سوريا والألوان الثلاثة
سوريا والألوان الثلاثة
د. محمد أحمد الزعبي
يعتقد الكثيرون ممن قرأت وسمعت لهم ومنهم ، أن الصراع الدموي الدائرفي سو ريا منذ أكثر من عامين ونصف العام ، بين نظام عائلة الأسد وثورة آذار 2011 ، والذي تعود جذوره بصور وأشكال مختلفة إلى عام 1963 بصورة عامة ، وإلى عام1970 بصورة خاصة ، إنما هو صراع بين جماعتين / فئتين/ لونين ، هما نظام عائلة الأسد من جهة ، والمعارضة السورية بمختلف أشكالها وألوانها من جهة أخرى . واقع الحال أن مثل هذا التصور لايخلو نظرياً من الصحة ، ولكنه على المستوى التطبيقي يفتقر إلى الدقة وإلى المصداقية . إن مانراه ـ من جهتنا ـ أقرب إلى الصحة والمصداقية / والموضوعية ، هو أنه يوجد في سورية اليوم ثلاثة ألوان وليس لونين اثنين ، ألا وهي :
+ اللون الأسود ، الذي يمثله النظام ، بوصفه ( اللون الأسود ) انعكاساً أسوداً لأربعة عقود ونيف من القمع الوحشي والاستبداد الديكتاتوري والفساد الممنهج ،
+ واللون الأحمر ، الذي تمثله المعارضة ، بوصفه انعكاساً للدماء الزكية التي سالت من رجالها ونسائها ، كبارها وصغارها ،على يد ذلك النظام ، طيلة تلك المرحلة السوداء، ولا سيما، بعد
اندلاع ثورة آذار المجيدة عام 2011 ،
+ واللون الرمادي ، الذي لاهو بالأسود ولا هو بالأحمر ، والذي يمثل انعكاساً للتداخل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وحتى الأخلاقي بين تخوم اللونين الأساسيين المتعارضين والمتصارعين : الأسود الكالح ، والأحمر القاني .
ولابد هنا من الإشارة إلى الملاحظتين التاليتين :
الأولى ، هي أن هذا التصنيف الثلاثي ، لايعني ولا يلغي ، عدم وجود تباين في الرؤى والمواقف بين عناصر و/أوفئات كل لون من هذه الألوان الرئيسية الثلاثة ، ولكن مثل هذا التباين غالباً مايكون ويظل في إطار الخلاف بين الرأي والرأي الآخر ، الذي لايفسد لـ " اللون " قضية .
والثانية ، هي أن هذه " التعددية " في الرؤى والمواقف ضمن الألوان الرئيسية الثلاثة ،غالباُ ماتبقي على الأبواب والنوافذ مفتوحة للتنقل النظري والعملي بين عناصر وفئات هذه الألوان الرئيسية الثلاثة ، وبالتالي اختلاط الحابل بالنابل ، وفتح باب الاتهامات والتخوين على مصراعيه الأمر الذي سيطيل أمد الصراع ، وأمد النزيف والخسائر ،ويسمح بالتالي بالتدخل الخارجي .
إن أصحاب اللون الرمادي ، الذين يقولون بألسنتهم غيرما في قلوبهم ، والذين يمكن أن نطلق عليهم اسم جماعة " نعم...ولكن " ، أو لمن يشاء جماعة " الديموقراطية المشروطة " ، وإن متطرفي اللون الأحمر الذين يستبدلون علم الثورة بأعلامهم السوداء ، هم المسؤولون الرئيسيون عن إطالة عمر هذا الصراع ، وبالتالي عن التسريع بحسمه لصالح ثورة الحرية والكرامة ، ثورة الشباب ، ثورة إسقاط نظام بشار الأسد الديكتاتوري الطائفي ، بكل رموزه ومرتكزاته ، وإقامة نظام وطني ديموقراطي ، يشبه أصابع اليد من حيث اختلافها في الشكل وتوحدها في الوظيفة والمضمون .