الواجهة الثقافية
الواجهة الثقافية
أ.د. حلمي محمد القاعود
يحكي الدكتور حامد أبو أحمد أستاذ الأدب الإسباني المعاصر علي صفحات كتابه المهم الشهاب كيف قام أدباء أمريكا اللاتينية بدور رائع في مقاومة الطغيان والديكتاتورية.
وكيف كان للكلمة فيما يعرف بجمهوريات الموز دور تاريخي في إسقاط الحكام المستبدين, وتقديم أدب رفيع استحقوا عليه أرفع الجوائز العالمية.
في بلادنا كانت الواجهة الثقافية علي مدي ستين عاما مضت لنفر من الكتاب آثروا الانحياز للطاغية أيا كان اسمه وإمكاناته, تشجيعا له علي قهر الشعب.
أدباء أمريكا اللاتينية صنعوا من الكلمة سلاحا للحرية والأمل والمستقبل, فسقط العديد من الطواغيت, وامتلكت شعوبهم روحا قوية للمقاومة ودحر الفساد, وهاهي البرازيل علي سبيل المثال تقود نموذجا للبناء والعمل والإنتاج والمشاركة في الاقتصاد العالمي.
الواجهة الثقافية في مصر منذ مطالع القرن العشرين حتي منتصفه تقريبا كانت تضم أعلاما يحاربون الاحتلال والاستبداد, ويقاومون الثالوث المدمر: الجهل والفقر والمرض, وكان يتصدرها كبار في العلم والمعرفة والفكر والأدب, من عينة شوقي وحافظ ومحمد فريد, وجدي والغاياتي والعقاد والرافعي والزيات.. ظلوا علي وفاء لضمائرهم وأخلاقهم, وتعرض بعضهم للمحاكمة والسجن, وباع بعضهم كتبه ليأكل.. ولم ينحنوا لغير الله.
بعد يوليو52 كانت النواة الصلبة للواجهة لم تزل قوية إلي حد ما, ولكنها بدأت تتفتت مع عقد الستينيات اللعين, ورأينا واجهة ثقافية لا تملك في مجملها علما ولا معرفة ولا موهبة اللهم إلا ملكية النفاق والتدليس والتبرير, ولم يكن غريبا أن يكون كثير منهم بلا مؤهلات مدرسية ذات قيمة, وإن كان فقدان المؤهل الدراسي لا يمنع من التفوق الثقافي والمعرفي كما نري لدي العقاد والرافعي مثلا, ولكن الكارثة أن يكون فقدان المؤهل مصحوبا بفقدان الضمير وفقدان المعرفة الحقيقية. ولذا لم يكن غريبا أن نري عامل النسيج وكاتب الشرطة والممرض والبائع السريح وتاجر الخضار وعامل التلغراف والمتعطلين علي المقاهي في وسط البلد, نجوما للثقافة وأعلاما في عصر الخيبة والقهر, ويشكلون في معظمهم ما يسمي الحظيرة الثقافية, وأقصي ما وصلوا إليه سؤال المخلوع: عن سعر الطماطم!