من يعطل عودة البرلمان؟!
من يعطل عودة البرلمان؟!
بدر محمد بدر
تنظر المحكمة الإدارية العليا صباح اليوم الأحد في الطعن المقدم من هيئة قضايا الدولة وآخرين، على حكم محكمة القضاء الإداري يوم الأربعاء قبل الماضي، بوقف قرار السيد رئيس الجمهورية، الخاص بتحديد موعد بدء إجراء الانتخابات، لاختيار أعضاء مجلس النواب الجديد.
وأتمنى أن تقرر المحكمة وقف تنفيذ حكم القضاء الإداري، وأن تقضي باستمرار إجراءات فتح باب الترشيح، وتنفيذ الجدول الزمني بعد تعديله، وبالطبع ليس لأن لي اجتهاد قانوني يؤيد هذا الاتجاه، فهناك من يختص بذلك من رجال القانون المحترمين، ولكن لأني أعتقد بأن انتخابات مجلس النواب المقبل هي بوابة الاستقرار السياسي في مصر، ووسيلة طبيعية لمعرفة الأوزان النسبية للقوى والأحزاب السياسية، سواء من ذوي المرجعيات الإسلامية أو العلمانية أو غيرها.
وأيا كان حكم المحكمة الإدارية العليا اليوم، سواء باستمرار تنفيذ حكم القضاء الإداري، أو بوقفه وإلغائه، فهو محل احترام وتقدير، وهو واجب التنفيذ بالطبع، ولكن علينا أن نتساءل بوضوح: من الذي يحاول تعطيل بناء البرلمان القادم، وهو أهم مؤسسة تشريعية يحتاج إليها الوطن، وما هو الهدف من وراء بذل كل الجهود الممكنة من أجل منعه أو تأخير انعقاده على الأقل، سواء بإحداث الشغب والفوضى في الشارع أو بممارسة سياسية التحريض في وسائل الإعلام أو باستخدام القضاء؟
المسألة في اعتقادي ليست مشكلة قانونية حقيقية، لأن القانون في الأغلب حمال أوجه، وكم رأينا وتابعنا العديد من الاجتهادات القانونية من خبراء كبار تتصادم وتتعارض مع بعضها البعض، بل هي بالتأكيد مشكلة سياسية، تتعلق بمدى قبول الأحزاب والقوى السياسية المعارضة لآليات العملية الديمقراطية، ومدى قناعتهم وقبولهم الاحتكام إلى الصندوق الانتخابي للوصول إلى السلطة، وهي المسألة التي أثبتت الأحداث والوقائع والمواقف أنها لا تزال، مع الأسف الشديد، بعيدة المنال!
تأجيل انتخاب البرلمان القادم هو تعطيل لأقوى أداة من أدوات الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتشريعي، مصر في أشد الاحتياج لها الآن، وهي محاولة لاستمرار حصار الرئيس وحكومته، ومنعهم من تحقيق أي إنجاز عملي ملموس يصل إلى الناس، وهي في النهاية عدوان على قيم وأهداف ثورة 25 يناير، التي طالبت بالحرية والكرامة الإنسانية والعدل الاجتماعي، والحرية تعني أولا احترام إرادة الشعب، والعدل الاجتماعي يعني تحسين أحوال الناس المعيشية.
منذ تسعة أشهر ومصر بدون مجلس تشريعي ورقابي، لأن مجلس الشعب السابق، الذي كان الأكثر نزاهة وديمقراطية في تاريخ مصر، وتآمر البعض لاغتياله بدم بارد في ليل بهيم، كانت مشكلته لدى العلمانيين أن غالبيته من التيارات الإسلامية، فهل يتصور من يحاولون الآن تعطيل انتخاباته، أنهم سوف ينجحون في قلب المعادلة رأسا على عقب، ويشكلون هم وليس أصحاب المرجعية الإسلامية، أغلبية مقاعد مجلس النواب الجديد؟! بكل تأكيد هذا وهم لا يقوى على مواجهة الحقيقة.
أعتقد أن واحدة من النتائج الرائعة لثورة 25 يناير، أن الشعب المصري أصبح أكثر وعيا ونضجا من الناحية السياسية، ولديه كل الإصرار والقدرة على امتلاك قراره وإثبات وجوده، وعدم الخضوع لأي ابتزاز سياسي أو قبول الإقصاء أو التهميش أو الظلم مرة أخرى.
الآن أو في المستقبل القريب بإذن الله، سوف يختار الشعب المصري الحر أعضاء برلمانه الجديد، وسوف يمارس المواطن دوره ومسئوليته في رسم معالم المرحلة المقبلة، وسوف تنكشف بالتالي هذه الحالة السياسية للأحزاب العلمانية عن مفاجآت مدوية، وسوف يدرك ساعتها من لم يدرك، مدى وعي وذكاء شعب مصر الحر، ولعل من ينجح في الهدم، ربما لا يمتلك القدرة على إعادة البناء.