زرتُ مدينتي
د.عثمان قدري مكانسي
دخلت إليها من بين القرى والدساكر بعد ثلث قرن من الغربة القسرية التي فرضها نظام القهر الذي حكم سورية المصابرة خمسين سنة قهراً وإرهاباً .
لم أستطع قيادة سيارتي على الطريق العام تحسباً لقذيفة مدفع قد تصطادني أو طائرة حوّامةٍ تطاردني أو قنّاص يضع طلقته في صدري أو في رأسي ..
أكثر الطريق حُفرٌ عميقة أو خفيفة ، قد استهدفها مَن مهّدها قبل سنوات لأن ساكني هذه المناطق قالوا للظالم : لا نريدك ، فارحل .
تمشي السيارة رويداً تتحاشاها قدر الإمكان ، ولكنّها تسقط في كثير منها ، فقد كان هنا طريق يوماً من الأيام.
اعتاد الناس في بلدي المنكوب بحاكمه الوحشِ أن تفجأه قذيفة مدفع تهدم البيوت على أهلها ، أو برميلُ متفجرات يُسوّي البناء بالأرض فيطحن عظام المواطنين ويخلطه بدمائهم ولحومهم، أو طائرة تلقي حممها عشوائياً على الآمنين الذين دفعوا ثمن كل هذا السلاح من دمائهم وجهدهم ليتقبّلوه بصدورهم
وقعت قذيفة مدفع قرب مجموعة من الناس في رابعة النهار وفي سوق المدينة فدمّرت شقة في بناء وأحرقت ما فيه ، ووصلت عشرات الشظايا إلينا ، ورأينا رحمة الله تعالى تسوقها بين ارجلنا ومن فوقنا ،وحولنا ، أسرعت إلى إحداها ، أحرقت أصابعي ، فعمدت إلى منديل أحملها به ، بطول الإصبع وعرضه لو دخلت جسم أحدنا قتلتْه ، هذه مهمة الأحذية البالية التي نسميها ( حكامنا) الذين يفديهم الغوغاء بأرواحهم ، وهم يفدون أسيادهم - الذين بوّؤوهم صدورنا - يفدونهم بقتل شعوبهم وإذلالهم.
لكنّ الجميل في أبناء مدينتي أن الناس بدأوا فوراً بإعادة بناء ما تهدّم من الشقّة قدر الإمكان .
ما يجري في مصر وسورية برهان على ذلك ، وترى بقيّة (الجوقة) في بلاد العرب كلها " طبعات متشابهة لدمىً متعفنة وأحذية بالية سوف يخلعها سيدها حين تنتهي صلاحيتُها .
في رمضان حامت الطائرات حول المساجد تدكّها فوق المصلين ، فالمساجد صيد ثمين بمن فيها ،،، كنت قلت لهم صلوا في بيوتكم لكنّ بعضهم يأبى ذلك ، ويتسحّر المسلمون في العتمة لأن الطائرات تتعمّد إسقاط حمولتها فوق البيوت ذات الأنوار الخافتة ، فالكهرباء غابت منذ أكثر من سنتين ، والناس يعيشون كما يعيش أهل القرون الوسطى لا ماء ولا كهرباء ، هذا مايريده نظام الأسد المتوحش الذي يؤيده الشرق والغرب والرويبضات من العرب البائدة!!
في كل حي من مدينتي وبلدتي وقريتي وريفي شهداء وأرامل وأيتام ، وفقراء ودراويش ومساكين يتحملون الظلم العالميّ والظلم ( الأخويّ) وسوف يصلون إلى هدفهم في الحرّيّة ، شاء من شاء وأبى من أبى ، فشعبي يعشق الحرية ويعمل لها ، ويقاتل لأجلها
ومن أراد لنا غير ذلك فسوف تتجاوزه الجموع وتدوسه بأقدامها ، لقد بدأ الشعب يعيى مصلحته ويعمل لها، وقد علّمهم الله تعالى القاعدة الذهبية ( إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم) وليس مِن عودة عن هذا الطريق ولا نكوص ، ورحم الله الشابّي إذ يقول :
إذا الشعب يوماً أراد الحياةَ **** فلا بد أن يستجيب القدر.