مع بداية العام الثالث للثورة السورية
أبو طلحة الحولي
تمر الأيام والشهور والإعلام والساسة مخدرون في تيههم ومخدرين لغيرهم ، مشغولون بالتعداد السكاني للثورة .. كم شهيدا استشهد اليوم ؟ وكم لاجئا التجأ إلى هنا أو هناك ؟ وكم بيتا دمر ؟ وكأن الثورة هي مجرد تعداد للشهداء واللاجئين والبيوت المدمرة .. متناسين المعتقلين والمفقودين وكأنهم خارج التعداد ...
متناسين تعداد الصابرين والصابرات والثابتين والثابتات والمضحين والمضحيات .. والمنفقين والمنفقات ..
متناسين الصورة المشرقة الجميلة في التضحية والفداء والبذل والعطاء والنماء والمروءة والسخاء والجود ..
متناسين حقيقة العداوة الروسية الإلحادية ، والمكر الأمريكي الصهيوني ، والتقية الإيرانية المجوسية ، وما يخططون وما يرسمون للقضاء على الثورة لأنها ثورة إسلامية سنية ..
وتمر الأيام والشهور والسنون وهناك حقائق يجب أن لا نمل ولا نكل ولا نسأم ولا نيأس من تكراراها والتذكير بها ونحن نتحدث عن الثورة السورية في بداية عامها الثالث :
أولا : النصر آت وقريب جدا ، فلا يتراجع أي ثائر عن واجبه ، ولينهض الواقفون على الحياد ، فلا حياد بعد اليوم .. إما مع الوحش وسوء الختام وإما مع الثوار وحسن الختام .. لا حياد بعد اليوم ، ولا خوف على سوريا ، ولا خوف على الإسلام ، وإنما يجب أن نخاف على أنفسنا إذا سئلنا في هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة بين يدي الله سبحانه عن دماء المسلمين ماذا فعلنا لها ؟ ولماذا لم ننصرها ؟ ولماذا وقفنا على الحياد نتفرج عليها وهي تسفك ؟
يجب أن نخاف على أنفسنا عندما لم نقف وقفة واحدة أمام الظلم والطغيان وجبروت الوحش ، فالظلم والطغيان إلى زوال ، والعدل والإحسان إلى خلود .
يجب أن نخاف على أنفسنا عندما لم نفهم أحاديث الفتن كما فهمها السلف الصالح وجمهور العلماء والمحدثين ، فاختلط الحابل بالنابل ، وتم تطويع الأحاديث والآيات في خدمة الشيطان على مبدأ " فويل للمصلين " ثم نقف ولا نكمل الآية .
يجب أن نخاف على أنفسنا عندما لم نأخذ على أيدي علماء السوء ونحجر عليهم ، وعلى فتاويهم ببيان جامع شاف يوقع عليه علماء ومحدثي وفقهاء الأمة .
طوبى للشام فالنصر آت ، وبعد الليل نهار ، وبعد الموت حياة ، وبعد الدنيا آخرة ، { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } ( الشرح : 5-8)
ولن يغلب عسر يسرين فابشروا وأبشروا وأبشروا إنكم لمنصورون .. عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (أنه بلغه أن أبا عبيدة حصر بالشام ، وقد تألب عليه القوم ، فكتب إليه عمر : سلام عليك ، أما بعد : فإنه ما ينزل بعبد مؤمن من منزلة شدة إلا يجعل الله له بعدها فرجا ، ولن يغلب عسر يسرين) رواه الحاكم في "المستدرك" بسند صحيح ، قال فيه الحاكم : صحيح على شرط مسلم . ووافقه الذهبي في "التلخيص"
ثانيا : يجب أن نؤمن ونعتقد ونتصرف ونعمل من خلال كافة المستويات ومن كافة المنابر الداخلية والخارجية وبكل الوسائل المقروءة والمرئية والصوتية والالكترونية أن الثورة السورية لها وزن بين القوى العالمية وأنها تشكل ثقلا كبيرا يدفع العالم الغربي والشرقي وعلى رأسهم أمريكا وروسيا وإيران إلى إحباط وتخذيل ومحاربة نهوض هذه الثورة المباركة .. فالعالم يخشى أن يتم التفاعل بين إنسانية الإنسان في هذه الثورة ، وبين الإسلام والموقع الجغرافي ..
لأنه إذا تم هذا التفاعل لم يعد لأمريكا وجود .. فأمريكا تستمد وجودها من خلال الهيمنة على الدول والشعوب .. والثورة لن تسمح لها بالهيمنة على الشعب السوري ، ثم لا ننسى أن أمريكا مولودة على أشلاء التدمير والتهجير والدماء لأصحاب الأرض الحقيقيين ..
لأنه إذا تم هذا التفاعل لم يعد لروسيا وجود ..فروسيا تغرق وتحاول الإمساك بأي قشة لتثبت وجودها وأنها ما تزال دولة قوية ..
لأنه إذا تم هذا التفاعل لم يعد لإيران وجود .. فإيران كالطفيليات تقتات على الآخرين ..
وبناء على هذه النظرة ما زال العالم يحارب الثورة علنا وسرا ومن فوق الطاولة ومن تحت الطاولة .. منتظرا البديل الذي يرتبط به بقيود التبعية الفكرية والاقتصادية والسياسية ...
وهذا الأمر استدعى من أمريكا وأوربا وروسيا وإيران رصد حركات الثورة وتياراتها وخلافاتها وأفرادها وتنسيقياتها وناشطيها ومؤيديها ومعارضيها وكل ذلك لضرب الثورة وحرفها عن مسارها الطبيعي الفطري .
