المعشوق الأخضر ومسارات الثورة
المعشوق الأخضر ومسارات الثورة
محمد إقبال بلّو
ذلك الأخضر الورقي الذي يغري الكثيرين, يعز بعضهم ويهين البعض الآخر, له قصص عجيبة وغريبة في سورية, كلها ترتبط بالثورة بشكل أو بآخر , فهو أحياناً يبدو واحداً من أهم المسببين لاندلاع الثورة الشعبية, وفي أحيان أخرى يبدو أحد تلك العوامل التي أنهكت الثورة, تارة تلقاه حنوناً متعاوناً, وتارة تراه عدواً لدوداً, تدخل بشؤون الثورة السورية رغم أنف أبنائها قبل ولادتها وأثناءها , ووجد الكثير من السويين مؤخراً أنهم لا بد أن يعتبروه إبليس الثورة الذي لا بد من التعوذ من شروره حتى يحفظها الله ويكللها بالنصر.
في أرصدة المسؤولين
لم يعرف السوريون هذا الكائن الأخضر من قبل, بل أقصى ما توصلوا له في علم الأوراق النقدية هو القطعة الورقية الخضراء من فئة الألف ليرة سورية , بينما كانت ملايين الدولارات التي تجمع من ثروات الوطن ومن خيرات البلاد تتكدس في أرصدة النظام وأعوانه في البنوك الأوروبية والأمريكية, ولم تتأكد الأرقام المذهلة تلك إلا بعد أن أعلنتها بعض الدول عندما بدأت تهدد بتجميد أرصدة زعماء النظام من رأسه إلى بعض وزرائه وضباط مخابراته, لكن الفقر الذي عاشه السوريون خلال عشرات السنين من حكم العائلة الأسدية كان يشعرهم بأن هناك من يستثمر مقدرات البلاد لصالحه الشخصي معتمداً على جمع المال وتجويع الشعب , ولربما كان هذا واحداً من الأسباب غير الرئيسية لاندلاع ثورة الحرية والكرامة في سورية.
مغادرة الوطن
في بداية الثورة السورية, تنبأ الكثيرون من أغنياء سورية , والذين يرتبط معظمهم بالنظام ارتباطاً مصلحياً وثيقاً بما سيحدث فيما بعد من قتل وتدمير, فهم الأقرب إلى هذا النظام ويعرفون الطريقة التي يفكر فيها ويدركون مدى قدراته الإجرامية, بدأ هؤلاء يحولون مليارات الليرات السورية إلى العملة الصعبة بل وإلى معشوقهم الأخضر ألا وهو الدولار, جمعوا كل ما يملكونه وغادروا سورية معتبرين أن هجرتهم دون رجعة على الأقل في المرحلة المقبلة التي عرفوا أنها ستطول, وبذلك نجوا بأموالهم واعتبروا أنهم غير معنيين بهذا (الصراع) من وجهة نظرهم. وهذا ما أسهم بشكل مباشر في تدني القوة الشرائية للعملة السورية، وسحق المواطن الفقير ليغدو أفقر مما سبق , وليعاني الجوع مع القتل والقصف والتهجير.
خدعة دعم الجيش الحر
بعد بدء الثورة بشهور قليلة مضت الثورة نحو الكفاح المسلح, فحمل الناس السلاح, والذي كان في بداية الثورة مجرد أسلحة فردية خفيفة إلا أنها أنجزت الكثير من الانتصارات الثقيلة, وكان ذلك في العام الأول من الثورة, عندما كان المقاتل يبيع ذهب زوجته ليشتري البندقية , ويشتري ذخيرتها بنصف راتب عمله, ليقوم بعملياته ضد النظام ليلاً, بهذا السلاح الخفيف تم تحرير الكثير من المناطق منها مثلاً ريف حلب الشمالي , حيث نجحت البندقية النظيفة أكثر من الصاروخ الملوث بالولاءات مؤخراً. وعندما وجدت بعض الدول التي ترى أن بقاء النظام من مصلحتها , اخترعت ما يسمى دعم الجيش الحر , وبدأ الداعمون الدوليون يطلبون التنظيم لتقديم الدعم على حد قولهم , وكان هذا التنظيم عبارة عن تشكيل الكثير من الألوية المتناحرة المتقاتلة , كل لواء له اسم جديد , بعد أن كان الجميع يسمون ثواراً , وبدأت تنهمر الدولارات المشروطة تلك على قادة الألوية والكتائب , وتقدم لهم التوجيهات في التحرك والهجوم والانسحاب مقابل رزم الدولارات التي دفعت بسخاء، والتي عرف الداعمون أن من يقدمون له المال لن ينفقه كله على السلاح والذخيرة، بل سينفق معظمه على حياته الشخصية وبناء امبراطورية له، معتقداً أنه بهذا المال سيكون ذا شأن مستقبلاً كما أفهمه الداعمون الدوليون , وبهذا نجد أن عاماً آخر مضى من الثورة , بكتائب كثيرة وإنجازات تقل عن العام الذي سبقه, لقد كانت الدولارات تلك بمثابة محطم للثورة ولأخلاق الكثير من الثوار, ومن قدموها رسموا الخطة بدقة , وعرفوا تأثير المعشوق الأخضر في النفوس.
