ياسمين آذار المخضب بالدم - (الحلقة الثامنة)
الشعارات المضللة التي انطلق منها حزب البعث العربي الاشتراكي
الوحدة العربية
محمد فاروق الإمام
حتى قيام الوحدة السورية-المصرية عام 1958م، كان المفهوم القومي لحركة البعث ينبع من إيمان عميق يشبه إلى حد بعيد (العشق الصوفي)، في أن الوحدة العربية هي المهمة الأولى والوحيدة. وكان الحزب دائماً يعطي مسألة الوحدة أهمية ورجحاناً معنوياً على الحرية والاشتراكية.
إلا أن تركيز الحزب على أهمية الوحدة لم يدفعه بنظر التقرير العقائدي.. إلى صياغة دليل نظري يستبين الطريق إلى الوحدة ويرسم أسلوب تحقيقها وضمانات حمايتها وتطورها. من هنا -كما يقول التقرير - يأتي ضعف الأسس النظرية والعملية لوحدة عام 1958م، وبالتالي ضعف حمايتها من الانهيار والسقوط عام 1961م.
وفي مجابهة التحدي الشيوعي المحلي، أعطى الحزب نوعاً من القداسة للاتجاه القومي، ومفهوماً مثالياً للقومية العربية فتح المجال -كما جاء في التقرير- لتفسير مناف أحياناً للعلم ولتطور التاريخ، فتحولت القومية العربية إلى مفهوم متحجر جامد.. واعتبرت القضية الاشتراكية فرعاً من القضية القومية.. مما طمس في أذهان البعض حقيقة الصراع الطبقي لمحتوى حقيقي ومنطلق نضالي أساسي للقومية العربية.
غير أن المؤتمر القومي السادس يعتبر دائماً أن الوحدة العربية نظرية أساسية في العالم العربي وواقع يحرك أعماق الجماهير العربية من الخليج إلى لمحيط. ولكن المهم الآن هو تحديد أسسها السياسية ومضمونها الاجتماعي.
إن التجربة السياسية بين البلاد العربية خلال فترة زمنية طويلة.. أوجدت -تدريجياً- فوارق واختلافات في الفكر الاقتصادي.. انعكست في البنيات السياسية والاجتماعية والثقافية لكل قطر. وبسبب السيطرة والتدخلات الاستعمارية.. فإن الرأسمالية أو بالأحرى الرأسمالية العربية.. لم تستطع أن تنمو وفق متطلبات السوق الرأسمالي.. بمعنى أن تزيل وتهدم الحدود والحواجز السياسية بين هذه البلاد.
فالوحدة العربية ليست تحريراً قومياً فحسب وإنما هي أيضاً تحرر اقتصادي واجتماعي وقضاء على التخلف.. بمعنى آخر.. إن علاقة الاشتراكية بالوحدة هي علاقة جدلية -على ذمة التقرير العقائدي- فالوحدة العربية.. حيث إن مضمونها هو بناء الاشتراكية، تكوّن إطاراً بشرياً واقتصادياً أكثر ملائمة لمتطلبات التحويل الجذري والشامل للوطن العربي.
باختصار: الوحدة العربية والاشتراكية - بنظر المؤتمر القومي السادس- هما قضيتان متلازمتان من الناحية التاريخية والاقتصادية.
لهذا فإن الحركة القومية الوحدوية.. في مجرى تطورها الموضوعي.. سارت في اتجاه جديد.. وعملت على التخلص من السيطرة الاستعمارية باعتبارها الموجدة والمكرّسة للتجزئة والمحافظة على بقائها.. ومن سيطرة الإقطاع كأسلوب إنتاج متخلف وكطبقة سياسية عميلة.. ومن البرجوازيات كعامل تناقض سياسي وإقليمي بين البلاد العربية.
وهكذا ففي الوقت الذي تحقق فيه الجماهير الوحدة العربية.. تتجه وتسير في طريق الاشتراكية.. فإزالة البرجوازيات العربية يصبح عندئذ الشرط الأول لإقامة الوحدة.. وهذه الوحدة تأتي إذاً في الظروف الحالية ضمن أفق تاريخي اشتراكي صحيح وتعبّر بالتالي عن أمل الجماهير في التحرر الوطني والاجتماعي والاقتصادي.
