني والقومي والثقافي..ويُشجِّعُ تَنوّعَ الاجتهاداتِ والرؤى والبَرامِجَ السياسيِّةِ..ويُطلِقُ عنانَ التَنافُسِ بينَ كل تنوعات وفعاليات المجتمع من أجل تَعزيزِ هويِّةِ الدَولَةِ وإثراء قدراتها..والنُهوضِ بمسؤولياتِها وإعلاءِ صُروحِ بُنيانِها في شتى مَيادينِ الحياةِ..فالهويِّةِ أساسُ الاستقرارِ السيّاسيِّ وقلعة الأمن القومي والاجتماعيِّ..ومرتكزُ التنّميةُ الراشدةُ والإبداعُ والارتقاءُ..وتجد مثل ذلك في النظام الليبرالي وفي غيره من النظم السياسية ذات الهويات الدينية والثقافية والحضارية المستقرة..أمِّا الدول الناشئة أو الوليدة فهي عادة تعيش حالة صراع وجدل ومماحكة بشأن تحديد الهوية..لذا تجدها تترنح بين النهوض والركوع وربما التمزق والتصدع والاندثار..ومرة قال لي مسؤول أمريكي رفيع المستوى:أما آن لكم أن تتحرروا من حالة التشبث بالمقدس والتحول إلى التنوع في الاختيار والتوافق..؟قلت:وهل أنتم في أمريكا تمارسون هذا التحرر..؟قال:وهل من شك..؟قلت:أحسب أنكم أشد الناس تطرفاً وتعصباً لهويتكم السياسية..قال:واقعنا السياسي يرد هذا الاتهام الغريب ويدحضه..نحن لدينا أحزاب تتداول السلطة عبر احترام إرادة شعبنا..قلت:ما تقوله صحيح بلا ريب..ولكن التعددية الحزبية لديكم لا تخرج عن ثوابت هويتكم الثقافية والدينية والسياسية أليس كذلك..؟فالحزبان الرئيسان الجمهوري والديمقراطي يتداولان السلطة ويتنافسان في إطار ثوابت هويتكم الليبرالية المؤمنة بالله( In God We Trust)فهل تسمحون بقيام حزب على أساس ماركسي يطالب بأن تحكم الشيوعية أمريكا..؟وهل تسمحون بقيام حزب على أساس إسلامي يطالب بأن يحكم الإسلام أمريكا..؟تعدديتكم الحزبية إنما هي استنساخ للتعددية الاجتهادية التي شرَّعها الإسلام في إطار ثوابت هويته وقيمه ورسالته الحضارية من وراء أربعة عشر قرناً ونيّف..ونحن نؤيدكم ونشجعكم وندعوكم للتنافس في تحقيق الأفضل لشعوبنا على أساس منها..قال:أهناك مشتركٌ بين هويتنا وهويتكم السياسية..؟قلت:إن عقدكم الاجتماعي يحقق ما يقرب من 80% من عقدنا الاجتماعي..قال:أحقاً ما تقول..؟قلت:بكل تأكيد قال:وما ذا بشأن20%؟قلت:إنها بسبب الخصوصيات الدينية والثقافية التي يتمسك بها كل منا..أو ليست الخصوصيات هي مصدر التعددية الثقافية بين الأمم..؟