رؤية المربي الناجح ورسالته

عزة مختار

[email protected]

لن تستطيع سفينة أن تبحر بلا ربان يقودها عالما بأمور القيادة ومدركا لمخاطر الإبحار ، يعرف المواني ويعرف من تأتي العواصف ومتى وكيفية القيادة وقتها والتحكم في السفينة في الأوقات الصعبة والعبور بها إلي شاطئ الأمان ، والمربي الماهر كالربان الماهر يعرف ماذا يريد وكيف يحققه ومتى سيحققه ولماذا يفعله ، وذلك هو ما نقصد به الرؤية والرسالة .

يقول الله عز وجل في كتابه العزيز محددا مهمة خلق الإنسان في هذه الدنيا " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون  ما أريد منهم من رزق  وما أريد أن يطعمون " الذاريات 56 ، 57   

ويقول سبحانه "وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مُخلصين له الدين حُنفاء ويُقيما الصلاة ويُؤْتوا الزكاة وذلك دين القيمة"

ويقول نبينا محمد صلي الله عليه وسلم " يا معاذ أتدرى ما حق الله على عباده ، أن يعبدوه ولا يُشركوا به شيئا"

ومن ذلك الكلام الطيب كلام الله عز وجل وكلام خاتم الأنبياء  يستطيع المربي  أن يحدد رسالته أو مهمته ورؤيته وأهدافه التي لا يستطيع إنسان أن يسير بدونهما إذا أراد السعادة والنجاح والتوفيق .

ومهمة المربي هي تحقيق معني العبودية لله والتمكين لها في الأرض بالتعبد له وتعبيد عباده له ، ولم يحدد تلك المهمة إنسان وإنما حددها الله سبحانه كما تبين لنا من خلال الآيات السابقة ، فلنتخيل إنسانا ما قد تصدي لعملية التربية دون أن تكون له تلك الرسالة الواضحة فكيف يتسنى له أن يصمد في وجه الصعوبات والمشاق والتضحيات الجسيمة التي يتوجب عليه أن يبذلها مع الناس أثناء سيره في طريقه ؟ وكم سيصمد في وجه تلك التحديات ؟ إن المربي يتحمل من عنت الناس علي اختلاف شخصياتهم ومداخلهم واختلاف أحوالهم ما لا يتحمله إلا إنسان يبتغي مرضاة ربه ويحتسب وقته وجهده وعمله في سبيل الله ، يلتمس رضاه ويسأله الجنة ويخاف غضبه وعذابه فيهون عليه في سبيل ذلك كل الصعاب .

والرسالة بذلك هي غاية الإنسان من دنياه  أو هي دوره في الحياة  وبذلك لا بد لكي تحقق تلك الرسالة من وسائل أو رؤي أو أهداف ، بمعني أنه لو كانت رسالة إنسان مثلا أن يسود العلم في بلده فيضع لنفسه هدفا بأن يصير معلما ثم يكون وزيرا للتعليم  ، الخطوة الولي ثم الثانية ثم الثالثة إذا وجدت تسمي مجموعة أهداف مرحلية وتلك هي ما يسمي إجمالا بالرؤية  .

فرؤية المربي هي خطته في الوصول إلي هدفه أو رسالته التي هي كما قلنا تعبيد الناس لرب العالمين ـ علي سبيل المثال ـ  فيمكن أن تكون الرؤية  مجملة ـ خطة واحدة ـ أو خطة مرحلية كأن يقول : الهدف الأول أن أصل بأطفال عائلتي إلي الحفاظ علي ارتياد المسجد في الصلوات الخمس في موعدها .

الهدف الثاني : أن يحفظ هؤلاء الأطفال  ربع القرآن الكريم في مدة عام  علي أن يكون في كل شهر جزء كامل  من القرآن والمراجعة في المدة الباقية من العام .

الهدف الثالث : أن يصير هؤلاء الأولاد قدوة لغيرهم من أبناء الحي فيصير العدد إلي الضعف 

وهكذا يمكن أن يضع كل مربي مجموعة من الأهداف حسب المهمة التربوية التي تصدي لها من تربية نشء أو شباب .

ولا بد من وضع مقاييس يقوم بها المربي بقياس نجاحه اطمئنانا منه علي سيره علي الطريق الذي ينتهجه ، فمن وضع هدف لتحفيظ نصف القرآن في عام فإذا مر نصف العام ولم ينتهي سوي من جزء واحد فهناك خطأ ما في التنفيذ ولا بد له من مراجعة نفسه ويعدل خطته ووسيلته . 

أخي المربي ، أختي المربية  هناك أناسا كثيرون لديهم رؤية بدون رسالة وأناساً آخرون  لديهم رسالة دون رؤية وآخرون لا رسالة ولا رؤية .

وللآسف الشديد كثير من الدعاة إلي الإسلام اليوم لديهم الهدف السامي والرسالة السامية لكنهم لا يملكون رؤية واضحة لتحقيق تلك الرسالة فيكون مصيرهم الفشل في المهمة وعدم النجاح إلا النجاح المتواضع ، وآخرون لا يملكون رسالة أو مهمة في الحياة لكنهم تتوفر لديهم الرؤية فيحققون النجاح الدنيوي والمال الوفير لكنهم لا يحققون السعادة والراحة النفسية لابتعادهم عما خلقهم الله له لكن العدالة الإلهية التي تعطي النجاح من يعمل ويجتهد

سواء كان مسلكا أو كافرا ، وهناك من يملكون لا هذا ولا ذلك فهم كالأنعام بل هم أضل إمعات كالأرض الميتة لا تحفظ ماءا ولا تنبت زرعا .

وأملنا في المربي الذي يؤتي الخير كله ويمسك بدفتي النجاح فلسنا أقل من طلاب الدنيا ونحن أصحاب الرسالة السامية ، فالإنسانية اليوم أحوج ما تكون لذلك المربي الرباني الذي يملؤها عدلا كما ملئت.