كما يؤكد البيان العقائدي على أن بناء الوحدة بين بلاد تركت التجزئة السياسية رواسب إقليمية ومصالح ضيقة.. يجب أن تأخذ بعين الاعتبار هذه الفوارق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. على الأقل في الابتداء. وذلك حتى تستطيع فيما بعد أن تتغلب عليها تدريجياً. وهذا يعني أن الوحدة يجب أن تقام على مراحل. وإن إحلال الامتداد محل التفاعل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي بين مختلف التجارب الثورية العربية.. يؤدي عملياً إلى تعميق التناقضات الإقليمية وإبرازها بشكل عدائي ويهيئ الظروف لردة انفصالية كما حدث في 28 أيلول 1961م في سورية. وهي أكثر خطورة من التجزئة ذاتها.
الديمقراطية الشعبية (الحرية)
لابد في هذا السياق من أن نعود قليلاً إلى الوراء وان نشير تلميحاً إلى ما كانت تفهمه حركة البعث العربي.. منذ تأسيسها.. من اصطلاح (الحرية). في الحقيقة وواقع الأمر، كانت كلمة الحرية تأخذ دائماً في أدبيات البعث السياسية صفة (القداسة). ففي مقال للأستاذ ميشيل عفلق تحت عنوان: (لماذا نحرص على الحرية؟).. يعتبر مؤسس حركة البعث ومفكرها.. أن قضية الحرية هي قضية جوهرية في حياة الفرد الشخصية وفي حياة الأمة على حد سواء. ويؤكد بهذا الصدد على أن (الحرية لا تتجزأ فلا يمكن أن نثور على الاستعمار الأجنبي ثم نسكت عن الاستبداد الوطني. لأن الدافع الذي يحركنا ضد الاستعمار هو نفسه الذي يمنعنا الآن من الرضا بالاستبداد.. أما الذين لا يستطيعون أن يحكموا الشعب إلاّ إذا استعبدوه.. فهذا الشعب الذي غلب الاستعمار.. سوف يريهم كيف يستطيع التخلص من حكمهم والتحرر من عبوديتهم).
فحرص مؤسس الحزب على الحرية ودفاعه عنها -كما يقول- ليس شيئاً نظرياً (لا علاقة له بالواقع. فالحرية هي التي تسمح للشعب أن يعرف أين يذهب خبزه اليومي وكيف تبذر ثروته وثمار عمله وإنتاجه.. وتتيح له أن يعرف المدى الذي بلغه في تحقيق استقلاله والنواقص التي تشوب هذا الاستقلال..).
وهكذا فإن التعلق بالحرية والدفاع عنها إنما هو تعلق بحياة الفرد الشخصية وبحياة الأمة ككل.. وأن المعركة التي تخاض من أجلها ستكون والحالة هذه (معركة حياة أو موت). إذ أن (الحرية ليست مواد في الدستور ونصوصاً في القوانين وليست هي مجرد موضوع للخطابة والكتابة.. ولكنها عمل قبل كل شيء. إنما لن تدخل حياتنا ما لم نرخص الحياة في سبيلها ولن نفرض على الحاكمين احترامها وَنُشعر الشعب بقيمتها وقدسيتها إذا لم يكن إيمانا بها جهاداً ودفاعنا عنها استشهادا).
لذلك ومن هذا المنطلق.. فإن نهضة الأمة العربية لا يمكن لها أن تتحقق إلا إذا تمتع كل فرد بحريته الشخصية وبحقه في التعبير عن رأيه سواء في الصحافة أو عن طريق الاجتماعات العامة أو في تكوين الجمعيات والأحزاب السياسية. وليس هناك من سلطة تستطيع أن تعطي لنفسها حق كبت الحرية الشخصية والحريات العامة لأي سبب كان. يؤكد حزب البعث.. في (الدستور) الذي أقره المؤتمر التأسيسي الأول في 7 نيسان 1947م.. (أن قيمة الدولة ناجمة عن انبثاقها عن إرادة الجماهير.. كما أن قدسيتها متوقفة دوماً مع نمو حرية الفرد.. لذا فإن حرية الكلام والاجتماع والاعتقاد والفن مقدسة لا يمكن لأية سلطة أن تنتقصها).
