إشراقة رمضانية 1-5
إشراقة رمضانية
د. فوّاز القاسم / سوريا
( 1 ) : أخلاق القادة
قال تعالى مخاطباً نبيّه الكريم : (( وإنك لعلى خلق عظيم )).
يطول بنا المقام لو رحنا نستقصي كامل أخلاقه وصفاته وشمائله صلى الله عليه وسلم ، فقد أُلفت فيها الكتب والمجلدات .
ويكفي أن نذكّر في هذا المقام بحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، عندما سئلت عن خلقه صلى الله عليه وسلم فقالت : كان خلقه القرآن …
وأنتم تعلمون ما هي أخلاق القرآن ...
ولما كان الخلق الفاضل ، والسلوك النبيل ، لا يُؤَسس في المجتمع بالتعاليم المرسلة أو الأوامر والنواهي فحسب ، بل لا بد لها من القدوة الحسنة ، لأن التربية لا تصلح الا إذا اعتمدت على الأسوة الحسنة . والرجل السئّ يستحيل أن يترك في نفوس من حوله أثراً طيباً . إنما يتوقع الأثر الطيب ممن تمتد العيون إلى شخصه ، فيروعها أدبُه ، ويسبيها نبلُه ، وتقتبس - بالإعجاب المحض - من خلاله ، وتمشي - بالمحبة الخالصة - في آثاره .
ولا بد لكي يحصل التابع على قدر كبير من الفضل ، أن يكون في متبوعه قدر أكبر وقسط أجل .
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه ، مثلاً أعلى للخلق الفاضل الذي يدعو إليه ..
ولقد كان يغرس بين أصحابه هذا الخلق السامي بسيرته العاطرة ، قبل أن يغرسه بما يقول من حكم ومواعظ ...
فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً . وكان يقول : (( خياركم أحاسنُكم أخلاقاً ))البخاري .
وعن أنس رضي الله عنه قال : خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، والله ما قال لي أفٍّ قط ، ولا قال لشيء : لم فعلت كذا ؟ وهلا فعلت كذا .!؟
وعنه رضي الله عنه : إن كانت الأمة ( الخادمة ) لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتنطلق به حيث شاءت .!
وكان اذا استقبله الرجل فصافحه ، لا ينـزع يده من يده ، حتى يكون الرجل هو الذي ينـزع يده .
ولا يصرف وجهه عن وجهه ، حتى يكون الرجل هو الذي يصرفه . ولم يُر مقدماً ركبتيه بين يدي جليس له . الترمذي
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ما خُيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين الا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً . فان كان إثماً كان أبعد الناس عنه . وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شئ قط ، إلا أن تنتهك حرمات الله فينتقم ، وما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط بيده ولا امرأة ولا خادماً ، إلا أن يجاهد في سبيل الله تعالى . رواه مسلم .
وعنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( إن الله رفيق يحب الرفق ، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف ، وما لا يعطي على سواه )). مسلم .
وعن عبد الله بن الحارث ، قال : ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم . الترمذي .
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أحسن الناس ، وأجود الناس ، وأشجع الناس .
وكان سمحاً لا يبخل بشيء أبداً ، شجاعاً لا ينكص عن حق أبداً ، عدلاً لا يجور في حكم أبداً ، صدوقاً أميناً قبل البعثة وبعدها..
ولقد وصفته خديجة رضي الله عنها فقالت :
إنك لتحمل الكلَّ ، وتُكسب المعدوم ، وتُعين على نوائب الحق …
وكان صلى الله عليه وسلم دائم البشر ، سهل الطبع ، لين الجانب . ليس بفظ ولا غليظ ، ولا صخّاب ، ولا فحّاش ، ولا عتّاب ، ولا مدّاح …
من جالسه أو قاربه لحاجة صابره ، حتى يكون هو المنصرف عنه.
