ثورةٌ... قَلَبَتْ كلَّ الموازين!!
حسن قاطرجي
مرَّ عامان كاملان على انطلاقة شرارة الثورة في سوريّة والشعبُ السوري العظيم الحرّ يُسطّر ملحمة من كُبْريات ملاحم التاريخ... تذكِّر - وإنْ بحجمٍ عَدَديّ ومعنويّ أضخم بكثير- بقصّة أصحاب الأُخْدود التي سجَّلها القرآن وخلَّد ذِكراها بدلالاتها الإيمانية والحركية والإنسانية لتُتلى آياتُها المباركة العظيمة بأَلْسنة التالين لهذا الكتاب المجيد على مدار الزمان إلى أن يُرفع من صدور الحُفّاظ وتختفي نُسَخُه مِنْ على وجه الأرض في لحظةٍ في آخر الزمان من أتعس وأشقى وأخطر لحظات التاريخ البشري! كما في النُّبوءة النبوية المسجَّلة في سنن ابن ماجَهْ، في كتاب الفتن، باب ذهاب القرآن والعلم، بسندٍ صحيح: ((يَدْرُسُ الإسلامُ كما يَدْرُس وَشْيُ الثوب! وَلَيُسْرَى - اللام للتوكيد والمعنى يُرفَع - على كتاب الله عز وجل في ليلةٍ فلا يَبْقَى في الأرض منه آية))!!
وأهمّ ثلاث عِبَرٍ في قصة أصحاب الأُخدود - ومَعينُ عِبَرها لا ينضب - تُستفاد من ثلاث آيات منها: 1- )وما نَقَموا منهم إلا أنْ يؤمنوا بالله العزيز الحميد( للتوقُّف طويلاً وعميقاً عند دلالة تخصيص ذِكْر الاسمَيْن العظيمَيْن: العزيز والحميد، وهذا ما يميِّز المؤمنين الحقيقيّين عن أولئك الذين يؤمنون بالله خالقاً ولكنه غير مؤثر ولا مدبِّر ولا مشرِّع ولا عزيز غالب على أمره ولا حميد متصف بصفات الكمال المحمود بها. 2- )ذلك الفوزُ الكبير( لأنه حُكمٌ من رب العالمين في بيان مقياس (الفَوْز أو النصر) الذي يتجلَّى في أرقى مستوياته في فِداء المؤمنين من أجل عقيدتهم وحريتهم وفي تضحياتهم وإرادة تحرُّرهم من استعباد الطاغوت، 3- )إنّ بطشَ ربِّك لشَديد( للإيناس والتثبيت.
وكان يُفترَض على المنظَّمات الدَّوْلية لو كانت وفيّةً للإنسانية وتضحياتها أن تُخلِّد ذكرى شهداء الأُخدود الأبرار باعتبارهم نموذجاً فريداً من نماذج الفداء والإيمان... ومَطْلب الحرية وكرامة الإنسان...
واليوم في سوريّة مع وقائع ثورة شعب يُذبَح على يد طاغيةِ مُجرم وتُغْتَصب نساؤه ويُدمّر بلده: تتجدّد قصة أصحاب الأخدود، لذا نَجْزِمُ أنّ الشهداء المؤمنين الذين تَقدَّمت قوافِلُهم طلباً للشهادة على امتداد عامَيْن قد أثبتوا فَرَادة هذه الثورة الشامخة، وبفضل الله كانوا شاهداً على عظمة بلاد الشام وبَرَكة أجيالها المؤمنة وعظيم دورها الذي يُهَيّئُها له اللهُ ربُّ العالمين لاستعادة مجد الإسلام العظيم، وقد سبق أنْ حصل أيضاً من أهل فلسطين ـ وغزَّة خصوصاً ـ في مرات سابقة ومتزامنة مع الثورة السورية.
لقد قلبت هذه الثورة العظيمة الموزاين رأساً على عَقِب في المجالات الآتية:
· طبيعة الإسلام ودوره في الحياة... والحمد لله حققت الثورة نُقلة ضَخْمة للدين من ضفّةِ دينٍ يَمْكرون به ليجعلوه ديناً خانعاً هزيلاً منحصِراً في الشعائر والمناسبات الاحتفالية ويتكلّم باسمه مشايخ راهنوا أن يكونوا موظفين أذلاّء... إلى ضفّةٍ تُعيده ليكون كما أنزله الله دينَ العزة والكرامة، ومنهجاً شاملاً للحياة، وديناً يعتزّ دعاتُه وعلماؤه بقول كلمة الحق في وجه الطاغية المستبد.
· نفسيّة شعوبنا المسلمة... وما ظهر من حبِّها العميق لدينها وعشقها للشهادة إرضاءً لله وطلباً للجنّة.
· مَطْلب الحريّة لدى الشعوب... وما أغلاه! وما أنفسَه وأرقاه!!
· طبيعة الأنظمة التي رُكِّبت في المنطقة... والوظيفة القَذِرة التي أُنيطتْ بها.
إنها ثورة تستحق منّا كل تقدير... كما تستحقّ كل نصيحة وترشيد وتسديد... لنَنْفي خَبَثها ونثبِّت بَرِيقَها ورَوْنقها... وما أروعَ هذه النَّجْوى للشام:
يا شامُ! يـا شــامُ! يا أرضَ المحبِّيِنا هانَ الوفاءُ وما هان الوَفَا فيـنا
يا شامُ: جُرْحُكِ في قـلوبنا نُكابِــدُه دماً سـخيّاً وآلامــاً أفانـيـنا
لا عاشَ فيكِ قريرَ العين طـاغــيةٌ ولا رأى أَمْناً يوماً في مَغَانينـا