أكراد سورية الحاضر والمستقبل
أكراد سورية..
الحاضر والمستقبل بين الانقسام الداخلي
والاتهام بالسعي نحو الانفصال والتقسيم
مسار برس (خاص) - تقرير محمد غريبو
تصدّرت القضية الكردية ساحة الأحداث في الفترة الأخيرة، وخاصة بعد إعلان بعض القوى الكردية عن مشروع لإدارة المناطق الخاضعة لها، مما أثار ردود فعل داخلية وإقليمية، بالإضافة إلى المواجهة العسكرية بين الأحزاب الكردية وكتائب الثوار في عدد من المناطق. "مسار برس" تسلط الضوء على حقيقة هذا المشروع والاتهامات الموجهة إلى الأكراد بالسعي نحو الانفصال، كما استعرضت تاريخهم وحركاتهم السياسية وما عانوه على يد حزب البعث.
الأكراد والتاريخ وكردستان
تعود الأصول التاريخية للأكراد إلى 4 آلاف سنة، ويرى بعض الباحثين أن الميديين الذين عاصروا الآشوريين والكلدانيين هم أجداد الأكراد الحاليين.
وقد أصبحت بلاد الأكراد جزءا من الدولة الإسلامية في عام 25هـ/645م على يد عدد من الصحابة أبرزهم خالد بن الوليد وعياض بن غنم، وكان العرب المسلمون يطلقون على تلك البلاد اسم إقليم الجبال أو عراق العجم أو جبال الأكراد.
كما نشأت لهم عدة كيانات في الدولة الإسلامية وخاصة في العصر العباسي، من أبرزها الدولة الأيوبية التي أسسها صلاح الدين الأيوبي والتي شملت بلاد الشام والموصل والقسم الشرقي من تركيا واليمن ومصر وليبيا، واستمرت ما بين 564-648هـ.
ظهر مصطلح "كردستان" للمرة الأولى في القرن 12 للميلاد في عهد السلاجقة عندما فصل السلطان السلجوقي سنجر القسم الغربي من إقليم الجبال وأطلق عليه هذا الاسم.
ويستعمل هذا المصطلح حديثا للإشارة إلى المنطقة الجغرافية الممتدة بين تركيا وسورية وإيران والعراق، والتي قسمت بموجب اتفاقية "سايكس- بيكو" لعام 1916م، وقد اتبعت هذه الدول مع أكرادها سياسة الصهر والتذويب ونفي الحقوق الكردية، والتهجير الجماعي، لا سيما سورية في ظل حكم البعث وإيران في ظل حكم الولي الفقيه.
كما أن التقديرات تختلف بشأن عدد الأكراد بين 30 إلى 35 مليونا، يتوزعون بنسبة 15 مليونا في تركيا، و10 ملايين في إيران، و6 ملايين في العراق و2 مليون في سورية، بالإضافة إلى وجود عدد قليل منهم في أرمينيا.
ويقطن الأكراد السوريون في الشمال والشمال الشرقي من البلاد، في مناطق القامشلي والمالكية ورأس العين وعامودا والدرباسية في محافظة الحسكة وفي عين العرب "كوباني" وعفرين "جبل الأكراد" في محافظة حلب، والشريط المحاذي للحدود التركية في محافظتي إدلب واللاذقية، كما ينتشرون في تجمعات صغيرة في مناطق من حماة ودمشق وما حولها وهضبة الجولان، وفي بعض قرى وادي النصارى حول قلعة الحصن بمحافظة حمص، ويطلق الأكراد على القسم الواقع في سورية من إقليم كردستان اسم "غرب كردستان".
ويدين أكثر من 96% من أكراد سورية بالإسلام، 98% من هؤلاء من أهل السّنة والجماعة، والنسبة الباقية تتبع الطائفة العلوية.
أما الديانات الأخرى فهي اليزيدية في بعض قرى عفرين والجزيرة، ونسبة أخرى ضئيلة مسيحيون لا تتجاوز نسبتهم مع اليزيدية 4% من مجموع الأكراد.