ومن سأله حاجة لم يرده الا بها ، أو بميسور من القول …
قد وسع الناس خلقُه ، فصار لهم أباً ، وصاروا عنده في الحق سواء.
وكان صلى الله عليه وسلم يمازح أصحابه ، ويخالطهم ، ويجاريهم ، ويداعب صبيانهم ، ويجلسهم في حجره.
قالت عائشة رضي الله عنها : ما كان أحد أحسن خلقاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما دعاه أحد من أصحابه ولا من أهل بيته إلا قال : لبيك …
وقال أنس رضي الله عنه : ما التقم أحد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ناجاه فينحي رأسه ، حتى يكون الرجل هو الذي ينحي رأسه ، وما أخذ أحد بيده فيرسلها حتى يرسلها الآخر ، وكان يبدأ من لقيه بالسلام ، ويبدأ أصحابه بالمصافحة .
لم يُرَ قط مادّاً رجليه بين أصحابه ، فيضيق بهما على أحد .
وكان يكرم من يدخل عليه ، وربما بسط له ثوبه ، ويؤثره بالوسادة التي تحته ، ويعزم عليه بالجلوس عليها إن أبى …
وكان يكنّي أصحابه ، ويدعوهم بأحب أسمائهم تكرمة لهم .
ولا يقطع على أحد حديثه حتى يتجوز فيقطعه بانتهاء أو قيام .
وبذلك فعلاً يكون خلقه صلى الله عليه وآله وسلم ( القرآن ).
ألا ، فما أحرى قادة الأمة اليوم ، وأخصّ قادة الحركات الإسلامية ، الذين يدّعون بأنهم يسيرون على خطى الرسول القائد صلى الله عليه وسلّم ، أن يتخلّقوا بأخلاقه ، وينسجوا على منواله ، ويسيروا على نهجه ...!!!
إشراقة رمضانية ( 2 ) : قدوة القيادة
قال تعالى في سورة التوبة : (( قل إن كان آباؤكم ، وأبناؤكم ، وإخوانكم ، وأزواجُكم ، وعشيرتُكم ، وأموالٌ اقترفتموها ، وتجارةٌ تخشون كسادها ، ومساكـنُ ترضونـها ،أحبَّ إليكم مـن الله ورسوله ، وجهادٍ في سبيله ، فتربصـوا حتى يأتي الله بأمـره ، والله لا يهـدي القوم الفاسقين )). التوبة (24 ) .
إن أي مسلم في العالم ، يستطيع أن يدّعي أن الله ورسوله ، أحب إليه من الأب والابن والإخوان والزوجات والأموال والعشيرة وغيرها من المعاني الواردة في الآية الكريمة ، وقد يكون فعلاً صادقاً في دعواه ...
ولكن كم قائد أو داعية اليوم ، يستطيع أن يثبت فعلاً ، أن حبه لدعوته ، وتضحيته من أجلها ، وجهاده لنصرتها ، أعمق في نفسه من كل تلك المعاني الواردة في الآية الكريمة ..!؟
إن الواقع المشاهد والملموس يقول : بأن مثل هذا القائد أو الداعية
( غائب ) و (غير موجود) …
ولقد كان لهذا الغياب في سوريا مثلاً … نتائجه المأساوية الخطيرة ، حيث تفتقر أعظم ثورة في تاريخ سورية الحديث إلى قيادة يسمونها ( كاريزمية ) وأنا أقول : قيادة ربّانية راشدة ، توحّد الجهود ، وترصّ الصفوف ، وتقود الجماهير إلى شواطيء النصر والتحرير ...
وفي الوقت الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قائد الدعاة ، وقدوة القادة ، يقـود جنوده في المرحلة المكيّة والمدنيّة من (غرفة عمليات) داخل مكة والمدينة ، حيث كان حاضراً بينهم ، ملتصقاً بهم ، ومتابعاً لكل حركة من حركاتهم ، وكل سكنة من سكناتهم ، متحسساً لهمومهم وآلامهم ، مجيباً على كل تساؤل من تساؤلاتهم ، راصداً لكل تصرف من تصرفاتهم .
