السمات الإنسانية للمربي الناجح
عزة مختار
القلب الواسع ، حب الناس ، بشاشة الوجه ، العقل المتفتح ،الشعور بآلام الغير ، تقدير إنسانية الإنسان واحتياجاته ، الاعتراف بضعف الإنسان تجاه بعض الأشياء كاحتياجه إلي الحب والرعاية والشعور بالدفء والأمان والصحبة الصادقة والشعور الدائم بالاحتياج إلي الحنان والعطاء الغير مشروط وقد يعتبر البعض أن ذلك ضعف مذموم في الطبيعة البشرية في معظم الأحيان ولكنني علي العكس أري أن ذلك الضعف هو قمة جمال وكمال النفس الإنسانية ، قراءة العيون الحزينة والقلوب الجريحة والاحتياجات المحرومة والاعتراف بها وتقديرها ومواساتها والبحث معها عما يطيب تلك القلوب في رحاب شريعة الله التي تتسع للمشاعر الإنسانية وتقدرها وتداوي جراحها .
تلك هي أهم سمات المربي الإنسانية في نظري ـ ، سمات تلازمه أينما حل أو ارتحل . تجده بين الأطفال كأنه طفل منهم يلاعبهم ويداعبهم ويمرح معهم بقلبه الطيب وروحه الطاهرة ، لا تزعجه ضوضاءهم ، ولا تضايقه مداعباتهم البريئة ، تجده مع المسرفين علي أنفسهم في الذنوب والمعاصي وكأنه الطبيب المداوي الحريص علي برء جرح من يداويهم ، يأخذ بيدهم بيد حانية وعيون معبرة عن حب مخبوء في القلب لا تخفيه قسوة الظروف أو توالي المحن .
مستمع جيد لأنات المجروحين وشكاوي المظلومين في وقت قل فيه من يستمع لشكوى الآخر وعزت فيه النصيحة لله إلا ممن هم مثله دعاة ومربين علي طريق الهدي ممن اصطفاهم الله لحمل تلك الأمانة ، ومشارك دائم لأفراح كل من حوله .
طلق الوجه ، يخفي همومه ، بل يذيبها في هموم الآخرين ، ادخر نفسه للغير فحتما سيحمل الله عنه ما يهمه ، ينطبق عليه قول النبي صلي الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في صحيحه
( إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق ) .
لا يقلل من قيمة أي معروف ولو كان مجرد مصافحة باليد وإلقاء سلام وابتسامة كما قال – صلى الله عليه وسلم ( لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق ) رواه الحاكم والبيهقي في شعب الإيمان .
يقول الإمام البنا رحمه الله ( سنقاتل الناس بالحب ) . ومعني هذه الجملة الرائعة أننا سنستوعب أخطائهم وسنتحمل زلاتهم ونوجههم بالحب والعطف والرأفة والحلم وبذلك نكسب قلوبهم ونوجهها لطريق الله عز وجل ، وعلي مدي التاريخ لم تجد مربي أو داعية غير رءوف بالناس رحيم بهم متغاض عن زلاتهم حتى يصل بهم إلي بر الأمان .
واليوم يمر الشباب خاصة بظروف قاسية من انفلات أخلاقي في كل الأوساط ابتداءا من الشارع الذي يسيرون فيه مرورا بوسائل الاتصال المتاحة في كل مكان حتى يسرت الرزيلة والانحلال والتكشف والاتصال السهل ، حتى وسائل الإعلام الفاسدة التي أحالت الحرام حلالا واقتحمت حتى غرف النوم فأثارت فيهم ما لا يستطيعون تلبيته بوازع الدين وقلة الحيلة وغلاء المعيشة وعفاف تحاربه كل الوسائل ، فلا يبقي أمامه سوي الغضب المكبوت ونفس مكسورة تبحث عمن يفهمها فلا تجد ، فالآباء مشغولون بالبحث عن لقمة العيش ، والأمهات غالبا ما يشاركن الآباء نفس المهمة في الوقت الذي يستنكرون علي النشء الحديث في هذه الأمور ، فتنطوي الفتاة علي نفسها وينطلق الشاب خارج البيت وسط فتن لا حصر لها وإن لم يكن يحمل قلبا كقلب يوسف الصديق فلن ينجيه من تلك المحاذير شيء ، هؤلاء الشباب يحتاجون في هذا الوقت لمن يسمعهم ويشعر بهم بعقل واعي متدبر وقلب رقيق لا ينكر فطرة الله ولا يطلب منهم المستحيل ، لا ينفر مما يسمع وإنما يحاول الوصول بهم كالغرقى إلي بر الأمان دون خسائر .