الأكراد في سورية ومعاناتهم مع نظام البعث
كان أكراد سورية دوما جزءا من النسيج الاجتماعي والسياسي السوري، إذ عاشوا مع بقية مكوّنات المجتمع تاريخا ومصيرا مشتركين منذ ما يزيد على 14 قرنا، فوقفوا ضد الانتداب الفرنسي، وحملوا السلاح دفاعاً عن استقلال سورية أمثال إبراهيم هنانو، كما وصلوا إلى مناصب مهمة في الدولة كأديب الشيشكلي وفوزي سلو وعبد المحسن البرازي.
لكن الأمر لم يستمر على هذا النحو في الفترة التي حكم فيها حزب البعث الذي عمل على إيجاد شروخ وجروح عميقة لا تندمل بسهولة بين العرب والأكراد، باسم القومية والعروبة كما يرى القيادي في جبهة العمل الوطني لكرد سورية إبراهيم درويش الذي تحدث لـ"مسار برس" عن ممارسات البعث في تلك الفترة بقوله:
بعد وصول حزب البعث إلى الحكم، ابتكر الحزب أساليب متنوعة لاضطهاد الأكراد، إذ جرد نحو 300 ألف كردي من الجنسية السورية، فضلا عن تعريب أسماء مئات القرى والبلدات والمواقع الأثرية، ومنع الأكراد من تسجيل أطفالهم في القيد المدني بأسمائهم الكردية.
كما استولى على أراض لفلاحين أكراد بموجب قانون استصلاح الأراضي وأعطاها لفلاحين عرب من الذين نُقلوا إلى المناطق الكردية بعد أن غمرت مياه سد الفرات قراهم، فتم توطين أكثر من 4 آلاف أسرة عربية في الشريط الحدودي بين سورية وتركيا في الحسكة بعمق 10 إلى 15 كم، فيما عرف باسم "الحزام العربي" بهدف تفريغ الشريط الحدودي من سكانه الأكراد الأصليين وعزل أكراد سورية عن محيطهم الكردي.
كما اتّبع البعث سياسة منهجية تهدف إلى طمس الهوية الكردية عبر الاستمرار في قمع الحركة السياسية واعتقال نشطائها، واستبعاد الأكراد عن جميع المناصب والسلك الدبلوماسي وقيادة الجيش، ومنعهم من الاحتفال بالأعياد القومية كعيد الـ"نوروز"، ومن استخدام وتداول لغتهم وحتى الغناء بها في أفراحهم واحتفالاتهم.
ويضاف إلى كل ذلك القمع الدموي لانتفاضة القامشلي في عام 2004 والذي اعتقل على إثرها العديد من الأكراد فضلا عن سقوط عدد من الشهداء فيها.
كما قام نظام الأسد حينها بطرد وفصل العشرات من الطلاب الأكراد من المدارس والمعاهد والجامعات وحكم على عدد كبير منهم بالسجن. ويمكن القول إن نظام الأسد قد تمكن بممارساته تلك من إيجاد شرخ قوي بين المواطنين الأكراد والعرب.
ويرى الكاتب الصحفي الكردي والعضو السابق في المجلس الوطني السوري زيوار العمر أن نظام الأسد قد تمكن من تحويل سورية إلى كنتونات قومية ودينية ومذهبية غير مُعلنة يستعدي بعضها بعضا.
وفي ذات السياق يؤكد القيادي في جماعة الإخوان المسلمين عمر مشوّح أن نظام الأسد قد لعب بالورقة الكردية بأقصى درجات الاستغلالية لإثارة النعرات العرقية والقومية بين أطياف الشعب السوري ضمانا لبقائه.
الخارطة السياسية الكردية قبل الثورة السورية
في آخر إحصائية للأحزاب الكردية على الساحة السورية تم إحصاء ما يزيد عن 30 حزبا، وعلى الرغم من وجود كل هذه الأحزاب في الساحة إلا أن الأحزاب الفاعلة تكاد تكون قليلة نسبيا وهنا يمكن اعتبار حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي "PYD" أقوى وأكثر الأحزاب شعبية إلى جانب أحزاب أخرى كالبارتي ويكيتي والديمقراطي التقدمي والوحدة وآزادي.
