صراع بين مشروعين ( 3 )
بدر محمد بدر
قال لي صديق: في تقديرك كم يبلغ عدد من تصفهم بالعلمانيين في مصر الآن؟ فقلت: ربما هم بضع مئات أو آلاف على الأكثر، فقال: لماذا إذن تتحدث عنهم بهذا القدر من الاهتمام، وربما القلق؟!
مع أن الشعب المصري (90 مليون نسمة) لا يضيره أن فريقا يحمل رؤية تتصادم مع قيمه وثوابته، لقد اعتدنا يا سيدي على التنوع السياسي والثقافي والاجتماعي طوال تاريخنا، فلماذا لا ندع الحرية للشعب كي يختار هو، فقلت: أعلم أن أعداد العلمانيين لا تكاد تذكر بالنسبة إلى عدد السكان، لكن هؤلاء يا عزيزي لا يزالون يحتلون مقاعد التأثير ومنابر التوجيه وأدوات التشويش، ويتسلطون ليل نهار على شاشات التليفزيون وأنهار الصحف، ويغتصبون إدارة المؤسسات الإعلامية.
إن هؤلاء يواجهون الثورة الآن بكل ما يملكون من جهد وطاقة ومال، ويحاولون تحطيم حلم الشعب المصري في تحقيق أهم نتائج ثورته العظيمة، وهي تأصيل الحرية وتعميق الديمقراطية واحترام التغيير السلمي، وصولا إلى مجتمع تسود فيه العدالة والمساواة، ويختفي فيه الفساد والاستبداد والظلم، إنهم يقاتلون من أجل منع حدوث أي تغيير يمكن أن يطيح بهم وبامتيازاتهم المادية والأدبية، إنهم بوضوح يدركون أن ثورة 25 يناير قامت ضد بقاء واستمرار مشروعهم العلماني المادي.
لقد نجح المنهج الإقصائي في عزل المشروع العلماني عن جمهور الناخبين، وأيضا الإصرار على قيادة الوطن بالإكراه والاستبداد والتسلط، هو ما يدفع التيار العلماني إلى رفض المسار الديمقراطي من الناحية الفعلية، وعدم قبول حكم الغالبية العظمى من الشعب، والسخرية ممن يتحدثون عن ضرورة الاحتكام إلى الصندوق الانتخابي، مع أن الصندوق هو أيقونة الديمقراطية الغربية، والطريق الحضاري للتغيير السلمي، والآلية البشرية الأكثر احتراما للوصول إلى السلطة.
الثورة يا عزيزي بالنسبة لهؤلاء العلمانيين فشلت، لأنها أعطت للشعب المصري الحق في أن يختار ما يشاء، وأن يؤيد أو يعارض من يريد، ولأنها كشفت عن مكنون هذا المجتمع الذي عاش طويلا تحت سيف القهر والظلم والاستبداد والفساد، وتسلط عليه نفر من أبنائه بلا اختيار ولا كفاءة، ولأنها حررت الإرادة وأعادت الكرامة، ومنحت الشعب الفرصة كي يحلم ويتمنى، الثورة فشلت لأنها أكدت نزاهة الانتخابات وشفافية الاستفتاءات، ورسخت حقنا الكامل في أن نعيش كراما.
لكل هذه الأسباب وغيرها يبذل دعاة العلمانية المادية كل جهودهم من أجل شيطنة "الآخر" من التيارات الإسلامية، وبخاصة من جماعة الإخوان المسلمين، ولا بأس أن يطلقوا الشائعات، ويروجوا الأكاذيب، ويختلقوا الأخبار والقصص المزيفة، والهدف بالطبع واضح، إنه التشويه المتعمد والتضليل المستمر والإلحاح الدائم، ويكفي أن نراجع يوميا حجم الأكاذيب المنشورة، لندرك ضراوة ما يقومون به لإثارة المجتمع واستغلال الإلحاح الذي برعوا فيه زمنا طويلا في تشويه الخصوم.
ثورة يناير قامت من أجل أن ينعم الشعب المصري الكريم بالحرية والعدالة الاجتماعية، ومن قيم الحرية أن يختار الشعب من يراه صالحا لكي يتولى المسئولية، ورغم مرور أكثر من عامين على نجاح ثورة الحرية، فلا يزال نفر من هؤلاء العلمانيين يفرضون أنفسهم على مؤسسات الوطن الإعلامية والثقافية والأدبية والفنية، ويمنعون الشعب من اختيار من يمثله بصدق، ويعبر عنه بالفعل، فهل يمكن أن يستمر هذا الوضع الشاذ طويلا؟!
يا عزيزي ربما يتوهم البعض أن شعبية الإسلاميين تراجعت تحت ضغط وسائل الإعلام الفاسدة، وقدرتها الهائلة على تزييف الحقائق ليل نهار، وينسى هؤلاء أن الإسلاميين يمتلكون أقوى علاقة ميدانية مع المجتمع، وكلما ازدادت الحملات ضدهم، تضاعفت جهودهم على الأرض، وهذا هو سر النجاح!