شيء عن النوازع التقسيمية ..
عقاب يحيى
بقدر ما تبدو ظواهر انبعاث كل الخزين السوري.. بما في ذلك الإثنيات والأديان، والمذاهب، والعشائر، والجهوية، والحاراتية، والزواريبية، والعائلية، والذاتية، والمنفخية، والرغوية، والانتهازية، والإدعائية، والنهبية، والتطرف بألوانه المختلفة : من اقصى اليمين إلى أطراف الشمال... طبيعية.. او مفهومة في وضع الثورة، ودخول ما هبّ ودبّ فيها وعليها.. بقدر ما يحمل بعضها مخاطر جدّية على مستقبل الكيان والوطن، والوحدة المجتمعية ..
ـ لقد كان التعايش سمة بلادنا على مرّ القرون.. بما أعطاها ذلك التنوع الغني، الحضاري، ووسم سيرورتها تمسكاً بالوحدة الوطنية والترابية لسورية.. بعد أن مزقت سايكس بيكو بلاد الشام لأربعة دول..وفاخرنا كثيراً باختلاف التركيبة عن لبنان، والبعد عن قوننة المذهبية، أو العمل بوحيها.. حتى إذا ما تغولت، هي وبنات عمها..وقف البعض مبهوتاً...
ـ لنقل بصراحة أن مشروع النهوض العروبي الذي انتكس في هزيمة حزيران على يد حملته، ثم نُحر بعدها من خلال خونته.. لم ينجح في بناء الدولة المدنية الممؤسسة. دولة المواطنية والمساواة والعدل.. وجاء نظام الطاغية بارتكازاته الطائفية الواضحة فجوراً على المألوف الظاهر على السطح، وإمعاناً في بناء الاستثناء والارتكاز عليه بكريقة تعهّر كل المبادئ والشعارات المرفوعة، وتثقبها بممارسات فجّة يعرفها القاصي والداني، ويهمس بها في مجالسه الخاصة خوفاً من البوح العلني المُكلف..فانتعشت الطائفية واقعاً يكبر تحت غيمات الشعارات الضيفية العابرة..في عملية تزوير كبرى، ومنظمة ..تخل بالتوازن المجتمعي، وتنمي روابط ماقبل الوطنية والدولة.. بينما المطروح علنياً عكس ذلك في ازدواجية تركت آثارها على تركيبة الأجيال ونفسيتها وثقافتها ووعيها، وداخلها.. وكأن الشخص الواحد يعيش شخوصاً .
ـ الطائفية المختلفة عن وجود الطوائف تاريخياً، بكل تمايزاتها، وتبايناتها، وحتى إرثها الاحترابي، والتعايشي.. مختلفة تماماًُ عن ذلك الفعل المنهج لتركيز السلطة، وأجهزة الأمن، وقيادات الجيش، ومفاصل الدولة بيد مجموعات أقلوية.. صارت مكاسبها، ومصالحها، والحفاظ عليهما ديدنها .
ـ الحالة الكردية التي ورثناها نتيجة المواقف الدولية من" المسألة الكردية" وتوزع الشعب الكردي في دول عديدة.. لم تطرح يوماً بمنحى استقلالي، وكياني.. وإنما كحقوق واجبة عرفت العسف وعدم الاعتراف. في حين أن معظم الأكراد كانوا ـ وعلى مسافة التاريخ ـ جزءاً مندمجاً من الشعب السوري، خصوصاً في المدن الكبرى .لكن، ومع دخول الكيانية الكردية مرحلة التجسيد في العراق.. في ظل وضع استثنائي فرضه العدوان على العراق، ثم تدمير الدولة العراقية، وتكريس نظام المحاصصات القومية والمذهبية.. نشطت الاتجاهات القومية الكردية السورية بما يتجاوز معهودها، وباتت أطروحات وخرائط كردستان الغربية تعرف جشعاً في النمو والامتداد.. بينما تسري في الممارسات تواطؤات مختلفة الجهات لوضع الحالة الكردية السورية في موقع متعارض لأهداف الثورة السورية، وحرصها على الوحدة المجتمعية، والجغرافية . وبتشجيع واضح من نظام الطغمة، ومن جهات دولية مختلفة..وباستغلال أوضاع الثورة الصعبة، واهتمامها الرئيس بمواجة آلة الموت والإفناء.. أخذت بعض القوى الكردية تهيّء الشروط المادية لنوع من استقلال اقرب للانفصال.. تمهيداً لإعلان كيان ما.. في لحظة ما.. وربطه بالكيان الكردي في العراق ..وهو ما يحدث من اشهر، وما يفصح عن نفسه في الأيام الأخيرة .
ـ لقد دفعت الطغمة بالاحتراب الطائفي، والإثني حتى المديات الخطيرة، ونجحت الثورة في تجنب الانزلاق.. رغم وجود بعض الممارسات المنفلتة عن نهجها وثايتها، وطغيان فعل قوى متشددة ركبت عليها قسراً..
ـ يمكن للقوى الطائفية والتقسيمية أن تخطو خطوات ما باتجاه الانفصال وتشكيل كيانات لها.. لكن تاريخ البلد، وإرادة شعبه، وانتصار الثورة تقف بالمرصاد لكل محاولة للتفتيت، والانقسام..