رؤية مختصرة في تجديد العمل الصحوي
(تفكير خارج الإطار المطروح)
محمد جلال القصاص
غالب من ينتمي للفكر الصحوي لا ينتمي لجماعة منظمة. والحل ليس في إنشاء جماعة جديدة، أو إعادة تشكيل الموجود في صيغ قديمة تعثرت في طريقها، ولم تصل لأهدافها (أعني صيغة الجماعة بتجلياتها الموجودة)؛ والحل ليس في إدخالهم في "جبهة" أو نصب "جبهة" وتبني مواقف والنداء عليهم للدخول فيها وتأيدها!!
آن لنا أن نفكر بهدوء، وخاصة بعد أن تعثرت التجارب.
ثمة أمران هما مفتاح القضية، كما يبدو لي: حاجة الأمة، وإمكانات الأفراد.
حاجة الأمة في معالجة مجتمع أفسده المخالفون في جميع جوانبه: السياسية، والتعليمية، والاقتصادية، والعسكرية، والدينية...
وإمكانات الأفراد متنوعة، إذ الأفراد متخصصون بطبعهم، هذا يصلح لتعليم الصغار، وهذا يهتم بالعمل الميداني، وهذا يهتم بالأمور العقدية، وهذا بالتاريخ...، وكلما جدُّوا ازدادوا تخصصًا، فتجد أهل السياسة في شعابٍ متنوعة، هذا في "العلاقات الدولية"، وهذا في "النظم"، وهذا في "النظرية والفكر"، وكلما ازدادوا تركيزًا تخصصوا أكثر وأكثر، فتجد أهل العلاقات الدولية –مثلًا- بعضهم في العلاقات العربية العربية، وبعضهم في العلاقات العربية الأوروبية، وإن ازدادوا تركيزًا تخصصوا أكثر وأكثر.....
وكيف البداية؟
المجتمع .. كل مجتمع صغر أو كبر (فالقرية مجتمع، والمدينة مجتمع، والدولة كلها مجتمع) عبارة عن مجموعة من الظواهر، تتكون هذه الظواهر من أبنية وكوادر (نخبة) تدير هذه الأبنية.
بعبارة أخرى: نخبة متخصصة تعمل من خلال أبنية لتكوِّن ظاهرة.
مثال: الثقافة الدينية في مجتمعٍ ما، عبارة عن أفراد (شيوخ، دعاة، طلاب علم، أئمة مساجد، مدرسون جامعيون أو دون ذلك) يعملون من خلال أبنية ومؤسسات (المساجد، المدارس، الفضائيات،...)، ويشكلون ظاهرة مجتمعية. ولا تكون الظاهرة المجتمعية أبدًا ذات معالم ثابتة بل متعرجة، وتقاس بجملتها ...
وكذا الإعلام: ظاهرة تكونت من وسائل (أبنية ومؤسسات وفاعليات)، يقود هذه الوسائل نخبة.
ترضى عن الظاهرة أو تسخط، تحقق الظاهرة هدفًا مقبولًا أو هدفًا مرفوضًا، هذه قضية أخرى ليست محل النقاش.
فكي نغير مجتمعًا ما علينا أن نشارك في تكوين ظواهر المجتمع تبعًا لثقافتنا.. لثوابتنا، ونقطة البداية في النخبة الواعية التي تدير المؤسسات والأبنية وصولًا لظواهر مجتمعية مسلمة.
وهنا قضية أخرى مهمة، وهي أن: هذه النخبة لن تكوِّن ظواهرًا في فضاء، وكذا: المجتمع لن يتحمل ظاهرتين مختلفتين من ذات النوع ، لابد أن يتنافسا، فتزيح إحداهما الأخرى، أو يبقيا في المجتمع ويكونا سويًا ظاهرة جديدة لا هي من هذه ولا هي من تلك، بل من مجموعهما كما هو الحاصل في ظاهرة التدين في المجتمع المصري وتكونها من التصوف، والحالة الأزهرية، والجماعات الإسلامية، وغيرهم.
هل وجود النخبة وحده يكفي؟
يكفي كبداية، ومكان هذه النخبة وقدرتها يحدد نتاجها، فقد يستطيع فرد واحد إعادة تنظيم عدد كبير من الأفراد – إذ المجتمع ليس خليًا من الصالحين – ليجتاح بهم أبنيةً ويشكل بهم ظاهرة مجتمعية، وفي الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل نموذجًا، تقبل ثمرته أو ترفضها ليس هذا هو المقصود الآن، ولكن المقصود: أنه شخص استطاع الإفادة من عددٍ كبير في المجتمع وكوَّن ظاهرة فرضت واقعًا جديدًا، فوجود فرد ذو إمكانات يعني أنه يستطيع أن يفسح لنفسه مكانًا.. يستطيع أن يفعل إمكانات الآخرين، أو يعيد ترتيبهم في نسق يفرض به واقعًا جديدًا... ظاهرةً جديدة.
فإن وجدت هذه النخبة .. بهذا المستوى من الإعداد استطاعوا تفعيل كم هائل من الإمكانات المتعثرة.. الحائرة.. من الأفراد ومن المؤسسات.
أما صيغ الجماعات فهي صيغ مقاومة، صيغ تحافظ على الهوية (أيا كانت هذه الهوية ..كلية أو جزئية)في هيئة أفراد وتدافع عن هذه الهوية دفاعًا محدودًا، ولكن الجماعات تبقى ظاهرة ضمن المجتمع، وليست أبدًا مجتمعًا، ولا تشكل مجتمعًا.
يحتاج الموضوع للطرق من طرقٍ أخرى، وهو ما سأحاوله في مرة قادمة إن شاء الله.