تتنوع هذه الأحزاب تنوعا كبيرا، فبعضها موغل في اليسارية، وبعضها مـوغل في اليمينية، وبعضها الآخر "شـيوعي أكثر من ماركس ولينين، وبعضها رأسمالي ليبرالي أكثر من آدم سميث وأصحاب الاقتصاد الحر" كما يرى القيادي في جبهة العمل الوطني لكرد سورية إبراهيم درويش.
ويشير درويش إلى كثرة الانشـقاقات التي كانت تشهدها هذه الأحزاب بين الحين والآخر، والغريب أن يـقـوم الـمـنشــقون بعد فترة وجيزة بتشكيل تنظيم سياسي جديد دون تردّد في تسمية حزبهم الجديد بنفس اسم حزبهم القديم الذي انشقوا عنه.
فهناك مثلا: الحزب الديمقراطي الكردي في سورية بقيادة عبد الحكيم بشار، وهناك الحزب الديمقراطي الكردي في سورية بقيادة نصر الدين إبراهيم، وهناك حزب آزادي بقيادة مصطفى أوسو، وهناك حزب آزادي بقيادة مصطفى جمعة وهكذا.
ويُرجع الكاتب الصحفي والعضو السابق في المجلس الوطني السوري زيوار العمر كثرة الأحزاب الكردية قبل الثورة إلى سببين: ضعف البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الكردي من جهة، والاختراقات الأمنية من أجهزة الأمن والاستخبارات السورية من جهة أخرى.
كما أن النزاعات الفردية والتنافس على المصالح الشخصية بين قيادات تلك الأحزاب قد لعبت دورا كبيرا في تشرذمها وانقسامها ما أدى إلى تناسي المصالح القومية للشعب الكردي كما يرى الأمين العام لجمعية علماء كرد سورية حسين عبد الهادي.
ولا يخفى على أحد التأثير غير المحدود للقوى الكردية غير السورية على هذه الأحزاب: فالحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البرزاني في كردستان العراق يملك تأثيرا على عدة أحزاب كردية في سورية أهمها البارتي.
ولحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال الطالباني في شمال العراق سلطة أيضا على بعض الأحزاب أهمها الحزب الديمقراطي التقدمي.
وكذلك لحزب العمال الكردستاني ""PKK في تركيا سلطته الواضحة على حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي "PYD".
ويرى المتابعون للشأن الكردي السوري أن ارتباط هذه الأحزاب بالقوى الكردية الخارجية افقدتها مع الزمن إرادتها السياسية وقرارها المستقل.
الأحزاب الكردية والثورة السورية
شهدت الساحة الكردية في ظل الثورة السورية نشوء حركات وتكتلات سياسية جديدة أهمها:
* "المجلس الوطني الكردي" وقد تشكل من تجمع أغلب الأحزاب الكردية ما عدا حزب الاتحاد الديمقراطي الـ"PYD" إضافة إلى بعض التنسيقيات الشبابية الكردية وثلة من الشخصيات المستقلة.
* "مجلس شعب غربي كردستان" وهو مجلس منتخب من قبل مؤيدي حزب الاتحاد الديمقراطي "PYD" وهو بمثابة برلمان مصغّر للحزب.
* "الهيئة الكردية العليا" وهي الإطار الذي تشكل من تحالف المجلس الوطني الكردي ومجلس شعب غربي كردستان بموجب "اتفاقية أربيل" في العام الماضي برعاية رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني.
كما ظهرت تشكيلات عسكرية جديدة على الساحة من أهمها:
* "الأسايش": وهي وحدات أمنية شكلها حزب الاتحاد الديمقراطي لإشاعة الأمن والاستقرار في المنطقة وهي بمثابة جهاز للشرطة.
* "وحدات الحماية الشعبية YPG" وهي تشكيلات عسكرية شكلها حزب الاتحاد الديمقراطي من أجل حماية المنطقة الكردية وتمتلك أسلحة خفيفة ومتوسطة.
* "المجلس الثوري الكردي السوري الـ(كوميلة)" وهو فصيل سياسي وعسكري منخرط في الثورة السورية بشكل مباشر.
* "المجلس العسكري الكردي" ويضم مجموعة من الفصائل الكردية المسلحة وبعض الضباط الأكراد المنشقين عن قوات الأسد.
