عرف عمر فتوهج
مستعرب إيطالي يقرأ عن عمر
د. حيدر الغدير
أحبَّ اللغة العربية وآدابها، فترك موطنه في إيطاليا واتجه إلى مصر، لينهل منها ما يروي غليله، وهناك التحق بقسم اللغة العربية في كلية الآداب في جامعة القاهرة وحسناً فعل، فقد كانت في هذا القسم العريق كوكبة ممتازة من الأساتذة الأجلَّاء العظام، منهم أستاذ الأجيال الدكتور شوقي ضيف رحمه الله الذي سمعت منه هذه القصة الجميلة.
بدأ هذا الإيطالي المستعرب يقرأ ويستمع، ونمت ثقافته، وازداد معرفة بالعربية وثقافتها، وبدأ يتصل بأهم مكونات هذه الثقافة وهو الإسلام.
وشاء الله - عز وجل - أن يقع في يده كتاب عن الخليفة العبقري العظيم عمر بن الخطاب - رضى الله عنه -، قرأ الكتاب فوجد شخصية نادرة من أندر شخصيات التاريخ ومن أقدرها، علم وحزم، وذكاء وأدب، وعفة وزهد، وشجاعة وبطولة، وإدارة وإرادة، وعمل دؤوب، ونظر ثاقب، ورؤية عسكرية، وتخطيط اقتصادي، ويقظة في القلب، وتوقد في العقل، وتوهج في الروح، واستشراف للمستقبل، وإحاطة ذكية بظروف المدى الواسع الذي يحكمه، والمدى الذي يجاوره، والمدى الذي يرسل إليه جيوش الفتح المظفرة... وما إلى ذلك.
لو أن إنساناً تألق في واحد من هذه الميادين لعده التاريخ عظيماً، فكيف بعمر الذي تألق فيها جميعاً وفي سواها؟ ترى ألا يمكن أن يقول المرء: إن عمر كان مجموعة من الرجال العظام في رجل، ومجموعة من القدرات والعظمات والعبقريات والإبداعات تلاقت في شخصيته النادرة التي تربّت في مدرسة النبوة الطاهرة؟
المهم أن صاحبنا الإيطالي حين قرأ عن عمر ما قرأ امتلكه الإعجاب وسيطر عليه وبهره، ويبدو أنه كان سوي النفس منصفاً، وأنه جمع إلى ذلك عقلاً ذكياً، ذلك أنه ذهب إلى الدكتور شوقي ضيف ليقول له: إن نبيكم إنسان صادق وأنا أجزم بذلك، فلما قال له الدكتور شوقي ضيف: إن هذا ما يؤمن به كل مسلم، ولكن كيف انتهيت أنت إلى ذلك؟ قال له الإيطالي: إن رجلاً بحجم عمر لا يمكن أن يلقي قياده لرجل كاذب.
لقد اكتملت المعادلة الذكية المنصفة في عقل الرجل الإيطالي ووجدانه فقادته إلى هذا الاستنتاج الرائع والبديهي، والبسيط والعميق، فهتف بهذه العبارة الموفقة الوجيزة المسددة: إن نبيكم إنسان صادق، وأنا أجزم بذلك، لأن رجلاً بحجم عمر لا يمكن أن يلقي قياده لرجل كاذب.
هذه القصة سمعتها من أستاذي وأستاذ الأجيال، الدكتور شوقي ضيف، وليتني سألته عن اسم هذا الإيطالي لأعرف بقية خبره.
إن مما يستفاد من هذه القصة، أن نقدم عظماءنا للآخرين بأسلوب يجمع بين الدقة والأمانة والتشويق، فذلك مما يقودهم إلى الإعجاب بهؤلاء العظماء، وبالتالي إلى الدين الذي ينتمون إليه، وربما قادهم هذا الإعجاب إلى الإسلام.
وعلى ذكر عمر، العبقري، الملهم، الموهوب، أنصح الآباء والأمهات والأساتذة وجميع المشغولين بالقضية التربوية أن يضعوا أمام أبنائهم كتاب "ملحمة عمر" للأديب القدير المرحوم علي أحمد باكثير، فهو عمل أدبي شيق جداً يقدم لقارئه مجموعة من حقائق التاريخ، ويضع أمامه قدوة نادرة، ويثير في نفسه أشرف المشاعر، ويزوده بزاد من المتع العقلية والثقافية والإيمانية والأدبية والنفسية، قل أن يجد لها المثيل.