لهذا فإن المؤتمر القومي السادس.. عند تحليله وتقييمه لمفهوم الحرية في إيديولوجية حركة البعث العربي.. يرى بأنه كان ينبع من مفهوم (رومانسي مجرد). وإذا كانت الحرية قد فهمت بشكل عام على أنها تحرير للإنسان العربي.. تحرير سياسي واقتصادي بكل صوره وأشكاله.. إلا أن الحزب (لم يتصد لمحاولة تصحيح مفهومها الاجتماعي والطبقي بشكل كامل وملموس). إذ أن (الحرية بشكلها السياسي لم تكن مفهوماً مجرداً مطلقاً.. بل هي دائماً حرية ملموسة ذات مضمون اجتماعي محدد.. منحت لطبقة ومنعت بشكل أو بآخر.. عن طبقة أخرى).
لقد اعتقدت حركة البعث ومنذ تأسيسها أن النظام السياسي الذي يجسد مفهومها لهذه الحرية.. يكمن في تطبيق الديمقراطية البرلمانية على النمط الغربي. وقد اعتبرت الديمقراطية البرلمانية هذه (ضرورة) لكي يستطيع الشعب (أن يحصل على حقوقه في جو من الحرية). فكل حكومة إذاً لا تكون منبثقة عن انتخابات عامة أو لا تمثل الشعب تمثيلاً صحيحاً (يجب أن تزول ويحل محلها حكومة من الشعب وللشعب) وتخضع لرقابته العامة.
وجاء ذلك صريحاً بصورة رسمية في مبادئ الحزب الأساسية التي يضمها (الدستور) حين يعلن أن (السيادة هي ملك الشعب وانه وحده مصدر كل سلطة وقيادة) وأن نظام الحكم (هو نظام نيابي دستوري.. والسلطة التنفيذية مسؤولة أمام السلطة التشريعية التي ينتخبها الشعب مباشرة).. (والسلطة القضائية مصونة ومستقلة عن أية سلطة أخرى وتتمتع بحصانة مطلقة). وهذا يعني أن فصل السلطات:
السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية.. مبدأ أساسي وقاعدة تبنى عليها ديمقراطية البعث. كما أن الحزب سيعمل على وضع دستور للدولة العربية يكفل.. للمواطنين العرب المساواة المطلقة أمام القانون والتعبير بملء الحرية عن إرادتهم واختيار ممثليهم اختياراً صادقاً..).
وفي عام 1950م.. عندما كانت المعركة على أشدها في سورية حول قضية الديمقراطية البرلمانية والحكم الفردي.. اتخذ الحزب موقفاً صلباً وقوياً ضد أية فكرة تنسب مسؤولية التأخير وسوء الأوضاع السياسية في العالم العربي إلى النظام الديمقراطي البرلماني. وكان يرى البعثيون في ذلك الحين أن البلاد العربية.. بما في ذلك سورية.. لن تعرف في الواقع من الديمقراطية ومن النظام الدستوري سوى النواحي السيئة. لهذا فإن هذا (التشويه).. مع خطورته.. يجب أن لا يسيء إلى مبدأ الديمقراطية نفسها.
وكمثل على ذلك فإن البعثيين كانوا ينظرون إلى كيفية تطبيق النظام البرلماني في البلاد الغربية.. الذي هو نتيجة -برأيهم- للمشاركة الفعلية للشعب في الحياة السياسية.. في حين أن النظام النيابي الدستوري في سورية قد أفرغ من محتواه الديمقراطي الحقيقي. وهكذا.. فإن الحزب طوال تلك الفترة كان يقود الحركة التي تدافع عن الديمقراطية النيابية.. ويرفض رفضاً قاطعاً أي شكل من أشكال النظام الدكتاتوري والحكم الفردي.
في الحقيقة، هذا الاتجاه العام والرسمي لحركة البعث، فيما يتعلق بتبني مفهوم الديمقراطية البرلمانية، قد خضع لبعض التحولات إثر وصول بعض الأحزاب أو العسكريين إلى قمة السلطة في بعض البلدان العربية والنامية فقد ابتدأ الحزب في توجيه الانتقادات للنظام الديمقراطي البرلماني وأخذ يميل إلى تأييد ما كان يسمى بـ(الديمقراطية الموجهة).
غير أن هذا المفهوم الجديد، لم يوضح أبداً، ولم يضع البعثيون مفهوماً محدداً وملموساً للديمقراطية السياسية، كما أنهم لم يوضحوا المحتوى الاجتماعي لمسألة الحرية. لهذا فعندما قامت الوحدة في عام 1958م بين سورية ومصر، لم يكن لحزب البعث فكرة واضحة عن الأسس ولا الشكل السياسي للنظام الديمقراطي الذي يجب أن تبنى عليه هذه الوحدة.
