غرباء يحلبون حلب

كاظم فنجان الحمامي

غرباء يحلبون حلب

كاظم فنجان الحمامي

[email protected]

كم كان الأديب العربي الكبير نجيب محفوظ  نجيباً وصائباً عندما قال: ((أتحدى إسرائيل أن تفعل بنا مثلما فعلنا بأنفسنا)). . لأننا ارتكبنا ضد أنفسنا ما لم يرتكبه ضدنا هولاكو ولا جنكيزخان ولا التتار ولا المغول ولا كل الطغاة والبغاة والغزاة. .

دعونا نبتعد قليلا عن ميولنا السياسية المنحازة إلى هذا الطرف أو ذاك, ونتجرد من توجهاتنا الجهادية المشفرة دينيا وطائفيا, ونتجول بعقول محايدة في ريف حلب وبين أزقتها العتيقة, لنستطلع عن كثب ما آلت إليه أحوالها المزرية, بعد مضي أكثر من عامين على متواليات المعارك الدموية, التي حولت الشام ومدنها وضواحيها إلى أنقاض وخرائب ومقابر, وحولت حلب إلى مخابئ وأوكار وثكنات قتالية لمن هب ودب, لكننا قلما نجد بينهم من يحمل الهوية السورية, ومن الصعب التفاهم معهم باللهجة الشامية. ربما نجد من يتصنع الحديث بطريقة متلعثمة, لكنه لا يقدر ولن يقدر على ضبط اللهجة الحلبية بإيقاعاتها وتركيبتها الصعبة المعقدة. .

">

لو عدنا قليلا إلى الوراء لسمعنا الفضائيات العربية وهي تنقل لنا بالأمس تفاصيل انتفاضة الشعب السوري, وتصور المحاور القتالية لجيوب المقاومة السورية بأسلحتهم الخفيفة, لكنننا لو رجعنا إلى أرض الواقع لوجدنا الخنادق القتالية معبئة الآن بالأسلحة الميدانية الثقيلة المخصصة لمقاومة الدروع والطائرات, والمخصصة للتصدي للأرتال والمصفحات والمجنزرات, ومعززة بترسانات ومذاخر تعج بصناديق الألغام والقاذفات والهاونات والعبوات الناسفة, وما إلى ذلك من مواد شديدة الانفجار, أما العناصر المسلحة المشتركة الآن في المعارك والمواجهات اليومية فلا علاقة لها بالشعب السوري, لا من بعيد ولا من قريب, مقاتلون من تونس وليبيا والعراق ولبنان والسودان والشيشان والباكستان وداغستان ومن المغرب والجزائر والخليج وأفريقيا, جاءوا إلى هنا ليعلنوا الجهاد ضد بعضهم البعض, ويشنوا الغارات الهجومية الليلية ضد بعضهم البعض متجحفلين ومتمترسين داخل المدن السورية وفي أريافها وفوق قمم جبالها وفي وديانها. .

">

فالمعابر والحواجز ونقاط التفتيش يديرها الأغراب, وتسيطر عليها مجاميع وميليشيات من جنسيات غير متجانسة ولا تنتمي للشعب السوري, ومن نافلة القول نذكر أن معبر بستان القصر في حلب الجنوبية والشرقية صار بيد الغرباء, وهم الذين يتحكمون الآن بتحركات الناس في ذهابهم وإيابهم, ومن الصعب التفاهم معهم باللهجة الحلبية أو الشامية. .

تمر حلب في هذا الشهر العظيم بأزمة غذائية حادة, فقد اعتادت الأسواق الحلبية على توريد بضاعتها اليومية من الفواكه والخضار والمنتجات الأخرى من أريافها الغنية بالثروات الزراعية والحيوانية, لكنها تجد صعوبة كبيرة اليوم في تأمين احتياجاتها الغذائية اليومية والطارئة, فسعر كيلو البندورة (الطماطم) في القرى السورية القريبة من حلب (خلف المعبر) أقل من (40) ليرة سورية, لكنه في وسط حلب قد يصل إلى (400) ليرة, وهكذا بات من المتعذر الحصول على الخضار والطحين والخبز والبرغل والشاي والسكر والسمن, ما اضطر بعض الناس لتجشم الصعاب ومواجهة التحديات, فقرروا اجتياز المعابر المسلحة وتخطي الحواجز الخطيرة, لكنهم اصطدموا بالمسلحين التونسيين المكلفين بالتفتيش, فلم يسمحوا لهم بحمل أكثر من كيلو واحد من البندورة, الأمر الذي دفع بعضهم لتهريب الخضار بأجهزة التلفاز, وتهريب الخبز بوسائد النوم (المخدة). .

">

بالله عليكم من فيكم كان يتصور ان الحلبيين الذين كانت موائدهم عامرة في شهر رمضان بما لذ وطاب من الفطائر والمعجنات والمقبلات والمشويات والعصائر والمثلجات, صار إفطارهم يقتصر على الخبز اليابس والماء, يتناولونه في الظلام الدامس أو على أضواء الشموع والفوانيس الخافتة ؟. .

والله يستر من الجايات