الثورة السورية ... والانفصام عن الواقع
د.مصطفى الحاج حامد
حملت الثورة السورية معها كثيراً من المصطلحات والصفات التي أمتازت بها عن غيرها من أخواتها من ثورات الربيع العربي الذي تحول في الأونة الأخيرة الى خريفاً في بعضها قبل أن تزهر أشجاره وتثمر.قيل عن الثورة السورية أنها الفاضحة وقيل عنها اليتيمة وقيل عنها ثورة الصراعات الدولية والاقليمية والمذهبية...وغيرها .
الأنفصام عن الواقع ،والبعد عن الحقيقة،والعيش في الخيال والأحلام ...مصطلحات وتعابير هي الأخرى طالما أستخدمت و استعملت كثيراً ، منذ بداية الثورة درج استخدامها في مواقع عديدة .بعد كل خطاب وظهور لطاغية دمشق تنهال الوصفات عنه بأنه منفصم عن الواقع و مغيب عن الحقيقة.
وكلما زار أحدً الداخل أو التقي بثوار أحد الكتائب ، أو دار حوار ونقاش حول الكتائب المسلحة أوالمعارضة السياسية من المجلس الوطني أو الأئتلاف ، تجد أن هذه الوصفة و الوصمة هي أيضاً الأكثر استخداماً وتداولاً وتبادلاً بين السياسيين والمسلحين وخاصة الاسالاميين منهم ، المقصود والمتهم هو هنا ليس بشار رأس النظام بل هم المعارضة الخارجية كما يحلو للبعض تسميتهم من مجلس الوطني أو الائتلاف أو الكتائب الاسلامية المسلحة من الدولة والنصرة والأحرار.الغفلة والغيبوبة هما الاصطلاح الاسلامي البديل للانفصام المستخدم من قبل البعض ، وهذا ما رأيناه أيضاً في رسائل الاستقالات والانسحابات في الأيام الأخيرة.
فهل هناك من هو منفصم عن الواقع فعلاً؟
أم أن هذا الاصطلاح شماعة يستخدمه من يريد الهروب من الحقيقة و تعليق فشله عليها؟
تعريف الانفصام:هو مرض مزمن يصيب عدداً من وظائف العقل ،وهو مجموعة من الاستجابات الذهنية تتميز بأضطراب أساسي دماغي، الفصام هو مرض في العلاقات الواقعية وتكوين المفهوم،وأضطرابات وجدانية وسلوكية وعقلية بدرجات متفاوتة، كما تتميز بميل قوي للبعد عن الواقع،والأضطرابات في مجرى التفكير والسلوك الأرتداي وميل إلى التهور إجتماعياَ أو وظيفياَ ،حيث يفقد المريض القدرة على التفكير بشكل واضح ومنطقي ومترابط.
قيل عن بشار أنه منفصم عن الواقع ومغيب عن الحقيقة وبعيداَ عن الأحدث ،كما قيل عنه أيام حكمه أنه لا يصله ما يحدث بالبلاد من تجاوزات وفساد وسرقات.
قديما كانت المخابرات تنشر هذه الشائعات لتضفي عليه صفة البراءة والنزاهة، وحديثا أيضاَ لتبرئته وأبعاده من تهم وتحمل مسؤولية هذه الجرائم والمجازر ، وهذا ما سعى إليه بنفسه عندما حاول أن يبعدها عن المسؤولية في إعطاء قررات التنفيذ بالاعتقال والقتل. بينما الحقيقة هي عكس هاتين الحالتين،فلا كان سابقا مغيباَ عما يحصل من فساد بل هو المشرعن الأساسي له. ولا حالياَ، فهو راعي الأرهاب وهو من يعطي الأوامر بكل هذه الجرائم. قد ينطبق عليه هذا المصطلح -تجاوزاَ- لبعده عن الحق والحقيقة وثوابت التاريخ والعدالة ،واصراره على السير في طريق من سبقة أمثال فرعون وهولاكو وغيرهم، ولكنه طاغية أبن طاغية ولا عجب في هذا.
ما يهمنا هو أن تتهم المعارضة بعضها البعض بهذه الصفات ،وتقطع الأمل بالاصلاح والتواصل والتلاقي على نقاط يتفق عليها الجميع.
على الكتائب وخاصة الإسلامية أن تدرك أن هناك مؤامرة دولية للنيل منها ،وأنها الهدف الرئيسي المقصود،قصر الوقت أم طال، وعليها أن تدرك أيضاَ أن ليس كل من عمل ويعمل بأورقة السياسة وينضوي تحت رايات أخرى قد فقد البوصلة وأضل الطريق ، وأنه في غيبوبة أو غفلة وضلالة ، ومنفصما عن المفاهيم والمعتقدات والمصطلحات الأسلامية. قد لا تتفق معه بالطريقة ولكن عليها أن تدرك أن الهدف واحد. وهو محاربة الظلم وإقامة دولة الحق والحرية والعدالة .المفاهيم المستخدمة والمصطلحات المتداولة قد تحمل نفس المعنى لدى الطرفين أو قريبا مما يقصده الأثنان ، لكن عدم التواصل والتحاور يجعل كل طرف يرى الآخر أنه مغيباً و بعيداَ عن فهم الواقع . آلاعيب السياسة ومؤمرات الغرب يدركها الجميع ،ولكن فهم الواقع والتعامل مع الوقائع والقوى العاملة وميزان القوى هو أيضاَ من متطلبات العمل السياسي والعسكري والثوري.
وعلى الساسيين أيضاَ أن لا تأخذهم النشوة والعزة بأنهم هم الوحيدون من يفهم السياسة ويعرف آلاعيبها وأن من يقاتل هو بعيد عن فهم هذه المعادلات الدولية والمصالح الاقليمية.
لم تعد السياسة حصراَ وحكراَ على طبقة خاصة في ظل التواصل الاجتماعي وسهولة الحصول على المعلومة .
على السياسيين أيضاَ تغيير بعض مفاهيمهم المغلوطة بحق هذه الجماعات الأسلامية متأثيرين بدعايات الغرب ومايراد استهدافه.
ما نحتاجه هو الأبتعاد عن إستخدام هذه المصطلحات لتبرير العجز الذي نعاني منه، أو الهروب من المهام التي يجب على الجميع القيام بها.
فلا بشار منفصم عن الواقع وهو يتلقى تعليمات وتوجيهات من الغرب والشرق ويعرف ما يدور حوله بكل حذافيره.
ولا السياسيين مغفلين وفي غيبوبة عما يحاك حولهم من مؤمرات ومطبات،ولا المقاتيلين بالداخل بعيدين أيضاَ عن مفاهيم السياسة ودهاليزها.
على المعارضة بشقيها السياسي والعسكري أن تتحلى بالحكمة والحنكة و أن تدرك أنها بحاجة لبعضها البعض ،وأن الثورة بحاجة لتكامل هذه الأدوار لا تعارضها.
وأن الثور الأبيض عندما يؤكل لن يفيد الندم البقية.