حزب الاتحاد الديمقراطي وإدارة المناطق الكردية
تُـثار الكثير من الشُبهات حول الطريقة التي تسلّم فيها حزب الاتحاد الديمقراطي إدارة المناطق الكردية. فعندما اندلعت الثورة السورية كان حزب الاتحاد الديمقراطي "PYD" حزبا منهكا جراء الاعتقالات المستمرة في صفوفه من قبل أجهزة الأسد الأمنية، فقد أثّرت العلاقات الطيبة وقتها بين الحكومة التركية ونظام الأسد على الحزب ونشاطه بشكل مباشر وزُجّ بالمئات من أنصاره وكوادره في السجون.
المنسق العام للمجلس الثوري الكردي السوري "كوميلة" فارس مشعل تمو يتهم الحزب بصورة مباشرة أنه قد تسلم إدارة المناطق الكردية بدعم من نظام الأسد وأنه قمع المظاهرات السلمية في بداية الثورة وخطف نشطاءها وقتلهم على حد وصفه.
ويصف الأمين العام لجمعية علماء الكرد في سورية حسين عبد الهادي وصول حزب الاتحاد إلى إدارة المناطق الكردية بـ"المسألة المحيرة"، مشيرا في الوقت ذاته إلى وجود دلائل على دخول حزب العمال الكردستاني من تركيا إلى سورية وممارسته أنشطة سياسية وعسكرية إلى جانب حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي "PYD" وذلك بعد انسحاب مقاتلي الحزب من تركيا بموجب اتفاقية السلام مع الحكومة التركية.
كما أن الحزب متهم برأي عبد الهادي بالتفرد في اتخاذ القرارات وعدم مشاركة بقية الأحزاب في إدارة المنطقة واضطهاد بقية الفصائل التي تخالف الحزب سياسيا، فالحزب برأيه "يفرض نفسه إلى الآن بمنطق القوة لا بقوة المنطق".
أما الكاتب الصحفي زيوار العمر فيرى أن الحزب قد تمكن من تسلم إدارة المنطقة مستفيدا من تجربة حزب العمال الكردستاني العسكرية والسياسية لأكثر من 3 عقود في مواجهة الدولة التركية والتي مكنته من بناء مؤسسات أمنية وعسكرية وسياسية قوية إلى جانب مؤسسات مدنية استطاعت تلبية بعض الاحتياجات اليومية للمواطن الكردي.
أما عن المسائل التي ما يزال الحزب يتخبط فيها، فتتمثل برأي زيوار ببعض الانتهاكات التي ترتكبها مؤسسات الحزب الأمنية، فضلا عن حرمان أبناء الشعب الكردي من تأسيس مؤسسات وطنية جامعة بدلا من المؤسسات الحزبية التي شكّلها حزب الاتحاد الديمقراطي.
أما القيادي في جبهة العمل الوطني لكرد سورية إبراهيم درويش فيعتبر أن سياسة حزب الاتحاد الديمقراطي تجاه بقية أفراد الشعب الكردي ليست بمستوى الطموح، وأن المواطن الكردي لم يشعر أن البديل عن نظام الأسد هو الأفضل في كل شيء، داعيا الحزب إلى إعادة النظر في مجمل سياساته قبل فوات الأوان.
كما أن انضمام حزب الاتحاد الديمقراطي "PYD" إلى هيئة التنسيق الوطنية التي تثار حولها الكثير من الشبهات، جعلت الحزب في مرمى الاتهام المباشر بالتعامل مع نظام الأسد.
من جانبه نفى رئيس مجلس الاتحاد الديمقراطي الكردي "PYD" في قبرص ياسين طربوش لـ"مسار برس" كل هذه الاتهامات، معتبرا أن الحزب يمثل "إرادة شعب مضطهد ناضل ويناضل من أجل حقوقه"، وأنه "قاوم النظام في انتفاضة القامشلي 2004 ولا يزال الحزب يقاتل النظام في حيي الشيخ مقصود والأشرفية في حلب".
ويعتبر ياسين طربوش أن هيئة التنسيق جزء من المعارضة في الداخل وتضم قوى ثورية لها شعبيتها على أرض الواقع، ولم ترتبط بأي أجندة خارجية على حد تعبيره.
