واقع وتاريخ

لطفي بن إبراهيم حتيرة

لطفي بن إبراهيم حتيرة

[email protected]

في واقع كالبحر متحرّك

ومتحوّل.. حوادثه كالموج موجة وراء موجة.. موجة تعلوها موجة.. موجة شرقيّة الاتجاه

وموجة غربيّة الوجهة وأخرى لا شرقيّة ولا غربيّة.. أحداث تتدافع حلقات تتشكّل..

حلقة تجرّ حلقة فرادى وجماعات.. حلقات موصولة وأخرى مقطوعة ومفقودة.. وحلقات

تتأزّم وتتراكم.. هذا في ظاهره وأمّا باطنه ففيه الاختلاف والخلاف, حوت يأكل حوت

وقليل الجهد يموت والبقاء للقويّ والأقوى.. هكذا البحر في ظاهره وهكذا البحر في

باطنه وهكذا هو المجتمع ظاهر وباطن..ظلال وعتمات وظلمات من فوقها ظلمات..حوادث

وأحداث.. مجتمع  مغاير ومتغاير

ومتغيّر..مغاير لمفهوم التجمّع و متغاير في تماسكه ونسيجه ومتغيّر في تركيبته

وصورته..مجتمع متنامي تقدّما وتقهقرا ومتناقض  مع واقعه الإقليمي والدوّلي تخلّف وتأخّر وتشوّه

ومناقض لبعضه بعضا.. مجتمع متجانس في عمومه متناحر  في أجزائه متوحّد في بنيانه و متشرذم في

أنحائه.. مجتمع مضلّل وكثير التظلّم.. أموال رعاية بالمليارات لفرق رياضيّة

يهوديّة وكافرة في شتّى بقاع العالم و فقر وتخلّف وقهر ومرض وحروب في مجتمعنا

العربيّ.. مجتمع يقوم على النّفاق ويعيش على التحايل والتحيّل والإنحلال وينمو في

برك التظليل والتهليل والتهويل .. مجتمع بل قل تجمّع كتجمّع القطيع كثير الزوايا كثير

الإنحناء و الحنايا متعدّد الحفر و القبور والأركان.. متعدّد الأقنعة و الأقمعة و

الأقمشة كعارضة الأزياء أو قل كحرباء محترفة.. مجتمع يجيد المشي إلى الخلف أكثر ممّا

يمشي إلى أمام.. يسير على أربع كما تسير السلحفاة ويزحف منبطحا حينا و ينزلق

أحيانا كثيرة في الظلمات العفنة المتعفّنة.. مجتمع متعالي على أبنائه وأبناءه

متخاذلون متواكلون لا حميّة ولا هويّة ولا غيرة عندهم لردّ الإعتبار لمجتمعاتهم..

مجتمع بنيانه ورق وقواعده من قشّ وخشب.. مجتمع يمدّ يديه للرّيح ويفتح ساقيه للغرباء

أعطوه وقيّدوه وكبّلوه وأملوا شروطهم المجحفة عليه فألزموه وأمهلوه ثمّ أغرقوه..

من نحن و أين نحن؟ وأين

نمضي وأين نتّجه نحن؟؟حكمونا بالعصيّ وانهالوا علينا ضربا وقيّدونا ثمّ ذهبوا بعد

أن أعدمونا.. حكمونا بالحديد ووضعوا الأغلال في أعناقنا وألقونا في غياهب السجون

سنين عدّة ثمّ ذبحونا.. حكمونا بالنّار و وقالوا لنا "النّار ولا العار"

فعيّرونا وأطلقوا النّار علينا وصلبونا و مضوا إلى قبورهم وهم مسؤولون ونحن

مستعبدون.. هتفنا بالحرّيّة.. وردّدنا قول الشّاعر..

 "إذا الشّعب يوما أراد الحياة   فلا بدّ أن تسحب منك الحياة"..

شرّدونا وضيّعونا

وركبوا ظهورنا واستعبدونا وساقونا سوق الحمير وباعونا في أسواق النخاسة والعبيد

وما رحمونا بل زادوا وقتّلونا في الساحات والميادين وحرقونا بالنبالم والكيماوي..

قالوا ربيع عربيّ ومتى كان للعربي ربيع؟.. ومتى كان للعربيّ ورود وزهور وأفراح

وحبور.. ضحكوا علينا لأنّنا أضعنا الأمانة وخنّا الرّسالة وصدّقنا الكاذب وكذّبنا

الصادق واستمعنا للرويبضة التافه يتكلّم في شؤوننا ويملي علينا أمورنا.. ضحكوا

منّا وعلينا لأنّنا أمّة ما كتبت تاريخها بيدها وما سطّرت حروفها بيمينها. تاريخنا

أملوه علينا وزوّروه لنا ففرحنا به وزدنا عليه ترّهاتنا وخزعبلاتنا.. التاريخ لمن

يملكه..

التاريخ لمن يصنعه..

التاريخ لمن يملك القوّة فهل ملكناها نحن؟..