وقد حاول (التقرير العقائدي) الذي أقر في المؤتمر القومي السادس، أن يضع الخطوط العامة العريضة لمفهوم الديمقراطية المسمى بالشعبية، إذ يرى أن الديمقراطية البرلمانية على النمط البرجوازي والتي نقلتها الدول العربية عن الدول الغربية، بقيت ديمقراطية شكلية مقطوعة من جذورها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
لهذا فإن البرلمانية في مظاهرها الأساسية كانت مرآة للواقع المتخلف، شبه (القبلي) وشبه (الإقطاعي). فإخفاق البرلمانية إذن لا يتأتى من تطبيقها السيئ، بقدر ما هو يعبر عن الحقيقة الموضوعية خاصة. وهكذا فإن ظاهرة الانقلابات العسكرية أصبحت الوجه الآخر للديمقراطية البرلمانية الغربية في كثير من البلاد العربية.
ولا يمكن لهذا المفهوم للديمقراطية، (برأي التقرير العقائدي)، من أن يأخذ أبعاده الواسعة وفعاليته في التطبيق، إلا إذا اعتمد على تنظيم جماهيري وهذا التنظيم السياسي الطليعي يجب أن يقوم على مبدأين رئيسيين: المركزية الديمقراطية والقيادة الجماعية. وحزب البعث هو المهيأ أن يلعب دور المحرك لهذه الجماهير الشعبية.
وإذا كانت القوى السياسية التقدمية يجب أن لا تزول من حيث المبدأ، إلا أنها ملزمة على أن تكون تحت قيادة حزب واحد، وهو (دون أن يسمي حزب البعث) ضمن جبهة عريضة من خلالها يمكنها أن تمارس نشاطاتها السياسية. من أجل ذلك فإن المؤتمر القومي السادس يعتمد لأول مرة مبدأ (الحزب القائد) الذي يملك السلطة المركزية الدائمة في حكم البعث.
منيف الرزاز عضو القيادة القومية المنتخبة في هذا المؤتمر والأمين العام الثاني للبعث بعد ميشيل عفلق يتخذ موقفاً متناقضاً كلياً لهذه الخطوة العامة التي أقرها المؤتمر القومي السادس، ويتوسع في توضيح المفهوم القديم للديمقراطية البرلمانية للبعث في كتابه (الحرية..) حيث يعتبر الصفة الأولى والأساسية للديمقراطية تكمن في حرية التعبير السياسية والتمثيل الانتخابي للشعب حسب الأعراف البرلمانية المعروفة. (فلا مجال لحرية تعبير في حكم غير ديمقراطي، كما أن لا مجال لحكم ديمقراطي مع فقدان حرية التعبير).. (بل لقد أصبح مقياس الحرية المادي إنما يعتمد على وجود النظام النيابي).. (وأن بلداً محروماً من التمثيل النيابي بلد لا يمكن أن يقال إنه يتمتع بالحرية). والرزاز في سياق دفاعه عن حرية تأليف الأحزاب السياسية، يؤكد أن تعدد الأحزاب، إذا كان يعكس تناقضات موجودة في المجتمع، فهو يعبر أيضاً عن (حيوية الأمة). وهو يضيف: (أن حرية التكتل في أحزاب سياسية أساس من أسس الحرية السياسية الحديثة، لا وجود لها من دونها. وكبت هذه الحرية بإلغاء الأحزاب أو إلغاء تعدد الأحزاب لا يمكن أن يعني إلا وقف الحريات السياسية للشعب وللمواطنين وحصر الحياة السياسية في الحكم أو مجموعة الحكام).. (ولا يمكن لحياة سياسية أن تقوم في أي قطر من غير أن تتمثل هذه الحياة السياسية في أحزاب قائمة. وإذا انعدمت الحياة الحزبية فقد انعدمت مشاركة الشعب في رسم مصيره السياسي). من أجل ذلك يقف موقفاً عنيفاً ضد مبدأ (الحزب الواحد)، لأن (حكم الحزب الواحد لا يمكن أن يكون حكماً ديمقراطياً بطبيعته.. إنه تعبير عن حكم كتسلط بجهاز شعبي). وبكلمة واحدة، إن عدم وجود أحزاب سياسية متعددة في حكم ما، إنما (هو إلغاء تام للحياة السياسية للمواطنين وإحلال الدولة محل الشعب).
