ربيع الشعر الحظائري!
ربيع الشعر الحظائري!
أ.د. حلمي محمد القاعود
يبدو أن الحظيرة الثقافية لديها رصيد وفير من الأموال والميزانيات، ولا تجد مجالًا لتصريفها، فتلجأ إلى المهارج والاحتفالات لتتخلص من الوفرة المالية، وقد عقدت الحظيرة مؤخرًا أكثر من مهرجان واحتفال في العاصمة والأقاليم، كان أبرزها ما سمي بالملتقى الدولي الثالث للشعر العربي الذي انعقد فيما يسمونه مسرح الهناجر بدار الأوبرا.
قام السيد الوزير وأمين المجلس الأعلى للثقافة بافتتاح الملتقى تحت عنوان "ربيع الشعر، ربيع الثورة"، ونوقشت عبر أنشطة الملتقى مجموعة من القضايا المتعلقة بالموضوع منها؛ ثورة الشعر، ربيع الثورة في شعر العامية، جماعة أبولو، جماعة المهجر، شعر العالم العربي، تأثير الرومانسية في شعر التفعيلة، ترجمة شعراء أبولو لنماذج من الشعر العالمي؛ وغيرها من الموضوعات المتعلقة بالشعر العربي.
كما تضمن الملتقى تنظيم ست أمسيات شعرية لعدد كبير من الشعراء المصريين والعرب والأجانب. معظمهم من الحظائريين الموالين للنظام السابق ونجوم لقاءات الرئيس المخلوع، وخصوم الإسلام والمسلمين. وشاركهم مجموعة من مثقفي السلطة في البلاد العربية، مع شعراء آخرين من سويسرا والبرتغال والمجر.
تضمن الملتقى إعلان اسم الفائز بجائزة القاهرة للشعر العربي في دورتها الثالثة وقيمتها مائة ألف جنيه مصري؛ وتنظيم معرض لإصدارات المجلس الأعلى للثقافة بتخفيض 50% على جميع الإصدارات المعروضة طوال أيام الملتقى.
واضح أن الحظيرة مع أنها تتكلم عن ربيع الثورة مع ربيع الشعر، فهي لا تؤمن بالثورة ولم تسمع بها ولم تلق إليها بالًا، بدليل أنها لم تتجاوز منهجها القديم باستدعاء عناصرها في الداخل وأشباههم في الخارج. الحظيرة تعد وزارة الثقافة عزبة خاصة بها وبأفرادها الذين تغدق عليهم إقامة في الفنادق وإعاشة فاخرة وتنقلات داخلية وتذاكر طيران وبدلات سفر وجوائز كبرى وغير ذلك مما يدخل جيوب المشاركين والمشرفين، وكأن مصر التي ينهار اقتصادها يوميًا لا علاقة لها بمصر الحظيرة الثقافية التي تنفق بغير حساب في غير ما ضرورة!
ولأن الحظيرة تعمل من خلال استقلال تام عن مصر وحكومتها الرشيدة، فقد استدعت في أبحاث الملتقى الرفاق القدامى الشيوعيين ليكونوا موضوع أبحاث وتحليلات النقاد والدارسين، لم تحاول مثلًا أن تتجاوز الدائرة الشيوعية الضيقة التي تمثل العناصر المؤسسة للحظيرة أو العناصر التي تتضامن مع قياداتها في حربها الضروس ضد الهوية الإسلامية.
المفارقة أن أحدهم يدعي أنه سعى واللجنة المنظمة للملتقى، إلى جعل هذا الحدث (يقصد الملتقى) ممثلًا حقيقيًا للشعر في بلادنا والعالم، تمثيلًا صادقًا لكل الأجيال والأشكال الشعرية والشعراء والشاعرات. وهذا كذب صراح، لأن الملتقى يمثل الحظيرة وأفرادها وأخلاقها وسلوكها المعادي للهوية والبلاد، ومصر التي تمتلئ بآلاف الشعراء في القرى والنجوع والمدن الصغيرة والكبيرة لا يمثلها في هذا المهرجان الحظائري إلا عناصر الحظيرة الذين عاشوا على حجر النظام المستبد الفاشي طوال ستين عامًا. وهم للأسف الشديد شعراء تجمدوا وتكلسوا وصاروا مثل الأسمنت القديم الذي تحول إلى كتلة صخرية متحجرة لا فائدة من ورائها، ناهيك عن أحلاس المقاهي الذين يكتبون ما يسمى بقصيدة النثر!