ومن غير المربي الذي تصدي لمهنة الأنبياء يفعل ذلك ، يتحمل ويسمع ويعرض الحلول الغير معجزة والغير مستحيلة ، لكنها في نفس الوقت تنبع من شرع الله الخبير بالنفوس .
إنه سمت وريث الأنبياء ، الوجه الطلق ليس مع المتربين فقط وإنما هو كذلك مع كل الناس . يقول د. ريتشارد كارلسون
ابتسم في وجه الغرباء وانظر في عيونهم وقل لهم مرحبا ، هل لاحظت أو فكرت في مدى التأثير الذي يمكن أن تتركه نظراتنا على علاقاتنا بالآخرين؟ ولماذا؟ هل نخاف منهم؟ ما الذي يمنعنا من أن نفتح قلوبنا لأناس لا نعرفهم؟
في الحقيقة ليست لديّ إجابة لهذه الأسئلة ولكني أعلم تماما أن هناك توازنا دائما بين مواقفنا تجاه الآخرين ودرجة سعادتنا .. بعبارة أخرى ليس من المألوف أن نجد شخصا يمشي مطأطأ الرأس يشيح بوجهه بعيدا عن الناس ويكون في نفس الوقت مرحا وينعم بالسلام الداخلي.
وأنا هنا لا أقول أنني أفضل الانفتاح على الانطواء أو انك يتوجب عليك استنفاد كل طاقتك محاولا أن تسعد الآخرين وتضئ لهم حياتهم أو انك يتوجب عليك أن تتظاهر بالود والصداقة ولكني أقول انك إذا اعتبرت الآخرين أناسا مثلك وعاملتهم ليس فقط باحترام وعطف ولكن بالابتسامة والتواصل معهم فإنك لابد ستلاحظ أن هناك بعض التغيرات الطيبة تطرأ على شخصيتك .. سوف تبدأ في إدراك أن الناس مثلك تماما معظمهم لديهم عائلات والناس الذين يحبونهم ومعظمهم لديهم أيضا اهتماماتهم والأشياء التي يحبونها والأشياء التي لا يحبونها والأشياء التي يخافون منها .. الخ .. أيضا فسوف تلاحظ أن الناس يصبحون لطفاء وممتنين لك عندما تكون أنت الذي تحافظ على تواصلك معهم وعندما تدرك أن الناس جميعا متشابهون فهنا سوف ترى البراءة في عيون الناس جميعا .. بعبارة أخرى رغم أننا جميعا نقع في الخطأ إلا أن معظمنا يبذل قصارى جهده لمعرفة كيف حدث هذا الخطأ في ظل الظروف التي تحيط بنا ودائما فإن رؤية البراءة في عيون الناس تكون مصحوبة بشعور عميق بالسلام الداخلي.
في هذه الكلمات التي نملك في تراثنا ما هو أعظم منها يربط ريتشارد كارلسون بين إسعادك للآخرين وسعادتك أنت شخصيا ، فكلما بذلك في سبيل حصول الآخرين علي السعادة فسوف ينعكس ذلك لا محالة عليك
ونحن كمسلمين ودعاة ومربين أولي الناس بهذا ...والي حلقات أخري نعرض فيها مستلزمات إنجاح العملية التربوية والله سبحان ولي التوفيق.