التقليد ركيزة سلبية في المجتمع الكردي
جوتيار تمر
تتشكل المعالم الحقيقية لواقع اية امة او شعب من خلال تطورها ومواكبتها الفعلية والجدية للحدث العالمي او ما يمكن ان نسميه مواكبة العصرنة بكل اتجاهاتها وليس لاتجاه على حساب اخر، ولعل ما يمكن ان يمس سلبياً مسيرة اي شعب هو التقيد بموروثات لايمكنها ان تلبس رداء العصر، وتتجاوز الالزاميات الزمكانية التي تعبث بمقدرات الشعوب وامكانياتها عبر الازمنة، وهذا ما يدعونا بعيداً عن الاصطلاحات الحداثية ومابعدها ان نتأمل واقعنا لنحدد معالمه ومن ثم نقرر امكانية اللحاق او ركوب اي قطار حداثي نشاء، ولكن يبقى ان الآفة المزمنة التي أُصبنا بها ولم نزل نعيش وقع اثارها هي عدم قدرتنا على خلق اي شيء ذاتي بحيث تبدأ الفكرة منا وتكون للفكرة مقاييس تابعة لامكانياتنا، وتصير مجدولة حسب مقدراتنا ودرجة وعينا لها، فكل المتغيرات الحداثية العصرية التي نجدها انما هي امتداد فطري وطبيعي لمتغيرات سابقة لها جذورها المتوغلة في حضارات اخرى وعند شعوب اخرى لها باع طويل في المتغيرات التوعوية، لديها قيمة تأسيسية لمعالم التوعية بحيث نجد بأن كل خطوة يرافقها حركة اعلامية وتوجيهية وتثقيفية عامة على كل المستويات من اجل تثبيت معالم الخطوة التغيرية تلك، وعلى العكس تماماً نجدنا نعيش القرارات الآنية الاحادية التي لاتبت للواقع بأي شيء سوى كونها قرارات مستفعلة ومصطنعة حسب رؤى حداثية مقلدة غير واقعية مغايرة للواقع العياني الذي لانجده يتقبل الفكرة الا بعد ان تصبح امراً واقعاً مفروضاً، لذلك تقل القوة الانتاجية لدى الافراد فيصبحوا كآلات تؤدي ماعليها دون التفكير في خلق الجديد الابداعي، وهذا بلا شك ناجم عن الطريقة غير الحداثية التي تطبق فيها الاراء والتغيرات الحداثية، فالتقليد السلبي مؤثر اجمالاً ويطمس الميول الابداعية لدى الافراد، وهذا ما خلق بالتالي صراعاً جدياً بين الافكار والمصطلحات التي اختلطت في واقعنا اليوم، كما اختلطت دلالاتها وتأثيراتها وحتى اصبح تقويمها تقويماً نسبياً لا مقاييس ثابتة لها، ولايمكن لمتابع للصيروة التاريخية في المنطقة ان يتغافل عن حقيقة تأصلت وتجذرت وترسخت في واقعنا الا وهي كوننا لم نستطع ان نجد لانفسنا مخرجاً الا من خلال افكار الاخرين الذي لاينتمون ثقافياً ولا اجتماعياً ولا من حيث مستوى درجة الوعي الينا، ويمكن الاستدلال بذلك من خلال مراجعة بعض المتغيرات الحاصلة على مستويات علمية وثقافية عالية في مجتمعنا، ولعل الجامعة تعد احدى اهم ركائز التغيير والتطور الذهني والحسي في المجتمعات، وما يحدث في الجامعة لدينا بالطبع على متسوى وزارة التعليم يعد نقلة وانعطافة كبيرة على جميع الاصعدة، لكن المحاولة التغييرية الحاصلة لم تأخذ قيمتها الفعلية من صلب ووعي ورؤية داخلية انما اتت كغيرها جاهزة على طبق من ذهب " تقليد" ولم يتداول الامر بين المستويات عامة في الجامعة انما فرضت القرارات واصبح الموظف الجامعي والاستاذ والطالب معاً امام الامر الواقع وكأن لابديل لهم الا ذلك، والنتيجة غير مشجعة ابداً بعيداً عن الارقام والاعلام الذي يضخم الامور لمصالحها الذاتية، حيث لم نلاحظ تطورا داخلياً ذاتياً في الجامعات الكردية، لعل المظهر والارقام والاوراق والتوقيعات والاختام والقرارات بحق تعد نقلة كبيرة لكونها اصبحت تظهر مدى التغيير الحاصل في المؤسسات التابعة للوزارة، لكن واقعاً لانجد الا ما يخيب الامال لكون الاغلبية اصبح يفعل ما يفعله ليس لتطوير نفسه انما لانه امر ولازم وواجب، والاغرب من كل ذلك ان الوزير مصر على امتطاء صهوة التغيير هذا ولعل الجميع ينقل له
مدى نجاح التجربة ويمدحون بالخطوات الجبارة التي يقوم بها على المستوى العام، وفي الحقيقة ان الواقع متأزم وان الوضعية ان استمرت على هذه الحال ستكون العواقب وخيمة جدا، فلا التعليم الجامعي اصبح له قيمة ولا الاستاذ اصبح له هيبة، ولا حتى الاختيارات اصبحت لها دلالة، فكل شيء اشبه بروتين بيروقراطي يحتم على المرء ان يمر من خلاله للحصول في النهاية على شهادة يعلقها ان اراد على حائط غرفته، اما حصيلته العلمية وقيمته التغيرية ورؤاه وافكاره الابداعية فهي مدفونة تحت نظام بيروقراطي متعب ومخزي في احيان كثيرة، وهذا يعد مثالا على مستوى الوزارات لا على سبيل الحصر انما التوضيح فقط لأن باقي الوزرات لاتعيش واقعاً افضل من المذكورة.
وما يجعلني ان اقوم بسرد هذا الامر الان كوني اعيش تلك الحالة برمتها، ولعل الروتين وبعض المقولات الجبارة التي سمعتها من وزير اخر لورازة تعد ذا اهمية في العملية التغيرية هي من احدى الاسباب الاساسية التي فتحت عيني على العواقب الوخيمة التي تنتظرنا اذا استمر الوضع على هذه الشاكلة، فكل وزير يحسب ان وزارته مملكته وانه لايحق لاخر التحكم بهذه المملكة سواه فيضع القرارات التي تدفن القرارات السابقة دون ان ينظر للمستقبل الاتي فكيف لاية عملية او تجربة تعليمية او سياسية ان تنجح اذا لم تكن مكملة لعملية سابقة ترسخت في الارض والانسان معاً واستفادت من ظروفها ومتغيراتها وعوامل النجاح والاخفاق فيها، ولعل هذا ما يجلعنا نسيء الى مفهوم الحداثة نفسها بكونها بحسب منظورنا اصبح طمساً لمعالم الاخر الماضي وخلق نمط تقليدي غربي حديث لايتفق مع السابق في اي شيء لنقول للعالم باني موجود واني انسان فعال واني لااعتمد على احد، وهذا الخلط بين المفاهيم والافعال والنتائج اصبحت ذا تأثير على نفسية الانسان داخل مجتمعاتنا، ومثبطة كلياً لقدراته واهتماماته ولاتنمي ميوله وطموحاته للانخراط في العملية الابداعية الانتاجية على جميع الاصعدة.