ماذا قدمت المرأة للثورة السورية؟

عابدة المؤيد العظم

عابدة المؤيد العظم

لست أبالغ ولا أدعي حين أقول أن جهود المرأة كانت محركاً أساسياً وعاملاً مهماً في نجاح "الثورة السورية"، وإنها عامل مهم في استمرارها وامتدادها إلى المحافظات؛ أخبرني بهذا جمع من العاملين في الثورة ممن التقتيهم مباشرة، وأكدت لي هذه الحقيقة أخواتي في الداخل السوري، بل سردت علي الفتيات مغامراتهن والأخطار التي تعرضن لها، ومنهن عرفت عظمة ورفعة الدور الذي تقوم به النساء في هذه الثورة المباركة.

لقد خرجت النساء تهتف مع المتظاهرين، وتشيع جنازات الضحايا وتساعد في كتابة الشعارات المناهضة لنظام الأسد على الجدران. وكان لها دور رئيسي في الدفاع عن المتظاهرين الشباب (وإن اختلف دور المرأة في النشاط الثوري من محافظة إلى أخرى)، ولكن النساء ساهمن في كافة نشاطات الحراك السّلمي كالاعتصام وتوزيع المنشورات وتنظيم الحملات. وتمحور الدور النسائي في جمع التبرعات وشراء الاحتياجات وتوزيعها وإيصالها إلى المتضررين في بؤر التوتر. وساهمت بعض الفتيات في تهريب الناشطين إلى خارج البلاد من خلال مرافقتهن لهم حتى الحدود لتسهيل مرورهم عبر الحواجز وعدم كشف أمرهم من قبل القوات النظامية.

واتجهت الكثيرات إلى تكثيف أنشطتهن على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة فيسبوك والمدونات الالكترونية، كمنبر يتحدثن من خلاله بحرية ضد القمع والظلم. كما يقمن بتحميل مقاطع الفيديو التي يفضحن من خلالها الاعتداءات التي يتعرضن لها أو يؤكدن على مطالبهن التي غُيّبت عن الشارع بسبب تصاعد الأحداث.

وإن سوء الأحوال جعل بعض الفتيات يتركن الدراسة والتحصيل والجامعات، وينذرن حياتهن للثورة، ولا يخرجن من بيوتهن إلا لأجلها، فإن أحصرن خدمنها من دورهن على صفحات النت، لقد تركن الحياة وراء ظهورهن وهن شابات صغيرات، وأصبح كل ما يخص "الثورة"مبلغ علمهن واهتمامهن، فتعلمن على النت الفضائي والأجهزة المطورة البعيدة عن أعين الرقباء، وأصبح مبلغ سعادتهن إغاثة جريح أو إيواء جندي أو مسح رأس يتيم... أهدافهن نبيلة ورائعة، وهذا أصبح واقع بعض الفتيات السوريات

هذه الحقيقة، وإن -لحماس المرأة وقوة مشاركتها- أسباباً وجيهة منها العام ومنها ما يخص طبيعة الأنثى:

1- فالمرأة كانت شريكاً للرجل في كل ما تعرض له من ظلم واضطهاد وتهميش على يد العصابات الأسدية طيلة العقود الماضية، والحياة أصبحت شاقة عليها في سوريا بعد استعلاء الطوائف المختلفة واضطهادها لأهل البلاد

2- وحين أصبحت المرأة أماً وصل الظلم لأبنائها، والمرأة قد تصبر على ظلمها وتهميشها ولكن إذا نال أولادها أي شيء من هذا كانت له بالمرصاد واستعدت للموت في سبيل الدفاع عن صغارها

وإن واقع الأم السورية قبل الثورة كان حزيناً؛ تخاف على ولدها من بطش الظالمين فترميه وحده في بلد غريب بعيد والتعليم الجامعي مجاني في سوريا! ولكن الغربة أخف عليها من حقدهم وطائفيتهم.

وإن الحرمان من الأبناء كان أول المعاناة، وبعد الثورة توالت المظالم على المرأة وتكالبت عليها المصائب ونال المرأة من الاستبداد الشيء الكثير فأصبحت تعاني مرتين، ونالها من العذاب ضعفين، فنالها ما نال الرجل من التهجير والاضطهاد والتشويه وفقد الأعضاء وموت الأبناء والاعتقال والتعذيب المرير... ونال بعض الفتيات -فوقه- ما جاوز الحد والاحتمال وهو "الاغتصاب"... وزاد من معاناة المرأة (عن الرجل ) عاطفتها القوية التي جعلت وقع المظالم عليها أكبر أثراً وأشد ألماً، فحملت آثاراً نفسية قد لا يحملها الرجل.

3- لقد سَعَّر "النظام" الطائفية، وجعل التعايش السلمي بيننا وبينه مستحيلاً، وأبعد روح التسامح التي تحلى بها المسلم على مدار القرون، فصار شعارنا جميعاً "العين بالعين والسن بالسن والحرمات قصاص"، وهذا حقنا الشرعي والقانوني والدولي... فأنى لهذه الثورة أن تتوقف؟

4- البيت سكن المرأة وعالمها، فلما أخرجوها من دارها قسراً ودمروا مملكتها العريقة وعشها الهانئ الهادئ، ودمروا ذكرياتها، وأذاقوها مرارة التشرد والحرمان وهي العزيزة الرقيقة... ما عاد عندها ما تخاف عليه، فصار شعارها "الموت أو النصر".

5- ولما رأت المرأة ما حل بالمهاجرات من الوطن من سوء المعاملة في المخيمات، ومن اضطهاد وإذلال حرصت على البقاء في الوطن والذود عنه. وحق لها ذلك ومن مات دون ماله فهو شهيد.

6- الثورة أججت الإيمان وأحييت القلوب، وأصبحت الشهادة حلم المرأة أيضاً، تسعى إليها بكل جهدها، والثورة طريقها إلى هذا، فصار حرصها على المساهمة فيها أعظم وأكبر.

7-  ولا تنسوا أن العطاء والعمل الخيري أمر تميل إليه النفوس البشرية السوية، وهو شعار الإنسانية، فكيف تتوقف المرأة عن مسيرة الجهاد والكل ينادي هلم على الفلاح، وإن عاطفة المرأة الجميلة تأبى عليها –زيادة عن الرجل- خذلان المحتاجين والمنكوبين.

إن دور المرأة كبير في الثورة وسوف يصبح أكبر، وأشد أثراً، أتعرفون لماذا؟ 

لأن النظام أفرغ المدن من الرجال وأخرجهم إلى المعتقلات وإلى مياديين القتال، فبقيت المسؤولية الأساسية بيد المرأة، وكثرت وتراكمت عليها الواجبات، وأصبحت مشاركة المرأة في الثورة ضرورة ملحة، وواجب وطني وديني، وأصبح دعم الثورة بالأبطال والمال والطعام والأمان... مهمتها الأولى التي تعمل عليها ليل نهار.

قدرنا أن نكون من الجيل الذي يناضل لإعلاء كلمة الله. ستأتينا أيام صعبة وسيتأزم الوضع، وسيزداد دور النساء أهمية، فاستعدي أيتها المرأة لكل شيء، وكوني قوية، صامدة، تبثين الشجاعة وتحسنين التصرف.

وأنا هنا لا أخوف الناس ولكني أقرأ الواقع في "زيادة الحصار على سوريا"، وأتحسب لما يبيته العالم من "سرقة للثورة السورية" بعد التهديد بالضربة الأمريكية.