ممن تؤخذ النصيحة؟!
ممن تؤخذ النصيحة؟!
عابدة العظم
نحن في عصر العلم ولذا تُشترط الشهادة الجامعية كحد أدنى للعمل في الوظائف، ويُتشدد في هذا الأمر لدرجة أن المدارس الابتدائية ترفض توظيف الفتيات الحاصلات على الثانوية العامة للتدريس لديها، وتشترط عليهن "الشهادة الجامعية" ولو كن من المتفوقات. ولأهمية العلم فإن بعض الجامعات الأهلية غير معترف به دولياً (وبعد الدراسة والتعب تكون "شهادتها" كعدمها)!
ونحن في عصر الاختصاصات ولذا انخفضت قيمة "شهادة البكالوريوس" وصارت القيمة "للماجستير" و"الدكتوراه"، وصارت الشركات تشترط على المتقدمين إلى الوظائف "التخصص" بمجال ما، ولا تقبل بالشهادات العامة.
في عصرنا كل شيء يحتاج لتخصص محدد ولشهادة معتبرة، وحتى "الشهادت" ما عادت تنفع فيشترطون معها "الخبرة" لمدة لا تقل عن السنتين. ولا يتمكن المرء اليوم من العمل في أي مجال بل لا يستطيع التكلم في أي موضوع مالم يكن دارساً ومتخرجاً، وضالعاً فيما سيقوله.
وبذلك ضاعت آمال الشباب وصعب عليهم التوظيف، وأهلكتهم البطالة.
حتى الأمومة -تلك المهمة الفطرية- لم تخلُ من هذا الشرط ذات يوم! فنادى بعضهم بوجوب خضوع الفتيات للتأهيل قبل الزواج بمحاضرات ودورات، واقترحوا ألا يسمح للأمهات بمزاولة هذه المهنة إلا بعد الحصول على "شهادة" بذلك، ثم فشل المشروع!
ولكني اكتشفت -مؤخراً- أن بعض "المهن" يُسمح للممارسيها بالمشاركة في أي مجال وفي أي اختصاص بلا شهادة جامعية ولا شهادة خبرة، ويرضون من أي فرد (من ممارسي هذه المهن) أن يفتي في كل موضوع، مثل: الفقه والاقتصاد والسياسة وعلم النفس وفنون التربية والعلاقات الزوجية، ومهارات الاتصال والتعامل مع الناس... ويعتبره الناس متخصصاً في كل هذه الموضوعات فيسألونه باهتمام، ويصبح مستشاراً وناصحاً مؤتمناً لهم.
اكتشفت هذا حين وجدتهم يستقبلون الفنانين والرياضيين والمشهورين ويسألونهم في كل أمر، في السياسة والتغييرات التي تحدث في العالم، عن البيئة والمناخ والتلوث، عن توقعاتهم للأسهم وارتفاع وانخفاض أسعار الذهب، ويسألونهم عن السعادة الزوجية، وعن تربية الأطفال، وأهمه أنهم أصبحوا مفتين فيسألون عن رأيهم في الحجاب والدين وقضايا المسلمين.
وشعرت أني أخطأت في حق نفسي: "فقد قضيت وقتي في القراءة وقرأت في كل موضوع، ولكن ضاع كل ذلك هباء لأني لم أعمل بهذه المهن، ولو أني عملت بإحداها لسُمح لي بالكلام في الموضوعات التي تعلمتها والإدلاء بدلوي في كل المجالات".
الممثل والفنان والرياضي مُعفون من المساءلة، ومستثنون من اشتراط الشهادة الجامعية والخبرة والتخصص، إنهم من يستشار ويسأل في سائر الأمور.
والعجيب أنهم يتفاعلون ويجيبون.
والأكثر غرابة أني أرى الناس تتابع أقولهم باهتمام وتحفظها وتستشهد بها!