الأكراد وقوى المعارضة السورية
تؤكد جميع قوى المعارضة السورية على الدور المهم للأكراد في الثورة وفي صناعة مستقبل سورية، وأنهم عنصر مهم لا يمكن إغفاله أو إهماله.
فقد أكد القيادي في جماعة الإخوان المسلمين عمر مشوّح لـ"مسار برس" أن الأكراد مكوّن رئيسي في المعارضة السورية وأنهم عنصر مهم في الثورة وسورية المستقبل، مشيرا إلى إسهامات الأكراد في تأسيس المجلس الوطني والائتلاف الوطني كذلك، معتبرا في الوقت ذاته أن تسلم عبد الباسط سيدا رئاسة المجلس الوطني في فترة من الفترات يعني أن هناك تواصلا مستمرا وحوارا بين المعارضة والأكراد في جميع ما يخصّ مستقبل سورية.
كما ثمّن مشوّح دور الأكراد في الثورة السورية وما قدّموه من شهداء فيها وعلى رأسهم مشعل تمو، وهذا كله برأيه يثبت أن غالبية الأكراد مع الثورة ما عدا بعض المجموعات الانفصالية التي تتلقى دعما من نظام الأسد.
وعلى الرغم من كل هذه التأكيدات التي تطرحها المعارضة إلا أن رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي صالح مسلم يتهمها بعدم الإصغاء إلى مطالب الأكراد وعدم الاعتراف بوجودهم؛ فالمعارضة السورية وبحسب وصف مسلم تريد أكرادا بحسب مقاييسهم الخاصة.
كما يتهم رئيس مجلس حزب الاتحاد الديمقراطي في قبرص ياسين طربوش المعارضة السورية بالارتباط بدول أجنبية وعربية خليجية، كتركيا والسعودية وقطر، وأن المعارضة ترفض التعامل مع الأكراد لكي لا تخسر علاقاتها مع تركيا.
من جانبه يرى الكاتب الصحفي زيوار العمر أن من أخطر الأشياء في الثورة هو هيمنة القوى التقليدية على الواجهة السياسية، معتبرا أن المعارضة عوضا عن طرح مشروع وطني ديمقراطي يطمئن شرائح ومكونات الشعب السوري، قامت بتوسيع الشرخ أكثر عبر تجاهل مصالح وتطلعات مكوناته في التغيير، كما اعتبر أن هذه القوى هي نفسها التي كانت تقف بالمرصاد وقبل الثورة أمام أي طرح كردي لتقرير مصيره في إطار الدولة السورية.
ومن جانبه يعتبر الأمين العام لجمعية علماء الكرد في سورية حسين عبد الهادي أن المعارضة السورية التي فشلت على الصعيدين الداخلي والخارجي لا يمكن لها حل المشكلة الكردية.
الأكراد والحكم الذاتي
طرح حزب الاتحاد الديمقراطي مسوّدة مشروع لإدارة المناطق الكردية التي يسيطر عليها، وقد أطلق على هذا المشروع اسم "حكومة الإدارة الذاتية الديمقراطية" وتتضمن هذه الحكومة 21 وزارة، وبرلمانا وعلما وعاصمة هي القامشلي.
كما نصّت المسوّدة على تشكيل "وحدات حماية الشعب" مهمتها حماية الحدود ومحاربة الإرهاب ضمن المناطق الكردية.
الأمين العام لحزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم أكد وفي أكثر من تصريح له أن هذه التجربة ستكون بمثابة حكومة مؤقتة مشابهة لتجربة حكومة كردستان العراق، وأن هذا الطرح هو فكرة مطروحة للنقاش مع بقية الأحزاب والمكونات غير الكردية، مشيرا إلى أن الحزب قد طرح هذا المشروع لعدم وجود حل قريب للأزمة السورية، نافيا أن تكون الفكرة خطوة نحو الانفصال.
كما أكد رئيس مجلس حزب الاتحاد الديمقراطي في قبرص ياسين طربوش أن هذه الإدارة الذاتية عبارة عن لجان تنفيذية وتشريعية لسد الفراغ الذي تركه نظام الأسد بعد أن تم طرده من المناطق الكردية على حد وصفه.