الاشتراكية
لقد وجه التقرير العقائدي ولأول مرة رسمياً، ضربة قاسية لمفهوم (الاشتراكية العربية) للحزب. فبعد أن أشار إلى الجوانب الإيجابية لعمل حركة البعث السياسي، التي ربطت النضال القومي بالنضال الاشتراكي، يؤكد المؤتمر القومي السادس أن الحزب أطلق على الاشتراكية التي ينادي بها اسم (الاشتراكية العربية) في مواجهة سلبية للتحدي الشيوعي المحلي وفي محاولة لتأكيد القضية القومية.
إلا أن التأكيد على الصفة القومية للاشتراكية دون توضيح الأسس النظرية، أدى إلى نوع من العصبية القومية السلبية تجاه الفكر الاشتراكي العالمي. وبقيت اشتراكية الحزب التي سميت بـ(العربية) مجرد كلمة خالية من أي مضمون علمي، فصلت عن لحمتها الاجتماعية والطبقية. ويضيف المؤتمر القومي السادس بأن تعبير الاشتراكية العربية، كان من الممكن أن يكون نقطة انطلاق لتلمس الواقع العربي بكل تفاصيله وتناقضاته، وتحليل تكوينه الاقتصادي والطبقي. إلا أنه بقي هذا التعبير في كتابات البعث مجرد شعارات عامة وتسميات عاطفية حول (الخصائص العربية) للاشتراكية ومزاياها الأصيلة. كذلك فإن أعضاء المؤتمر بغالبيتهم يرفضون هذه (الخصائص الأصيلة)، ويتبنون تعبير (الطريق العربي إلى الاشتراكية) محل (الاشتراكية العربية). ذلك أن مضمون الاشتراكية واحد، لكن الطريق الذي يوصل إليها يختلف بين بلد وآخر، حسب ظروفه وأوضاعه الاجتماعية والتاريخية.
ومن ناحية ثانية، فإن المؤتمر القومي السادس يقوم بنقد مبدأ أساسي تقوم عليه اشتراكية البعث، وهو (الملكية الفردية) التي كانت تعتبر دائماً حقاً طبيعياً للإنسان. (إن الاعتراف بالملكية الفردية بشكلها المطلق ورغم تضييق نطاقها، هو ضرب من المفهوم البرجوازي الصغير. لأن المفهوم الاشتراكي العملي يعتبر العمل الإنساني المصدر الوحيد للقيمة. لذا فإن الملكية الفردية إذا تعدت نطاق الاستعمال الشخصي)، لا مفر من أن تصبح وسيلة لاستغلال الإنسان للإنسان.
ويشير التقرير العقائدي بعد ذلك إلى أن اعتراف الحزب بالملكية كحق طبيعي ترك آثاره السيئة والظاهرة في تركيبه وتكوينه الطبقي. وبما أن تكوين الحزب الطبقي والإيديلوجي بقي غير واضح، فقد اعتقدت البرجوازية والجماهير الشعبية على السواء أن اشتراكية البعث تلبي مصالح كل منهما، ونتج عن ذلك أن تنظيمات الحزب أحبطت من قبل البرجوازية والملاكين العقاريين من جهة، ومن قبل الجماهير الشعبية من جهة أخرى.. وهكذا استطاعت العناصر البرجوازية الصغيرة أن تصبح ذات أهمية رئيسية في قيادات الحزب على جميع المستويات، في حين أن العناصر من العمال والفلاحين كادت تكون غير موجودة.
ويعرّف التقرير العقائدي الاشتراكية بأنها (الملكية العامة لوسائل الإنتاج). وإنها نظام اجتماعي يخلق ظروفاً موضوعية، اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية، تحرر الإنسان من جميع أنواع الاستغلال والتسلط. وأن تحقيق المجتمع الاشتراكي - كما يقول التقرير - لا يمكن أن يأتي إلا عبر تعبئة الجماهير الشعبية من عمال وفلاحين ومثقفين ثوريين بقيادة طليعة منظمة تنظيماً قوياً.
ويعتبر التقرير أن من أهم الخطوات الأولى في تحقيق الاشتراكية هي في تأميم وسائل الإنتاج الكبرى والنقل والتجارة الخارجية والداخلية والملكية الزراعية الكبيرة، بتطبيق مبدأ: (الأرض لمن يحرثها).
يتبع