الولاء والبراء
الشهيد الدكتور عبد الله عزام
يقول الله عز وجل في محكم كتابه: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ المُفْلِحُونَ) المجادلة (22).
عقيدة الولاء والبراء، هي عقيدة (لا إله إلا الله) ولن تتحقق هذه الشهادة إلا بتلك العقيدة، وتعني في المفهوم الاصطلاحي الشرعي: الحُبّ في الله والبغض في الله، الحب لكل مسلم والنصرة لكل مسلم، ودفع الدم رخيصاً للدفاع عن الإسلام وأرضه، وبالمقابل العداء للكافرين "المحاربين" وبغضهم، وعدم التشبه بهم، والتبرؤ منهم ومحاربتهم ومنازلتهم في الميدان الفكري والثقافي والعسكري.
ولقد ظهرت هذه العقيدة واضحة وضوح الشمس في مجتمع المدينة المنورة أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما كان الصحابي يقتل أباه المشرك أو أخاه المشرك تقرباً إلى الله عز وجل في ساحات القتال.
ولقد نزلت الآيات السابقة في أبي عبيدة رضي الله عنه عندما قتل أباه في معركة بدر، وهذا يوضح لك القمة السامقة التي ارتقى إليها هؤلاء، من خلال تربيتهم على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلم تعد مكة أو المدينة أو الجزيرة العربية أو القرابة هي الرابطة في هذا المجتمع، إنما هي العقيدة وحدها بعد أن كانوا غارقين في الحضيض، متجمعين حول الكلأ وداخل السياج القبلي، الذي كان يعبر عنه دريد بن الصمّة:
وهل أنا إلا من غَزِيَّةَ إنْ غَوَتْ
غَوَيْتُ وإنْ تَرْشُدْ غزيةُ أَرْشُدِ
فانتشلهم الإسلام ووضعهم في القمة السامقة لهذا الدين، فسادوا به العالم، بعد أن صفت النفوس وتجردت من كل الحظوظ الشخصية.
إن الصلات في المجتمع المسلم قائمة على المحبة والمودة والموالاة والنصرة، وكلها مبنية على كلمة التوحيد، فكل من ارتبط بهذه الكلمة فهو أخي أنا منه وهو مني، دون وشيجة أخرى أو رابطة أخرى، سواء كان لون جواز سفره كلون جوازي، أو شابهني في البشرة أم لم يشبهني.
الرابطة هي الإيمان، والوشيجة هي التقوى، والهدف هو الجنة والغاية هي رضا الله سبحانه.
وعندما رأى أعداء الله أن هذه العقيدة (الولاء والبراء) هي السبب في تجمع المسلمين وقوتهم، بدأوا يحاولون تجميع المسلمين حسب اللون أو حسب العرق أو حسب الأرض أو الجنس، فظهرت القوميات النتنة.
وقد غرق المسلمون في وحل القومية، وتمزقت الأمة شذر مذر على هذا الأساس، وبدأت الحركات الإسلامية تحاول تجميع الناس من جديد، لتنتشلهم من هذا الوحل الهابط إلى قمة هذا الدين السامقة.
تَحَابٌّ في الله مُطلق وبغضٌ في الله واضح: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) الممتحنة (4).
وفي الحديث الصحيح: (أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله، والحُبُّ في الله والبغض في الله).
وعقيدة الولاء والبراء تعني نصرة المسلم في أي مكان، والوقوفَ معه في أي أرض إن عرفنا أنه على الحق.
إن الآيات التي تتكلم عن الولاء والبراء ومحبـة المؤمنين ومعاداة الكافرين أكثر من الآيات التي تتكلم عن أركان الإسلام الخمسة، فعقيدة الولاء والبراء هي أول مقتضيات (لا إله إلا الله)، ومن مستلزماتها التي لا تنفك عنها، وإذا استقرت في القلوب فلا بد أن تتحول إلى أفعال وحركات، ومن ثمارها عقيدة الولاء والبـراء.
وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قـال: مـن بنى بأرض المشركين فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبّه بهم حتى يموت وهو كذلك، حُشِرَ معهم يوم القيامة.
ولذا فإن توحيد الله عز وجل والإيمان بعقيدة الولاء والبراء تقتضي أن تدخل في حزب الله وتناصر أولياءه، وتحب أن تعيش معهم وتدافع عن ديارهم، وتجاهد في سبيل الله لحماية أعراض المسلمين ودمائهم وأموالهم.