يقول أحدهم وهو ممن كانوا دائمًا في معية الرئيس المخلوع ومن المقربين إليه والمشمولين بعطاياه ومنحه: "إننا نحتفل بالشعر لأن الشعر ثورة تتفجر فيها اللغة وتتفتح فيها كالوردة التي تكشف عن أسرارها المخبوءة". وهو كلام غث رخيص لأنه لا يوجد شعر أصلًا لدى الحظيرة وعناصرها الموالية للنظام الفاسد البائد، وتنتفي عنه الثورة المزعومة، وبالتالي فلن تتفتح اللغة ولن وتصبح وردة تكشف عن خباياها. إن الأديب الفاسد والشاعر الفاسد والنظام الفاسد لا ينتجون شعرًا حقيقيًا، ولا يحققون ثورة. هل يستطيع الفاسد الذي كان يحرص على تلميع بيادة النظام الإرهابي أن يكون ثوريًا منتجًا للغة ثورية وشعر ثوري؟
إن بعض الحظائريين تحولوا إلى بلطجية في سيطرتهم على وسائط الثقافة المصرية طوال العقود الماضية، وباع بعضهم ما تبقى له من ضمير وشرف وقيمة وهو ينحني على أقدام الطغاة واللصوص الكبار، ولم يكن غريبًا أن يتحول بعضهم إلى "نخنوخ" الثقافة، ليأخذ من أموال الدولة ما لا يستحق وما لا يجوز له. هل تذكرون ذلك النخنوخ الذي رأس مهرجانًا أدبيًا ثم قرر منح نفسه جائزة المؤتمر دون أن يخجل أو يستحي؟ ولكنها فلسفة النخنخة أو البلطجة التي تفتقد أصول الأخلاق ومفهوم القيم، ولا تتورع عن استخدام منهج اللصوص الذين لا يبالون بالحلال أو الحرام، أو الخجل والحياء!
ثم تأمل ذلك المخلوق الحظائري الذي لا يخجل وهو يدعي أنه وعناصر حظيرته يحتفون بالشعر في وجه "شياطين الصحاري" ممن أعلنوا الحرب على نجيب محفوظ والأهرامات!
لم يقل لنا هذا المخلوق ماذا يقصد بشياطين الصحاري؟ وإن كنا نعلم حقيقة ما يريد. إنه جبان، وجبنه واضح، لأنه لا يستطيع أن يصرح بأنه يقصد المسلمين الذين يدعي أنهم آتون من الصحراء، أو وفق ما يكنى عنه في مقالاته وكتاباته وأقواله بوصفهم بالبدو، فالمسلمون والإسلام وإن جاءوا من الصحراء أو البداوة إلا إنهم صنعوا حضارة أرقى من الحضارة التي يعمل خادمًا لها ذلك المخلوق الحظائري.
إن شياطين الصحارى الذين يسخر منهم ذلك النخنوخ الفاشي هم أول من قدم نجيب محفوظ إلى القراء وبشروا به أديبًا كبيرًا وإن اختلفوا معه في بعض ما كتبه، وهم من حافظ على الآثار المصرية التي سرقها اللصوص في ظل العهد الفاسد الذي أسقطه الشعب المصري في ثورته المجيدة.
والغريب أن أفكار الحظائريين تكاد تكون صورة متطابقة، ففي مقابل ما يقوله هذا النخنوخ، تسمع مسئولًا حظائريًا يقول: "إننا اليوم نبحث عن هويتنا في ظرف يتهددها بأكثر من أي مرحلة مضت". ويتناسى السيد الحظائري أن هويتنا معروفة منذ أربعة عشر قرنًا من الزمان، وصنعها الإسلام والمسلمون الذين يصفهم النخنوخ بأنهم شياطين الصحاري. مصر المسلمة ستعود أفضل مما كانت، وستعود ثقافتها الإسلامية شامخة وراسخة. وفي يوم ما سيكون هناك حساب لمن خانوا الأمانة وكذبوا ودلسوا على الأمة، وكانوا حربًا مجرمة على إسلامها وقيمها وهويتها. إنهم سيذهبون وستبقى مصر المسلمة حتى يشاء الله.