وفاة مجلة أدبيـة!
أ.د. حلمي محمد القاعود
أسفت لتوقف مجلة الآداب البيروتية عن الصدور بعد ستين عاما لأسباب مادية. لم يعد حال المجلة في العقدين الأخيرين كما كان في بداياتها, فمنذ اشتعلت الحرب الطائفية في لبنان عام1975 تأثرت الصحافة بصفة عامة,
وانتقل عدد منها إلي المهاجر الأوربية لتصدر في باريس ولندن ونيقوسيا وروما, وبقيت المجلات الأدبية صامدة, وحاول بعضها مثل الآداب والأديب والعلوم أن يتكيف مع وضع الحرب المأساوي, فيصدر علي فترات متباعدة, أو في هيئة متواضعة, وقد تمثل الصمود النموذجي في مجلة الأديب التي كان يصدرها ألبير أديب حيث وصلت قذائف المتحاربين إلي بيته الذي فيه مكتبه! كان الرجل طاعنا في السن, ولكنه استمر في نشرها حتي وفاته.
في الستينيات والسبعينيات نشرت موضوعاتي الأدبية والنقدية في الأديب والآداب. كانت كل منهما سفيرا يؤكد دور لبنان الثقافي في تجميع الصفوة الأدبية والثقافية العربية من المحيط إلي الخليج, بعد أن توقفت الرسالة والثقافة في إصدارهما الأول والثاني.
لقد أخفقت وزارة الثقافة عندنا أن تقدم مجلة أدبية ذات صدي في العالم العربي والإسلامي كما كانت تفعل الرسالة التي أصدرها الزيات علي مدي عشرين عاما تقريبا. كانت تستقطب كتابا من كل البلاد العربية والإسلامية ومن مختلف الاتجاهات والتصورات, وكان الزيات يحررها بنفسه, ويساعده موظف إداري وعامل يذهب إلي المطبعة. لم تكن هناك هذه الجحافل التي تتصدر ترويسة مجلاتنا الثقافية التي لا يسمع بها أحد: رئيس مجلس الإدارة ونائبه ورئيس التحرير ونوابه ومدير التحرير وسكرتير التحرير والمدير الفني ونوابه, ومدير الإدارة و.. لم تكن هناك ميزانيات كبيرة لإصدار مجلات المرتجع منها أكبر من المطبوع وفقا للنكتة الشهيرة, ولم يكن بعضها مخصصا للدفاع عن الوزير وتجلياته الفاسدة وغزواته التخريبية واستقالاته المسرحية وجوائزه الحرام. فقط كانت هناك مجلة جادة وراءها أديب جاد, وهو ما يجعل رحيل مجلة الآداب خسارة كبري للأمة, فقد فتحت آفاقا للتفاعل والتطور الفكري والثقافي والشعوري, ولم تتبن سياسة الإقصاء والتهميش والاستئصال كما تفعل مجلاتنا الحكومية الفاشلة.