إلا أن هذا الطرح لايزال وبرغم كل التطمينات من الحزب يصطدم باعتراضات عديدة إقليمية وداخلية. فتركيا حذرت من مغبة المضي فيه على لسان وزير خارجيتها أحمد داود أوغلو مهددة بالتدخل العسكري المباشر لمنع قيام أي كيان كردي على حدودها. كما اعتبرته قوى المعارضة السورية مشروعا تقسيميا، فيما اعتبرته أحزاب كردية سورية محاولة من حزب الاتحاد الديمقراطي "PYD" لشرعنة سلطته وفرض سياسة الأمر الواقع، بينما لامت أحزاب أخرى حزب الاتحاد لأنه لم يستشر باقي الأحزاب الكردية قبل طرح مشروعه.
القيادي في جماعة الإخوان المسلمين عمر مشوّح أكد على أن "وحدة أراضي سورية خط أحمر" وأن أي خطوة استباقية لتقسيم سورية سوف تحارب من الجميع، معتبرا أن الدلائل والشواهد على الأرض لا تتفق مع تطمينات حزب الاتحاد، وأن كل المؤشرات تؤكد بأن لديه نيّة مبيّتة لإنشاء فيدرالية أو دولة منفصلة، فالنقاط التي طرحها الحزب في مسوّدته كالدستور والبرلمان والوزارات، كلها خطوات لا تبعث على الطمأنينة ولا يمكن تفسيرها إلا على أنها خطوات استباقية لمشروع انفصالي.
كما استبعد مشوّح نجاح هذه الفكرة لأسباب جغرافية وديموغرافية، بالإضافة إلى أن الـ"PYD" لا يمثل في طرحه الرأي العام الكردي، كما أن هناك مكونات كردية أخرى ضمن صفوف المعارضة ترغب بالاندماج في الدولة السورية الموحدة مع الحصول على الحقوق الثقافية والسياسية.
أما الكاتب والصحفي والعضو السابق في المجلس الوطني زيوار العمر فيرى أن ما تشهده الساحة السورية من فوضى سياسية وعسكرية جعل من الطبيعي أن ينكفئ كل مكوّن من مكوّنات الشعب السوري على نفسه، معتبرا أن مشروع حزب الاتحاد لا يعني الانفصال عن سورية، إلا أن نجاحه مرتبط بقبول الأحزاب الكردية الأخرى، معتقدا في الوقت ذاته أن حزب الاتحاد قد أخطأ عندما أكد عزمه على صياغة دستور للمنطقة وإجراء انتخابات، وهو ما أدى برأيه إلى اعتراضات وإيقاظ هواجس ومخاوف الكثير من القوى الداخلية والخارجية من الانفصال.
ويعتقد زيوار أن المنطقة الكردية بحاجة الى إدارة ذاتية، بشرط أن تشارك فيها جميع القوى والفعاليات السياسية والقومية في المنطقة، بحيث تساهم هذه الخطوة في بناء مؤسسات تكون عماد مشروع بناء الدولة الوطنية الديمقراطية التي يتطلع إليها كل السوريين بمختلف انتماءاتهم القومية والدينية والمذهبية، دون ذلك يعتقد زيوار أن مشروع حزب الاتحاد لا ينطوي على أية فرص نجاح حقيقية.
كما أكد الأمين العام لجمعية علماء الكرد في سورية حسين عبد الهادي أن هذا المشروع لا يمكن أن يُـقبل، لأنه من طرف واحد ويرى عبد الهادي أن المنطقة تحتاج إلى "لجان أهلية" لإدارة المجتمع لا أن تكون تابعة لحزب أو فصيل، ولا يجوز برأيه لأي طرف فرض نفسه بالقوة على المجتمع من باب فرض سياسة الأمر الواقع لأن هذا سيسبب فتنة واقتتالا بين المكونات المجمع.
