أبدا لن تسقط مصر
عزة مختار
في حوار بيني وبين أحد ضباط الجيش المنوط بهم حماية العملية الانتخابية وضمان سيرها بنزاهة وحيدة وذلك في جولة الإعادة في المرحلة الولي في انتخابات مجلس شوري ما بعد الثورة ، سألته عن حالة الفوضى والبلطجة التي تتزايد يوما بعد يوم في مصرنا الحبيبة ، سألته عن تهاون الجيش وعدم مواجهته الأمر بشدة وضرب علي يد المفسد والبلطجي والمجرم الذي باع نفسه ببضعة دولارات في مقابل الوقيعة بين الجيش والشعب ، والوقيعة بين الشعب والحكومة الانتقالية ، والوقيعة بين الشعب والثوار ، والوقيعة بين الشعب ونفسه ، في الوقت الذي ندرك فيه جميعا أن الجيش المصري عنده المقدرة علي فعل ذلك إذا أراد ؟ لماذا هذا الصمت المريب وهذا السكوت الذي تغلفه تساؤلات كثيرة حول ترك الحبل علي الغارب لمن يشعلون الحرائق في النفوس وفي البنية التي هي في الأصل ملكا للشعب وهو الخاسر الأول والوحيد في ذلك الانهيار ؟ لمصلحة من نترك البلطجي يفسد العلاقة بين الثوري الحقيقي وبين الشعب المتحير فيما يحدث والذي مل الانتظار كي تستقر الأمور بعدما أطلق ثقته بلا حدود في جيشه ؟
فقال لي بأسي يشوبه الغضب : ألا تعرفين كم الضغوط الخارجية والداخلية التي يتعرض لها المجلس العسكري ؟ ، إن المجلس العسكري مطلوب منه الآن أن يستمر في تحسين العلاقات الخارجية التي أفسدها النظام السابق ومحاولة استعادة دور مصر الريادي في المنطقة ، ثم الدور الداخلي في الحفاظ علي استقرار مصر مع ما تتعرض له الدولة من مؤامرت من الخارج والداخل ، فهناك العدو الخارجي الذي يتربص بنا علي حدودنا الشرقية ، وهناك الفلول من الحزب المنحل ، وهناك المتآمرين في طرة والذين ما زالوا ينفقون الأموال الكثيرة في سبيل زعزعة الأمن ونشر الفوضى حتى لا ينعم الشعب بثورته التي ذهبت بهم ، ثم بعض الشباب المتعجل والذي لا يدرك حجم تلك الضغوط ، أتدري ـ والكلام له ـ أننا لو استخدمنا القوة في فض تلك الاشتباكات التي تقع في محيط الداخلية أو مجلس الشعب أو غيرها من المؤسسات التي كما قلتي هي ملك للشعب لقامت المليونيات للتنديد بالجيش الذي استولي علي البلد والذي يريد أن يجهض الثورة والذي يريد أن يعود بالشعب إلي ما قبل الثورة التي حررت الإنسان من الخوف والعبودية . ثم الفضائيات التي هي في الحقيقة مسخرة لتلك القلة التي سخرت وقتها ومالها لإثارة الفتن والقلاقل والتشكيك ليس في المجلس العسكري وحده وإنما حتى في المؤسسة التي اختارها الشعب المصري لأول مرة في حياته بإرادة حرة عبر صناديق الاقتراع ، لكن الاختيار لم يكن علي هوي هؤلاء ، أسقطهم الشعب فأرادوا هم له السقوط وغلفوا كلامهم زيفا بمصالح الوطن . . .
ثم يا سيدتي يجب أن يعلم الجميع عن جيش مصر نظرته للدماء ، إن الدم عندنا غالي ، وإن سقوط إنسان عندنا ليس بالأمر السهل مهما كان انتماؤه أو اتجاهه ، ولتعلمي أن جيش مصر لا يحوي أناسا من خارج مصر إنما هو من كل بيت مصري ، فالشعب هو آباؤنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا وأبناؤنا وبناتنا ، إننا لسنا فصيلا منفصلا عن حياة المصريين وإنما جزء منهم نعيش مثلهم ونعرف آمالهم وآلامهم ، لأنها ببساطة هي آلامنا وآمالنا ، ولن يسمح جيش مصر أبدا بسقوط مصر ، لأنها أقوي من الجيش وأبقي ، وقد أقسمنا يوما علي حمايتها والسهر علي أمنها ، وحين نشعر بالخطر فسنكون يدا واحدة مع الشعب العظيم للتصدي لتلك المحاولات .
قلت له : إذن ما الحل فيما نحن فيه اليوم ؟ وما السبيل إلي القضاء علي تلك الفوضى التي كادت تطيح بكل المكتسبات ؟
فقال بحماسة : الحل عند الشعب ، عند كل أم تري ابنها يخرج وقد باع كل القيم وذهب إلي مؤسسة يمتلكها الشعب ليحرقها ، الحل عند الشباب الشرفاء الذين قاموا بالثورة وبذلوا الدماء والأرواح في سبيل حرية الوطن الحل عندهم أن يتمايزوا ويميزوا بين الصالح والطالح ، بين الغث والثمين ، بين الأصلي والمزور ، وهو علي ذلك قادر ، الحل عند كل أب يربي ابنه علي احترام الملكية العامة وأن الوطن أغلي من المال ، وأن الشرف أغلي من النفس وان التعبير عن الرأي له سبله وطرقه التي لا تتعارض مع الحفاظ علي الأمن للوطن والمواطنين ، الحل باختصار هو بيد كل مصري عظيم استطاع بصوته فقط وبسلمية حسدنا عليها العالم كله أن يقتلع جذور نظام قد حسبنا جميعا أنه لن يسقط يوما...