ثالثا : لا أحد مخلد . والوحش اليوم أو غدا سوف يفطس .. ولكن ماذا أعد الثوار والمعارضة لهذا اليوم المفاجئ ؟!!!
فاللجان المختصة بالثورة في أمريكا وأوربا وروسيا وإيران تعمل ليلا ونهارا في رصد مستقبل الثورة ، ما بعد الوحش ... فأين اللجان المختصة بالثورة من أبناء الثورة ؟!!
إن الحوادث التي تشكل منعطفات تاريخية لا تقع فجأة بل يسبقها الرسم والتخطيط والتمهيد لظهورها ، ولنا في كارثة القضاء على الجهاد الأفغاني درسا ، وفي كارثة العراق درسا .. فهذه الكوارث التاريخية لم تصنعها كائنات فضائية وإنما أناس لهم غايات وأهداف ومخططات عملوا بجد وصبر على اصطياد الأزمات وحرفها لمصلحتهم وخدمتهم .. شعارهم " بطئ ولكنه أكيد المفعول " .
إن أعداءنا الذين يخططون ويرسمون هم بشر مثلنا يخطئون ويصيبون وليسوا ملائكة فلماذا لا نخطط ولا نرسم ولا نستعد لتمكين النصر ، وليس لمجرد النصر .. فالوحش زائل لا محالة ولكن الاستمرار في منع مجيء الوحوش بعده هو الأهم !!!
لقد وقع اللغط والخلاف والتشرذم في سياسة الثورة من الخارج ، وحتى لا يتكرر هذا اللغط والتشرذم في بناء الثورة وبناء الدولة وبناء الإنسان الصالح في سوريا ، وجب الاستعداد والإعداد والتجهيز لهذا البناء على أسس ثابتة ، ومقومات قوية وأعمدة راسخة وفق المنهج الرباني الذي كرم الإنسان .
وحتى لا يزرع الثوار ويحصد غيرهم الثمرة يجب على علماء ودعاة الأمة الإسلامية ومفكريها عقد مؤتمرات وندوات وورش عمل حول بناء الدولة وبناء الإنسان الصالح مستفيدين من عثرات وأخطاء الثورة التونسية والليبية والمصرية واليمنية .. فثورة سوريا ثورة حياة للعالم بشكل عام والأمة الإسلامية بشكل خاص .
رابعا : قلت مرارا أن الثورة السورية غير الثورة التونسية والليبية والمصرية واليمنية ، ولهذا فإن الدولة اللقيطة المحتلة لفلسطين تعتبر من حقها أن تؤمن مستقبلها وهذا ما تفعله أمريكا وروسيا والغرب كافة من تصرف في قضايا الشعوب الأخرى التي ترى أنه قد يكون سببا في إزعاج هذه الدولة اللقيطة فضلا أن يكون سببا في إزالتها .
وهذا ما يفعله العالم فيتصرف في الثورة السورية وكأنها مُلكٌ له ، بينما الدول العربية ما تزال واقفة مكتوفة الأيدي ..
ولهذا على الدول العربية أن تعود إلى الله وتعيد النظر من جديد في علاقاتها مع الغرب وفق ما يمليه عليهم واقع الثورة الجديد ، فسوريا بعد إزالة الوحش مختلفة تماما بعون الله عما كانت عليه أيام الوحش ...
سوريا الحرية والكرامة والبناء والعمل الجماعي لصالح الدول العربية والإسلامية لرفع راية العبودية لله وحده ، فلا هيمنة لأمريكا ولا دندنة لروسيا ولا تسلق لإيران .. كل يعرف حجمه الطبيعي وسوريا التي ترفع شعار " هي لله هي لله " تعرف حجمها الطبيعي في مسؤوليتها عن تحرير فلسطين وتحرير العالم من الظلم والطغيان .
خامسا : إن الثورة السورية هي ثورة الأمة بكاملها ، وهي ثورة حضارية بما تملكه من أسس ومبادئ ومقومات عقائدية وأخلاقية وسلوكية ومادية تنعكس على الإنسان ليكون لدينا الإنسان الصالح المتوازن بين المادة والروح ، سواء كان هذا الإنسان مسلما أو غير مسلم ، سوريا أو غير سوري .
ولذا يجب تعظيم القيم الإسلامية التي تقوم بها الثورة وتحطيم وتحقير القيم الغربية التي تبني الإنسان المسخ ( مادي بلا روح) مع التركيز على إبراز السلوك العقدي والأخلاقي في تعامل الثوار مع المخالف ومع العدو .. فيجب إيصال هذه الرسالة الحضارية لهذه الثورة المباركة لجميع العالم شرقه وغربه ، وإبرازها على كافة الوسائل الإعلامية والالكترونية والفضائية .
فالثورة ثورة هداية للبشرية بإذن الله عز وجل .. لا تحب الدماء والقتل والتدمير وإنما البناء والسلام ولا تعرف الإرهاب وإنما حب الحياة ومجاهدة الإرهاب سواء كان محليا من الوحش وشبيحته أو خارجيا من الدولة اللقيطة المحتلة لفلسطين، أو من منبعه في الغرب ...
وأخيرا : يا الله لا نعبد غيرك ، هذا هو شعار المرحلة القادمة ، فالنصر آت آت بإذن الله لا محالة وكما ابتدأت الثورة باللجوء الى الله رافعة شعار "يا الله مالنا غيرك " كذلك نهايتها هو اللجوء إلى الله " يا الله لا نعبد غيرك " " فمن صحت بدايته صحت نهايته " وهكذا تنطلق مسيرة بناء سوريا بمعية الله .. لا بمعية الشيطان الأمريكي أو الروسي أو الإيراني .
{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ( الفاتحة : 5)
{ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ( آل عمران : 26)
والله أكبر والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين.....