فإن الثورة السورية العظيمة تُقاد من ( غرف عمليات ) على شواطيء البوسفور .!
إشراقة رمضانية ( 3 ) : غياب القائد الجماهيري
إن أخطر مشكلة تمر بها أغلب الحركات الاسلامية في العالم العربي والإسلامي ، هي مشكلة (غياب القائد) عن ساحة الحدث .!
فالقائد الربّاني الراشد ( وقد يسمى اليوم الكاريزمي ) الذي تحبه القواعد الاسلامية ، وتحترمه ، وتثق به ، وتلتزم بأمره ، فيوظف طاقاتها ضمن خطة حكيمة ، لتحقيق أهداف الحركة ، وبالتالي أهداف الإسلام ، هذا القائد غير موجود .!
وليس هذا فحسب ، بل لا توجد آلية تنظيمية أيضاً لإيجاده .!
فمثلاً في سوريا هنالك نماذج متعددة رأيتها ، منها ما يمتلك الكثير من التقى والفقه والإخلاص ، لكنه لا يمتلك (حركية) و (حضور) و (إبداع) القائد ..!
ومنها ما يمتلك العبقرية السياسية ، لكنه يفتقر الى (إخلاص ) و (تقى) و ( ورع ) القائد ...
ومنها ما يمتلك الكثير من الشجاعة و الثوروية والطموح والتضحية ، ولكنه يفتقر تماماً الى (حكمة) القائد و( تخطيطه) و (اتزانه) .!!
ولو اجتمعت هذه الصفات الإيجابية كلها في شخص واحد ، لكان أقرب ما يكون الى القائد المنشود . ولكنها لم تجتمع ..!
وأعتقد أن لذلك أسباباً كثيرة ، لعل من أهمها و أخطرها هي :
رصد الدوائر الصهيونية والصليبية والمجوسية المعادية للإسلام ، المستمر لهذه القضية ، والعمل المستميت بكل الوسائل المتاحة لعدم ظهور هذا القائد الى حيز الوجود .
وإن وجد فالعمل على دفنه حياً ، تحت ركام اللغط ، والجدل ، والضجيج الإعلامي ، والدعايات المغرضة .. فان لم يتمكنوا من ذلك ، فاللجوء الى تصفيته جسدياً ، كما فعلوا مع كل القادة العباقرة المسلمين عبر التاريخ ، ابتداءً من ( عمر بن الخطاب ) رضي الله عنه ، وانتهاءً ب (حسن البنا) رحمة الله عليه…
إشراقة رمضانية ( 4 ) : إيجابية الدعاة
إن الجاهلية في كل زمان ومكان ، لا تعبأ أبــداً ، ولا تعير أي انتباه ، للمسلمين الأغبياء ، أو القابعين في زوايا التكيات والمساجد ، حتى لـو صاموا الدهر ، وصلوا آلاف الركعات ، ورتّلوا ملايين الأوراد .!
ما داموا لا يتعرضون للحياة ومسارها وقوانينها ، ولا يعنيهم من يكون الحاكم في البلاد ، ومن يكون المحكوم ، أو من يكون الظالم ومن يكون المظلوم .!
بل ان الجاهليات المعاصرة ، انتبهت الى ضرورة تشجيع مثل هذا ( الإسلام ) ، وتكثير عدد هؤلاء (المسلمين ) .!
حتى صارت لهم مدارس ومعاهد وجمعيات وتكيات ومؤسسات.
وهناك الكثير من الجهات التي تنفق على أمثالهم ملايين الدولارات.!