فقر النظام وحاجته للدولار
في تلك الأثناء وجد النظام أن مصارفه خلت من العملة الصعبة بينما بعض جيوب قادة الجيش الحر بدأت تمتلئ به, فكان لا بد له من اتخاذ بعض الإجراءات للحصول على العملة الصعبة ومن الثوار أنفسهم, فحدثت القصص التالية كأمثلة:
تم القبض على امرأة في حي المشارقة بحلب بتهمة حيازتها على مبلغ خمسة آلاف دولار, وصودرت تلك الدولارات , وأوقفت تلك المرأة التي تبين فيما بعد أنها تحملها لتقدمها رشوة لأحد الضباط لإطلاق سراح ابنها من فرع الأمن العسكري.
إذن فالموضوع أو القصة الأخرى تتعلق بالمعتقلين, حيث عمد النظام إلى إرسال مفاوضين من عملائه بين صفوف الجيش الحر, وبدأ هؤلاء المفاوضون يدّعون بأنهم على صلة بأحد الضباط في الفروع الأمنية , وأن هذا الضابط ينوي الانشقاق لكنه لا يستطيع فقرر أن يساند الثوار وهو في موقعه , وهنا تبدأ المفاوضات على المعتقلين بدفع عشرات آلاف الدولارات أحيانا،ً حيث وصل في إحدى المرات مبلغ التفاوض إلى ستين ألف دولار, وكانت خطة ناجحة من النظام جمع خلالها ملايين الدولارات مما دخل البلاد على أنه دعم للجيش الحر، أو دعم إغاثي , فهل هناك أسرة في سورية تمتلك مبالغ خيالية كهذه بعد ثلاث سنوات من الثورة!؟.
الأخضر وإفساد المعارضة
بعض الشخصيات المعارضة والتي يصل إلى يدها الكثير من الأموال باسم دعم الثورة, وكونهم من أبناء هذه الثورة كما يصفون أنفسهم , يتصرفون بتلك الأموال لأجل رفاهيتهم وتأمين مستقبل أبنائهم دون مبالاة أو أي شعور بالمسؤولية، فها هو رئيس الائتلاف الوطني وعلى سبيل المثال لا الحصر يستأجر طائرة لتنقلاته الخاصة، وهي تكلفه مئات آلاف الدولارات شهرياً في حين يعيش المواطن السوري على أقل من دولارين يومياً، أي تحت خط الجوع، وتحت كل خطوط الإنسانية.
صحوة متأخرة
مؤخراً، وبعد أن أدرك الكثير من القادة والثوار أن المجتمع الدولي لا يبالي بالمواطن السوري ولا يهمه مصير أطفال سورية بالمطلق، بل ما يهمه تماماً هو الحفاظ على النظام الذي عاش عشرات السنين خادماً لإسرائيل أولاً، ولمختلف الأنظمة العالمية ثانياً ، مما جعله فرع مخابرات عالمي مهم كونه يقع بجانب إسرائيل ويعمل ليلاً نهاراً على تأمين حدودها بمختلف الوسائل ومن كافة الجهات تقريباً, كل هذا جعل الثوار اليوم يحاولون الاعتماد على التمويل الداخلي، فسوريا غنية بالنفط والفوسفات، عدا عن كونها دولة زراعية بامتياز. من هذه الزاوية يفكر الكثير من قادة الجيش الحر بإيجاد وسائل بديلة عن الدعم الخارجي واستبداله باقتصاد وطني متوفر إلا انه يحتاج بعض التخطيط والتعاون من قبل اقتصاديين.