لا نسمح بالتطاول على المندائيين
كاظم فنجان الحمامي
المندائيون: وهم أهلنا وشعبنا الجنوبي الودود, الذين حملوا الأصالة, وحملوا معهم أسرار حضارتنا القديمة الضاربة في عمق التاريخ, هم عروق العراق وأديمه الممزوج بالطين والماء, وهم لسانه الموحد الناطق باسم الله الواحد الأحد الفرد الصمد, ساروا على نهج أنبياء الله عليهم السلام: وآمنوا بسيدنا آدم, وسيدنا شيت, وإدريس, ونوح, وابنه سام, ويحيى بن زكريا, حملوا تعاليم التوحيد الإبراهيمي, رسموا طقوسهم بقطرات المطر المنهمر على وجه المسطحات المائية المقدسة, طبعوها على أوراق فردوس الأهوار, وبين شرايينها وجداولها العذبة المتدفقة بالعطاء. .
المندائيون: هم الصابئة الذين اشتقوا اسمهم من الجذر المندائي (صبا), وتعني: اصطبغ, أي غط وغطس في الماء, فطهر روحه وجسده بالماء والنور والبَرَد, تتعالى في عباداتهم أسماء الله الحسنى بترنيمات جميلة تبعث الأمل في النفوس المؤمنة بالخالق الأوحد, فهو عندهم: الحي العظيم السميع البصير القدير العزيز الحكيم الأزلي القديم. .
حافظ المندائيون على ارثنا وكنوزنا وثرواتنا, وأتقنوا فنون الصياغة الذهبية المعقدة, فتفوقوا فيها على أمهر صاغة الشعوب والأمم, واعترف العالم كله بمهارتهم التي تركت بصماتها الفريدة على كنوز النمرود حتى يومنا هذا. .
ظلت لغتهم الفصحى تحمل دائماً صفات وخصائص اللهجة العراقية الدارجة, بينما ارتبطت تراتيلهم المندائية بالطقوس والعبادات والمناسبات. .
لا يعرفون الحقد, ولا يحملون الضغينة المذهبية ضد الآخر, ولم يكن لهم أي دور تآمري على الناس, ولم يتورطوا بخيانة العراق وأهله, وليس فيهم خائن أو مجرم أو ظالم أو مستبد, مسالمون متسامحون ودودون طيبون قانعون بأرزاقهم, بسطاء كبساطة أرض الجنوب, مرهفون واضحون كنقاوة مياه دجلة والفرات. .
تحملوا أبشع ضروب الاضطهاد والتفرقة العنصرية, وسحقهم الطغاة عبر التاريخ الدموي الطويل, الذي دمر مهد الحضارات وأطاح بصروحه العملاقة, فالتصقوا بالأرض وعروقها, وتمسكوا بتربة وطنهم العراق, الذي ارتبط اسمه ورسمه بنصوصهم الدينية. .
ظهر منهم العلماء الأعلام في العلوم والفنون والآداب, ووقف في طليعتهم عالم الفيزياء والرياضيات الأستاذ الدكتور عبد الجبار عبد الله, وعالم الفلك الأستاذ الدكتور عبد العظيم السبتي, وتغنى بروائعهم الملحمية الشعب العراقي كله, فكان الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد لسانهم الناطق بالبلاغة, وصوتهم المجلجل بأصدق القصائد الوطنية, وكان أداء لميعة عباس عمارة هو الهمس الدافئ المنساب كأشرعة النسيم بين بحور الشعر الفصيح وشواطئ الشعر الشعبي, وكانت لوحات الفنان الكبير عجيل مزهر تضاهي لوحات المدرسة الانطباعية في الرسم التشكيلي, وربما يطول بنا الحديث إذا تحدثنا بإسهاب عن انجازات علماء الصابئة في تاريخنا الزاخر بالانجازات العظيمة, نذكر منهم عالم الرياضيات إبراهيم بن سنان, وعالم الهندسة أبو إسحاق إبراهيم بن هلال, وعالم الفلك ثابت بن قرة, وعالم الفلك والتنجيم أبو عبد الله محمد بن جابر بن سنان الصابئي, لكننا نختصر الحديث فنقول: لقد سجل المندائيون تفوقا كبيرا في علوم التنجيم والبروج والأفلاك, وكان لهم الدور الأكبر في تطوير المدارس الفلكية, فاجتهدوا في هذا المضمار ولهم الفضل كله في إرساء الدعائم الحقيقية لدراسة آثار العصر البابلي والكلداني, وكانوا من أشهر أساتذة علم الفلك. .
فهل من العدل والإنصاف أن تتحامل عليهم القناة الفضائية الرسمية (العراقية) بمسلسلها التلفزيوني الرمضاني الفاشل, الذي يتحدث عن (حفيظ), وهو موقع أثري غامض. كنا نتصور أن المسلسل سيخلد (اليشن) القديمة المتروكة في أهوار جنوب العراق, باعتبارها تمثل المقابر السومرية التي ظهرت قممها فوق الماء, كإيشان حفيظ, وإيشان شعيب في هور (إصليِّن), وإيشان الوركاء, وإيشان حميمات, وغيرها كثير, لكننا فوجئنا بسيناريو باهت, يستهدف الصابئة, ويسيء إليهم, ويستصغر شأنهم, ويستخف بهم, ويشوه صورتهم من دون سبب, ما أدى إلى إزعاجنا, وتسبب بإثارة أبناء الطائفية المندائية في العراق وخارجه. .
ختاما نقول: لن نسمح بتكرار مثل هذا التطاول السافر على أي شريحة من الشرائح البشرية, فالمبادئ الإنسانية التي حملناها وآمنا بها, وتربينا عليها, وتغذينا من تعاليمها السمحاء تمنعنا من قبول مثل هذا التهريج التلفزيوني الغبي, وتمنعنا من مشاهدة هذا الإسفاف الفارغ, وتفرض علينا احترام الناس, فما بالك إذا كان هؤلاء الناس هم من أصل المجتمع المسالم الذي ننتمي إليه وينتمي إلينا ؟؟؟؟؟؟؟؟...