ولقد سبق رسول الله صلى الله عليه وسلّم في الجزيرة العربية ، العشرات من البهاليل ، الذين كانوا يسمونهم ( الأحناف ) ، والذين كان جلّ همهم أن ينشدوا بعض الأشعار المتصوّفة ، ويمضوا في طريقهم ، بدون أن تعير لهم الجاهلية أي اهتمام ...!!!
ولذلك أرجو الانتباه جيداً الى هذا النص الباهر الذي أورده كتّاب السير بشأن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم في مكة المكرّمة .
(لم يبعد منه قومه ولم يردوا عليه ، حتى ذكر آلهتهم وعابها ، فلما فعل ذلك أعظموه ، وناكروه ، وأجمعوا خلافه ، وعداوته ) . هشام ص264 ..
اذاً .. ان التي أغاظت الجاهلية .. هي دعوةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قومَه الى الاسلام ، والى توحيد الله ، وإفراده بالعبادة ، ونبذ الأصنام .
أي : الدعوة الى (لا اله الا الله ، محمد رسول الله ).
لأنهم كانوا يعرفون ماذا تعني هذه الدعوة ، من خلال معرفتهم الجيدة لمدلول لغتهم العربية .!
إنها تعني أول ما تعني : نزع السلطان الذي يمارسه الكهان ومشيخة القبائل والأمراء والحكام ورده الى الله .
السلطان على الضمائر ، والسلطان على الشعائر ، والسلطان على واقع الحياة ، والسلطان في المال ، والسلطان في القضاء ، والسلطان في كل مداخل الحياة ومخارجها …
وفهم العرب لهذه الدعوة ، هو الذي أخافهم منها ، وجعلهم يقفون ضدها ، ويعلنون الحرب عليها …
وهذا المعنى هو عين الذي جاء في رد وفد آل شيبان على الرسول صلى الله عليه وسلم ، يوم عرض عليهم أمر هذه الدعوة ، وطلب منهم الحماية والنصرة لتبليغها ، فاعتذروا عنه بأدب وقالوا : (ان هذا الأمر مما تكرهه الملوك) .!
إشراقة رمضانية ( 5 ) : دبلوماسية الدعاة
إن التدين لا يعني الغباء .!
وإن المبدئية لا تعني الصلافة والوقاحة ، أبداً .!!
بل على العكس تماماً ، فالإسلام يحث أبناءه على الكياسة والفطنة والدبلوماسية. ويأمر أتباعه بالسهولة واليسر ..
وكلما أوغل المسلم في التدين ، كلما ارتقى في سلم الأخلاق والفضائل.
وهذا هو جعفر بن أبى طالب رضوان الله عليه ، وهو في حضرة النجاشي ملك الحبشة ، فانظروه ماذا يفعل ..!؟
إنه ذلك الأعرابي القادم من أعماق الصحراء …
والذي يعترف هو بنفسه انه كان الى الأمس القريب ، يعبد الأصنام ، ويأكل الميتة ، ويأتي الفواحش .!
فما باله اليوم يدوخ الملوك ، ويعلم الامم !!؟
من ذا الذي أعطاه هذه الحجة ، وعلمه هذا المنطق !!؟
إنها العقيدة ، وإنه الاسلام .! ذلك الدين الذي انتشل العرب من مستنقعات الجهل والضعف والتخلّف والتشرذم والغثائيّة .
وارتقى بهم الى آفاق العلم والقوة والتقدّم والوحدة والعزّة والقيادة .
ولن يعود للعرب دورهم في قيادة الأمم ، وترشيد الحياة ، وصنع التاريخ ، ما لم يعودوا هم أولاً للتمسك بهذا الدين ، وتطبيق أحكامه ، والالتزام بنصوصه …
لقد استخدم جعفر رضي الله عنه في حواره ، أسلوباً بارعاً جمع فيه بين المبدأية والمرونة بشكل مدهش.!
فافتتح خطابه أمام الملك بعبارات التودد والتقرب .. ( أيها الملك) .
وعرض قضيتة باختصار غير مخل ، فتكلم عن النقلة الهائلة التي نقلهم إليها الاسلام .
