إنّها أخت الرجال وصانعة الأمجاد

محمد علي شاهين

[email protected]

قبل أن يكتشف الشعب السوري الحقيقة ساطعة كالشمس، ويثور على مستبديه وسارقي حقوقه ثورته الأخيرة بثلث قرن، تألّقت في سماء سوريّة العزّة والكرامة نساء سوريات بارزات، كان لهنّ شرف المشاركة في الثورة، وحمل مسؤولياتها.

أسر بأكملها أبيدت ظلماً في مدينة حماه، شهيدات قتلن تحت التعذيب، سجينات صابرات كنّ يؤخذن رهائن حتى يسلّم الزوج أو الشقيق نفسه لأمن النظام، لا يثنيهنّ عن حقهنّ في الحياة الكريمة التعذيب والقمع والاضطهاد، مهاجرات من جميع المدن والبلدات السوريّة ربين أبناءهنّ على العزّة والإباء في ديار الاغتراب، وأعددنهم ليكونوا جنداً لمعركة الكرامة.

وتحمّلت الأخت السوريّة المناضلة أعوام المحنة الأولى مجاهدة تقتحم حواجز التفتيش، وتخدم المناضلين بما تملكه من قدرة على الإفلات من الإجراءات الأمنية على الحواجز ونقاط التفتيش، وتنقل المساعدات للأسر المحتاجة.

وحملت هموم الأسرة في غياب الزوج، سواء كان سجيناً أو مطارداً أو مفقوداً، وكانت جريئة في مواجهة عملاء السلطة، محافظة على عفّتها، وشرف زوجها، وكرامة أسرتها.

وانفجر البركان السوري متأخّراً، ولم يفرج النظام المارق عن حرائرنا المعتقلات ولم يكشف عن مصير المفقودات منهن، ولم تقم عصابات الأسد بالكشف عن مصير الأخوات السجينات.

وتقدّمت المرأة السوريّة الصفوف منذ اليوم الأوّل للثورة، وخرجت إلى ساحات التظاهر والاعتصام، تحمل رايات النضال، وتهتف مع الرجال ضد نظام الاستبداد، مظهرة شجاعة نادرة في مواجهة نظام طائفي فاسد.

وصمدت داخل المدن المحاصرة، تحت وابل الرصاص، والقصف العشوائي بالقنابل الفراغيّة والانشطاريّة، والغارات الجويّة والبراميل المتفجّرة، تضمّد الجراح، وتقدّم الإسعافات الأوّليّة، وتواسي المصابين، وتمسح دموع الثكالى والأيتام، وتعدّ الطعام للمجاهدين.

وحملت المرأة السوريّة السلاح، وانخرطت في كتائب الثورة، ودافعت عن شرفها وكرامة بيتها بكل جرأة وشجاعة، ولم يقتصر دورها على الإغاثة أو التظاهر.

وشاركت الطبيبة والممرّضة والمتطوّعة السوريّة في إجراء العمليات الصعبة في المستشفيات الميدانيّة، بأقل الإمكانيات الطبيّة.

واستخدم النظام المجرم ـ وقد ماتت قيم المروءة والرجولة في ضميره ـ الاغتصاب كأداة حرب، لمعاقبة مقاتلي المعارضة، وهي أقسي جريمة يمكن أن ترتكب بحق امرأة حرة.

وأكدت التقارير أن هناك أدلة تشير إلى أن الضحايا المستهدفات هن من أقارب أعضاء في "كتائب المجاهدين"

وأكّدت السيّدة وولف هذه التقارير قائلة: "سمعنا تقارير عن جنود يدخلون منزلا أو قوات من الشبيحة تدخل منزلا وتبحث عن رجل في الأسرة من المفترض ان يكون عضوا في قوات المعارضة ثم يغتصبون (أمامه) المرأة". 

وقالت وولف "استغلال جسد المرأة ثم التخلص منه هو الوحشية الكاملة".

وأمام هذا التحدّي للمرأة المسلمة في زمن أدعياء المقاومة والممانعة، المتباكين على دم الحسين رضي الله عنه وأعلى منزلته، لم تغمض حرائر سوريّة أجفانهن خشية تسلّل الأوغاد إلى مخادعهن، وكنّ يتمنطقن بالمسدسات، ويخفين السكاكين تحت وسائدهن، لتمزيق كل من تسوّل له نفسه الخبيثة تلويث شرف السوريّات.

وصبرت المرأة على استشهاد زوجها فكانت الأم والأب لأبنائها، ونزحت مع أطفالها إلى مخيّمات اللجوء مضطرّة، فعانت الحرمان، وشظف العيش.

وبينما كان العالم يحتفل بيوم المرأة وقد غابت عنه صورة المرأة السوريّة، لفت المجلس الوطني أدعياء حقوق المرأة إلى أنّ المرأة السوريّة تصنع التاريخ وتساهم كشريك كامل في ثورة الكرامة والحريّة، وأنّها لم تبخل بالتضحية، فسقطت ستة آلاف إمرأة سوريّة شهيدة، وفقدت خمسة آلاف أم سوريّة أطفالهن الذين لم تتجاوز أعمارهم العاشرة، فيما تعيش أكثر من ستمئة ألف امرأة مرارة اللجوء خارج الوطن، وأكثر من مليوني إمرأة عذابات النزوح داخل الوطن، وتصارع ملايين السوريّات لمواجهة آثار الحصار والخنق الاقتصادي، إضافة إلى القصف والحمم التي تصبها آلة الموت والدمار الأسدية على رؤوس السوريين نساءً ورجالاً وأطفالا.

ولم يكن الشيخ معاذ الخطيب بعيداً عن الحقيقة عندما وصف المرأة السوريّة بأنّها أعظم نساء الأرض وصانعة الإنسان الذي قهر الحديد والدم.

ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في 13/5/2013 ما وصفته بالقتل خارج نطاق القانون بحقّ المرأة خلال الثورة السورية، حيث بلغت نسبة القتلى من النساء 9% من المجموع الكُلي للقتلى المدنيين.

وبلغ عددهن أكثر من 7500 قتيلة على يد قوات الأسد، بينهن 2500 طفلة، و257 رضيعة دون الثلاث سنوات.

وأشارت الشبكة إلى أن لديها دلائل على أن أكثر من 40 امرأة قتلت برصاص قناص كان على يقين تام بأنه يقتل امرأة، كما تم توثيق مقتل 24 سيدة تحت التعذيب في معتقلات النظام.

وحدثت حوادث القتل - كما يقول التقرير - خلال القصف العشوائي أو المتعمّد ضد المدنيين باستخدام البراميل المتفجرة المُلقاة من الطائرات أو صواريخ سكود أو المدفعية، إلا أن هناك المئات من النساء قُتلن خلال الاقتحامات والمجازر على نحو متعمّد.

وسعت المرأة من خلال نشاطها وكفاحها الطويل والشاق لتجسيد طموح السوريين جميعاً في رسم مستقبل آمن وحر، وإقامة النظام الصالح.

وكان للمرأة السوريّة حضور فاعل في جمعيات الإغاثة، وهيئات العون الطبي، ومؤسّسات المجتمع المدني، والمجلس الوطني السوري، دور مشكور سيبقى أبد الدهر حديث السوريين وموضع تقديرهم.

 تحية تقدير وإكبار للمرأة السوريّة المناضلة وهي تبني بالصبر والعمل والتضحية دولة المستقبل.

إنّها المرأة السوريّة الشجاعة، اخت الرجال، وصانعة التاريخ والأمجاد، موضع فخرنا واعتزازنا.