المعارك بين كتائب الثوار وحزب الاتحاد
تشهد الساحة الكردية في الفترة الأخيرة معركة حقيقية بين كتائب الثوار وبين عناصر حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي "PYD" ويتبادل الطرفان سيلا من الاتهامات، فكتائب الثوار تتهم الحزب بالاتصال المباشر والعمالة لنظام الأسد ومساندته. بينما يتهم الحزب كتائب الثوار والجيش الحر بالإبادة العرقية وتشريد الشعب الكردي عبر استهدافه لمدن الأكراد وقراهم، مطالبين بتوجيه أسلحتهم وفوهات بنادقهم إلى الأسد، وقد أعلن الحزب في الفترة الأخيرة النفير العام لمواجهة "الفصائل التكفيرية".
إلا أن قائد المجلس العسكري في حلب العقيد عبد الجبار العكيدي يؤكد أن هذه المعركة التي تشهدها المنطقة ليست مع الشعب الكردي كما يروّج إعلام حزب الاتحاد مطلقا، إنما هي مع حزب الـ"PYD" الذي يساند نظام الأسد، متهما إياه بالغدر بالثوار في أكثر من مكان.
من جانبه اعتبر رئيس مجلس حزب الاتحاد الديمقراطي في قبرص ياسين طربوش أن الحزب يتصدى لكل من يحاول الاعتداء والهجوم على المناطق الكردية وأنه يواجه "عصابات ومرتزقة وتكفيريين وقوى عنصرية" وجّهت فوهات بنادقها إلى الأكراد بدلا من توجيهها الى دمشق والقصير وغيرها من المناطق التي تتواجد فيها قوات الأسد، فإسقاط النظام برأي ياسين طربوش لا يمر بعفرين وتل حاصل وتلعرن ورأس العين وتل ابيض وكل المناطق التي يهاجمها الجيش الحر وجبهة النصرة.
ومن وجهة نظر مختلفة يرى القيادي في جبهة العمل الوطني لكرد سورية إبراهيم درويش أن أي اقتتال لا يكون ضد قوات الأسد هو تشتيت للجهود وإطالة في عمر نظام الأسد، وأن الاقتتال الحاصل بين الطرفين هو صراع عبثي سيؤثر على نتائج الصراع بين الشعب السوري ونظام الأسد، كما أنه سيولد أحقادا وسيحفر أخاديد لا يمكن ردمها فيما بعد.
كما اعتبر الأمين العام لجمعية علماء الكرد في سورية حسين عبد الهادي أن الاقتتال الحاصل اليوم في مناطق عدة هو "صراع على المواقع والنفوذ ولا علاقة له بالكرد والعرب".
الأكراد وتطلعات المستقبل
ومع طول أمد الثورة السورية وفي ظل ما تشهده الساحة الكردية من تطورات ومعارك يتخوف الشعب الكردي من المستقبل وما سيحمله له من مفاجآت إلا أنه لا يرى نفسه بعيدا عن وطنه سورية.
لذلك يرى الكاتب الصحفي والعضو السابق في المجلس الوطني زيوار العمر أن مستقبل الشعب الكردي في سورية مرتبط بمصير باقي مكونات الشعب السوري، وحقوق الشعب الكردي لا يمكن أن تتحقق إلا في ظل نظام ديمقراطي تعددي، وعبر دستور يصاغ بالتوافق، وليس بالفرض أو عبر استفتاء الأغلبية على الأقلية، بمعنى أن مصلحة الشعب الكردي تكمن في نجاح الثورة السورية، وسقوط النظام الديكتاتوري في سورية، وبناء نظام سياسي جديد يضمن الشراكة الحقيقية بين كافة مكونات الشعب السوري.
أما القيادي في جبهة العمل الوطني لكرد سورية إبراهيم درويش فيرى أن مستقبل الأكراد في سورية سيحدده ممثلو الشعب السوري المنتخبون بحرية وشفافية ونزاهة تحت قبة البرلمان بالتوافق.
ومن وجهة نظر الأمين العام لجمعية علماء الكرد في سورية حسين عبد الهادي فإن الأكراد سيحصلون على حقوقهم في ظل إدارة لامركزية ضمن سورية الموحدة أرضا وشعبا، داعيا الأكراد إلى التعاون مع باقي المكونات لإسقاط نظام الأسد المستبد، وإقامة حوار جاد فيما بينهم ومع مكونات المجتمع السوري.