ثم عرّف بكليات هذا الدين ، وبكلمات معدودات .
وركّز على المعاني التي يعشقها الملك شخصياً من هذا الدين ( فدعانا الى الله لنوحده ، ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات ، وأمرنا أن نعبد الله وحده ، لا نشرك به شيئاً ، وحرمنا ما حرم علينا ، وأحللنا ما أحل لنا ).
ومدح السلطان بما هو أهله ، بلا إسفاف أو شطط .
وأثار فيه معاني الحمية والرجولة والشهامة ، التي هي أصلاً من سجاياه وفطرته ، ففجرها تفجيراً ( أيها الملك . خرجنا الى بلادك ، واخترناك على من سواك ، ورغبنا في جوارك ، ورجونا أن لا نُظلمَ عندك ) .
وانتهز الفرصة ، واستثمر المنبر ، للدعوة والطرق على الحديد الحامي ، وهذا هو دأب الداعية دوماً ، فهو يستثمر كل فرصة متاحة للدعوة الى الاسلام ، والتعريف بهذا الدين …
فهذا يوسف عليه السلام … يستثمر حاجة السجناء إليه لتأويل أحلامهم ، فيطرق على الحديد الحامي ، وينقلهم نقلة هائلة يدير فيها رؤوسهم ، قبل أن يمكّنهم من الجواب الذي ينتظرونه .!
(( يا صاحبي السجن ، أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ؟ ما تعبدون من دونه الا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ، ما أنزل الله بها من سلطان .
إن الحكم الا لله ، أمر ألا تعبدوا إلا إياه ، ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون)) . يوسف (40) .
وهذا محمد صلى الله عليه وسلم ، يكلمه المشركون في الصلح والتفاهم ، فيحلّق بهم في آفاق الاسلام ، وينقلهم الى قمم العقيدة …
(( ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم ، ولا الشرف فيكم ، ولا الملك عليكم ، ولكن الله بعثني اليكم رسولاً ، وأنزل علي كتاباً ، وامرني ان أكون لكم بشيراً ونذيراً ، فبلغتكم رسالات ربي ، ونصحت لكم ، فان تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والاخرة ، وان تردوه علي ، أصبر لأمر الله ، حتى يحكم الله بيني وبينكم )) .
وهذا هو التلميذ النجيب جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ..
يعزف على نفس الأوتار ، ويحلّق في ذات الآفاق …
إنه داعية يبحث عن قاعدة آمنة لدعوته ، قبل أن يكون مجرد هارب فارّ بلحمه و دمه ….
وأية داعية في الوجود ، ذاك الذي يُبكي الملوك حتى تخضل لحاهم ، والأساقفة حتى يبللوا مصاحفهم .!؟
ويسكر الناس لا بخمر هبُل ، ولكن بقرآن الله عز وجل .!؟
ولقد أثمرت هذه الدعوة المباركة أعظم الثمار ، فأسلم النجاشي رحمة الله عليه ، وفتح قلبه وأرضه للمسلمين ، وأسلمت مجموعة كبيرة من أساقفته ، وهم الذين قدم بهم جعفر رضي الله عنه فيما بعد الى مكة ، فقابلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدّقوه ، فأنزل الله فيهم قرآناً يتلى الى يوم القيامة :
(( الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ، وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به ، إنه الحق من ربنا ، إنا كنا من قبله مسلمين ، أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ، ويدرؤون بالحسنة السيئة ، ومما رزقناهم ينفقون ، وإذا سمعـوا اللغوا أعرضـوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكـم أعمالكم سـلام عليكـم لا نبتغـي الجاهلين )) (القصص(54) .بوطي ص 130 .رواه ابن اسحق ومقاتل ، والطبراني عن سعيد بن جبير …
ألا ، فليتعلّم الدعاة ، والقادة ، وأصحاب المباديء ...!!!